غياب استراتيجية رفع احتياطيات مصر يعمق جراح الجنيه
طالب مصرفيون ومحللون ماليون البنك المركزي بطرح أدوات استثمارية ذات عائد جذاب لاستقطاب تحويلات المصريين بالخارج
طالب عدد من الخبراء المصرفيين والمحللين الماليين إعلان البنك المركزي المصري بالتنسيق مع الحكومة عن خطة واضحة لرفع احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، لكونها الوسيلة الوحيدة لخروج البلاد من عُنق أزمة شُح الدولار ووجود فجوة كبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.
ويأتي هذا في الوقت الذي سجل سعر الدولار بالسوق الموازية رقمًا قياسيًّا الأيام القليلة الماضية بالارتفاع إلى 9.10 جُنيه بعد رفع سقف الإيداع بالعملة الصعبة للمصدرين من 250 ألف إلى مليون دولار شهريًّا.
وتتباين آراء المحليين إزاء مستقبل سياسات البنك المركزي في التعامل مع سعر الصرف؛ إذ يتوقع البعض الحفاظ على السعر الرسمي الحالي لتفادي ارتفاع تكلفة الدين الخارجي، في حين يرشح البعض تعويم الجنيه ليعبر عن حركة العرض والطلب.
إلا أن المحللين اتفقوا على وجوب تحريك سعر الصرف الرسمي هذا العام حتى تتمكن البلاد من تعزيز قدرتها على جذب استثمارات، فضلاً عن استقطاب الجهاز المصرفي الرسمي تحويلات المصريين في الخارج التي يذهب قرابة 90% منها إلى السوق الموازية.
من جانبها قالت بسنت فهمي أستاذ الاقتصاد والبنوك بالجامعة الفرنسية، عضو مجلس الشعب: إن أزمة شح الدولار تتفاقم منذ مطلع الماضي نظرًا لعدم وجود استراتيجية واضحة من قبل البنك المركزي والمجموعة الوزارية الاقتصادية لرفع احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي لتغطية الالتزامات، وكذلك الواردات التي سجلت 80 مليار دولار في العام 2015.
وطالبت فهمي الحكومة بوضع خطة لتشجيع المصريين على تحويل أموالهم من العملة الصعبة إلى القطاع المصرفي الرسمي بدلاً من بيعها بالسوق الموازية التي تحتكرها شركات الصرافة سواء داخل البلاد أو خارجها.
وأضافت أن البنوك المصرية عليها أن تطرح أدوات استثمارية ذات عائد جذاب بالعملة الصعبة لجذب أموال المصريين بالخارج، على غرار مبادرة بيع الأراضي التي استقطب 3.5 مليار دولار من أموال المصريين بالخارج حسب ما أعلن مجلس الوزراء المصري.
وبحسب تصريحات صحفية للمهندس محمد ريان نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين بالخارج، فإن تحويلات المصريين انخفضت خلال العام الماضي بما يعادل ٤ مليارات دولار لتسجل 18 مليار دولار مقارنةً بـ 22 مليار دولار في العام ٢٠١٤ إلى ٢٢ مليار دولار.
وأرجع ريان هذا الانخفاض إلى القرارات المضطربة للبنك المركزي، حيث ينبغي تحرير سعر الصرف وإتاحة حرية دخول وخروج الأموال.
ولا تدخل كافة تحويلات المصريين بالجهاز المصرفي الرسمي، فاستنادًا إلى تصريحات هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق في فبراير/شباط 2015، فإن البنوك استقبلت 10% فقط من تحويلات 2014، في حين ذهبت النسبة المتبقية للسوق الموازية.
وقد تعرض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي للتآكل على مدار 5 سنوات؛ إذ سجلت 16.445 مليار دولار بنهاية 2015 مقارنة بـ 36 مليار دولار بنهاية 2010 أي قبل اندلاع ثورة 2011.
من جهة أخرى أشارت أستاذة الاقتصاد والبنوك إلى أن البنك المركزي اتخذ عدة خطوات جيدة لتوجيه السيولة المتاحة من النقد الأجنبي للإنتاج بدلاً من الاستهلاك مثل حظر استخدام الأفراد للعملة الصعبة في شراء وبيع السلع والخدمات عبر البطاقات الائتمانية أو بطاقات الخصم أو البطاقات مسبقة الدفع.
وتابعت فهمي بأن رفع حد الإيداع النقدي الأجنبي للمصدرين من 250 ألف إلى مليون دولار شهريًّا يساهم في تأمين احتياجات المصانع من مدخلات الإنتاج والمعدات، ومن ثم تفادي تكرار توقف عمليات بالتشغيل، مؤكدة إمكانية عدم وضع سقف لتعاملات شركات التصدير على أن يتم ربط مستوى الإيداع بالعملات الأجنبية بقيمة الصادرات.
وقد أعلنت شركة فورد الأمريكية في مصر هذا الشهر عن إيقاف الإنتاج مؤقتًا بسبب العجز عن تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد مستلزمات الإنتاج.
من جانبها، أشارت نشوى حسن محللة مالية إلى أن تحليلات حركة سعر الصرف تكشف عن وجود توقعات بارتفاع الدولار بالسوق الموازية إلى 10 جنيهات في النصف الثاني من العام 2016، بعد قرار رفع السقف الإيداع الأجنبي للمصدرين إلى مليون دولار شهريًّا.
وأوضحت أن هذا القرار يعتبر بمثابة ضوء أخضر للشركات بالتعامل مع السوق السوداء بسبب تكدس طلبات الاستيراد بالبنوك نتيجة قلة موارد النقد الأجنبي.
وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه في العقود المستقبلية الاسترشادية إلى 10.675 جنيهات، وذلك في الوقت الذي أكد فيه بنك الاستثمار بلتون أن سعر الدولار بالسوق الموازية، والذي يدور حول 9 جنيهات يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه الآن.
وتوقعت حسن أن يؤدي رفع سقف الإيداع لشركات التصدير إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، نظرًا لأن التجار يعتمدون على سعر الدولار بالسوق الموازية لتقييم تكلفة الأعمال ومن ثم تحديد أسعار البيع.
وبالفعل بنك الاستثمار سي آي كابيتال ارتفاع متوسط معدل التضخم إلى ما يتراوح بين 11 و11.5% خلال العام الجاري، بينما يتوقع بنك الاستثمار برايم أن يصل إلى 10.8%.
فيما استبعدت المحللة المالية تجاه البنك المركزي المصري لخفض سعر الجنيه الآن، نظراً لأن مجلس الإدارة الحالي بقيادة طارق عامر يفضل الحفاظ على سعر الصرف لأطول فترة ممكنة حتى لا ترتفع تكلفة الدين الخارجي للدولة، أو أية إصدارات سندات دولية جديدة بالعملات الأجنبية أو القروض الخارجية التي تسعى الدولة للحصول عليها.
ووفقًا لبيانات البنك المركزي، فقد ارتفع صافي الدين الخارجي للبلاد 4.3% في السنة المالية 2014-2015 ليبلغ 48.062 مليار دولار في عام بنهاية يونيو/حزيران 2015 مقابل 46.067 مليار في نفس الفترة من العام السابق عليه.
وتدلل حسن على هذا الرأي بقيام عامر بمجرد توليه المسئولية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 برفع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار من 8.03 جنيه إلى 7.83 جنيه، وذلك على عكس سياسات هشام رامز المحافظ السابق للبنك المركزي التي تضمنت خفض الجنيه بنسبة 9% على 3 دفعات العام الماضي.
وأضافت أن البنك المركزي عزز سياسة الحفاظ على قيمة الجنيه عبر منح البنوك ملياري دولار لتغطية جزء من التسهيلات الائتمانية المؤقتة التي منحتها البنوك لعملائها.
ويؤكد تقرير بحثي صادر عن بنك الاستثمار أتش سي هذا التوجه، إذ أشار إلى أن سياسات البنك المركزي تعكس عدم نية البنك لخفض سعر الصرف في الوقت الحالي تخوفًا من النتائج التضخمية للقرار، ولكن استدركت اتش سي بقول: إنه من المرجح عدول المركزي عن سياساته بعد عدة أشهر خلال العام الحالي بخفض قيمة العملة لتواكب حركة العرض والطلب.
من جهة أخرى، أكدت المحللة المالية أن أزمة شُح الدولار لم تعد تقتصر تداعياتها على الشركات، بل انعكست على الأفراد أيضًا بعد تقليص أغلب البنوك السيولة الممنوحة لأغراض السفر.
فعلى سبيل المثال خفض البنك الأهلي المصري وهو أكبر البنوك الحكومية مخصصات السفر إلى ألفي دولار بدلاً من 3 آلاف دولار، فضلاً عن خفض حد السحب النقدي ببطاقات الخصم خارج البلاد من 8 آلاف جنيه، إلى 1600 جنيه أي ما يقارب 200 دولار فقط.
ورأت حسن أن أبرز الحلول السريعة المُتاحة أمام البنك المركزي الآن هو الحصول على قروض ومساعدات من الخارج سواء لصالحه مباشرةً أو لصالح البنوك المصرية، مثلما قام البنك الأهلي بالحصول على 700 مليون دولار من بنك التنمية الصيني أو حصول بنك مصر على قرابة 300 مليون دولار من بنك ABC البحرين.
كما أعلن البنك المركزي مؤخرًا عن توقيع اتفاقية مع البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير للحصول على تمويل بقيمة 500 مليون دولار لتمويل السلع الاستراتيجية ومستلزمات الإنتاج، فضلاً عن تدبير 900 مليون دولار من بنك التنمية الصيني.
وبحسب مذكرة بحثية صادرة عن بنك الاستثمار بلتون الأسبوع الماضي، فإن أفضل الحلول السريعة المتاحة أمام البنك المركزي هو الحصول على تمويلات خارجية وتوجيه جزء منها لطرح عطاء بالدولار بين البنوك لسد جانب من الفجوة بين العرض والطلب.
وأضافت المذكرة أن هذه الخطوة ينبغي أن تقترن برفع سقف الإيداع الأجنبي سواء للمصدرين أو المستودين حتى تستطيع المصانع العمل بانتظام.
وأكد بلتون أن سعر الصرف يجب أن يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه حتى تستطيع البلاد جذب استثمارات أجنبية سواء عبر البورصة أو في صورة مشروعات.
من جانبه، شدد هاني فرحات محلل الاقتصاد الكُلي ببنك الاستثمار سي آي كابيتال على ضرورة خفض سعر الجنيه دُفعة واحدة إلى مستوى يتجاوز 9 جنيهات مقابل الدولار حتى تستطيع البلاد تحفيز المستثمرين على ضخ استثمارات بناءً على قيمة حقيقية ومستقرة للعملة.
وتوقع فرحات أن يغير البنك المركزي سياسته النقدية بالتوجه نحو خفض الجنيه هذا العام إلى ما يتراوح بين 9 – 9.5 جنيه مقابل الدولار.
aXA6IDE4LjIxNi4xNzQuMzIg جزيرة ام اند امز