75 عاما على الناتو.. مستقبل غامض لأكبر تحالف عسكري دفاعي بالعالم
مستقبل غامض بات يواجه حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أكبر وأقوى منظمة عسكرية دفاعية في العالم، الذي يحتفل هذا الأسبوع في واشنطن بالذكرى الـ75 لتأسيسه.
مناسبة ألقى عليها بظلاله هزات ضربت أبرز الأعضاء، وعلى رأسهم أمريكا التي يواجه رئيسها جو بايدن أزمة كبيرة بعد أدائه الكارثي في مناظرة تلفزيونية مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي سيستقبل قادة الحلف الـ32 لثلاثة أيام اعتبارا من الخميس.
كما يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة بعد زلزال سياسي شهدته بلاده مع صعود أقصى اليمين الذي بات على أبواب السلطة في الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها.
وتتجه الأنظار أيضا إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، بعد الجدل الذي أثاره بقيامه، الجمعة، بزيارة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين.
وتلقي هذه السلسلة من الأحداث بظلالها على المحادثات بين قادة الحلف الأطلسي خلال جلسات العمل ومأدبة العشاء الرسمية واللقاءات الثنائية على هامش القمة.
وقال مسؤول أوروبي الأسبوع الماضي طالبا عدم كشف اسمه: "هناك الكثير من الأحاديث والشكوك على خلفية الأوضاع الداخلية لكل بلد"، وسيكون هدف القمة "تبديد هذه الهواجس".
ما هي قدرات الحلف؟
بعدما أبصرت النور في بداية الحرب الباردة، باتت منظمة معاهدة شمال الأطلسي (حلف شمال الأطلسي) أكبر منظمة عسكرية للدفاع المشترك، تضم 32 دولة عضوا في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتنتمي القوات المسلحة التابعة لحلف الناتو إلى دوله الأعضاء، وتشرف عليها قيادة موحدة للحلف في كل مرة يتم إطلاق مهمة.
وتشكل القوات الأمريكية الكتيبة الأكبر من دون منازع وتنتشر في أوروبا عبر 79 ألف رجل وامرأة، أكثر من 48 ألفا منهم في ألمانيا، وفق وزارة الدفاع الأمريكية.
والمعدات العسكرية الوحيدة التي يملكها الحلف بالمعنى الفعلي هي أسطول من طائرات الاستطلاع من طراز "إواكس" وطائرات مسيرة.
ومع انضمام السويد إلى الحلف في مارس/آذار، أضيف 50 ألف جندي، نحو نصفهم من الاحتياط، إلى القوات المسلحة التي يمكن للحلف أن يعول عليها والتي يقدر عددها الكامل بأكثر من 3 ملايين عسكري، بحسب العديد من المعاهدة المتخصصة.
تاريخ الحلف
تأسس حلف شمال الأطلسي بموجب معاهدة وقعت في الرابع من أبريل/نيسان 1949 في واشنطن، وكانت الغاية الرئيسية منه احتواء الخطر السوفياتي وتأكيد مبدأ التضامن المتبادل بين جميع أعضائه.
ومنذ قمة مدريد التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، تبنى الحلف مفهوما استراتيجيا جديدا يعتبر أن روسيا هي "التهديد الأكثر خطورة لأمن المنطقة الأوروبية-الأطلسية".
وأضيفت إلى مؤسسيه الـ12، الولايات المتحدة وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا والمملكة المتحدة وأيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ والنرويج وهولندا والبرتغال، عشرون دولة أخرى مع الأعوام، كان آخرها فنلندا والسويد.
وشكلت لندن أولا مقرا للحلف قبل أن ينتقل إلى باريس، ثم إلى بروكسل العام 1966، فيما تقع قيادته العسكرية في مونس البلجيكية أيضا.
ويشغل رئيس الوزراء النرويجي الأسبق ينس ستولتنبرغ (69 عاما) أمانته العامة منذ 2014. وتنتهي ولايته في أكتوبر/تشرين الأول المقبل على أن يخلفه رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته (57 عاما)، وتتمثل الهيئة التنفيذية الرئيسية للحلف في مجلس شمال الأطلسي.
أبرز ما قام به الحلف
تعتبر المادة الخامسة من معاهدة إنشاء الحلف العمود الفقري للمنظمة، إذ تنص على أن أي هجوم تتعرض له دولة عضو يعتبر هجوما على جميع الأعضاء.
وتم اللجوء الى هذه المادة للمرة الأولى العام 2001 دعما للولايات المتحدة غداة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفتها في 11 سبتمبر/أيلول.
على مدى تاريخه، أطلق الحلف مهمات عدة بينها تلك التي نفذها في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. وقد انتهت في سبتمبر/أيلول 2021 مع تعبئة نحو 10 آلاف جندي حتى ذلك التاريخ.
والحلف موجود أيضا في العراق، وكذلك في كوسوفو عبر نحو 4500 عنصر ينتمون الى 27 بلدا.
مستقبل أوكرانيا
ويبقى السؤال الكبير المطروح خلال القمة التي سيحضر إليها أيضا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أي رسالة يمكن توجيهها لكييف تحديدا.
ويلوّح قادة الحلف باحتمال انضمام كييف مستقبلا، وذلك منذ قمة فيلنيوس العام الماضي التي لم يحصل زيلينسكي خلالها على التزام حازم بهذا الشأن، غير أنهم غير مستعدين لإصدار دعوة فعلية للانضمام طالما أن أوكرانيا في حرب مع روسيا.
واعتبر مصدر دبلوماسي أوكراني مؤخرا أن "فرص حصولنا على دعوة للانضمام إلى الحلف الأطلسي قريبة من الصفر" في ظل معارضة واشنطن وبرلين.
عوضا عن ذلك، تتحدث الولايات المتحدة عن دعم يسمح بمد "جسر نحو الانضمام"، بناء على برنامج قوي من المساعدات والاتفاقات الدفاعية الثنائية، فيما تدعو عدة بلدان أوروبية إلى إدراج انضمام "لا رجوع عنه" في البيان الختامي، لكن مصادر دبلوماسية أكدت أن الموضوع "لا يزال قيد النقاش".
وأكد مسؤول أمريكي كبير أن المطلوب هو "أن تكون أوكرانيا مستعدة، مستعدة حقا، منذ اليوم الأول، للارتباط بباقي الحلف حين يتفق الحلفاء الـ32 على انضمامها".
ومن القرارات المرتقبة تولي الحلف الأطلسي تنسيق المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا، وهي مهمة تتكفل بها الولايات المتحدة حاليا.
وستكون هذه سابقة بعدما أبدى الحلفاء حتى الآن تحفظات حول كل ما يمكن أن يفسر على أنه تصعيد مع روسيا.
كما يفترض أن يقر الحلف رسميا دعما عسكريا لأوكرانيا بقيمة 40 مليار يورو في السنة وإمدادها بوسائل دفاع جوي جديدة، وفق ما أورد دبلوماسيون.
مخاوف وعين على آسيا
ويدعو الأمين العام المنتهية ولايته للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ الذي سيخلفه الهولندي مارك روته في أكتوبر/تشرين الأول، إلى إضفاء طابع "مؤسساتي" على دعم الحلف.
والهدف أيضا هو حماية الحلف من المتغيرات السياسية في ضفتي الأطلسي، في وقت يتخوف الحلفاء الأوروبيون من احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بمواقفه التي "لا يمكن التكهن بها".
واستجاب الأوروبيون في هذه الأثناء للدعوات إلى زيادة إنفاقهم العسكري، وهو ما سيشدد عليه الحلف هذا الأسبوع.
والموضوع الآخر الكبير المطروح سيكون اليد الممدودة للدول الشريكة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مع دعوة قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا للمشاركة في القمة الخميس إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
ويحصر الحلف الأطلسي نطاق عمله جغرافيا بمنطقة أوروبا والمحيط الأطلسي، لكن الولايات المتحدة دعت مرارا الحلف للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني.
وترى دول مثل فرنسا أن لا دخل للحلف في هذه المنطقة، لكنها تدعوه إلى توسيع تعاونه من خلال الانخراط أكثر في مجالات مثل الإنترنت والفضاء التكنولوجيا.
ومن المتوقع أن تصدر القمة إدانة حازمة للدعم الصيني لروسيا الذي يسمح برأي الدول الغربية لموسكو بالاستمرار في مجهودها الحربي.
كم ينفق الحلف؟
وفي مواجهة التهديد الروسي وشبح عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، تنفق الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي على دفاعها أكثر مما فعلت في أي وقت مضى في تاريخها.
لكن التزامها هش ويخضع للتقلبات الانتخابية، وهو بدون شك غير كاف في عالم يزداد خطورة.
ويثير فوز ترامب المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو الذي وصف في السابق حلف الأطلسي بأنه منظمة "عفا عليها الزمن"، قلقا في بروكسل والعديد من العواصم الأوروبية.
ويهاجم ترامب بانتظام الجهات "التي لا تدفع كثيرا" في أوروبا ملمحا الى أنهم لن يستفيدوا بعد الآن من الحماية الأمريكية إذا لم يسددوا فواتيرهم.
وهو ليس أول رئيس أمريكي يدين عدم التزام الأوروبيين بتأمين دفاعهم عن أنفسهم. لكنه كان "صريحا جدا ومباشرا للغاية في انتقاداته للحلفاء" كما ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في مقابلة مع وكالة فرانس برس الأسبوع الماضي.
وللرد على هذه الانتقادات، حدد حلف شمال الأطلسي في 2014 هدفا للتكتل هو تخصيص 2% على الأقل من إجمالي ناتجه الداخلي للنفقات العسكرية، وقبل 10 سنوات، كانت 3 دول فقط تحترم هذه العتبة، وباتت اليوم 23 من أصل 32.
وقال ستولتنبرغ "نحن في وضع أفضل لإثبات أن (...) الولايات المتحدة لا تتحمل وحدها عبء" النفقات.
وأورد إيان ليسر خبير حلف شمال الأطلسي في صندوق مارشال الألماني، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، "حتى في الدول المترددة في إنفاق المزيد على الدفاع، هناك الآن شعور بالحاجة الملحة الى زيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير".
وأضاف "أعتقد أنه، بشكل تقريبي، سيكون لدينا في السنوات المقبلة مستوى من الإنفاق العسكري يكون أقرب الى ما عرفناه خلال الحرب الباردة"، وتلك هي رغبة دول البلطيق وبولندا، التي تعتبر تقليديا مشككة جدا حيال روسيا.
وذكرت رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس الأسبوع الماضي خلال زيارة لمقر الحلف أنه "عام 1988، كان جميع الحلفاء ينفقون أكثر من 2%، وفي الواقع حوالي 6% على دفاعهم لأن التهديد كان حقيقيا، كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة".
وأضافت كالاس التي تم تعيينها للتو مسؤولة الدبلوماسية الأوروبية "الآن لدينا حرب في أوروبا، ونحن لا ننفق ما يكفي".
ويمول حلف شمال الأطلسي القسم الأكبر من المجهود الحربي الذي تبذله أوكرانيا ضد روسيا، بنحو 40 مليار يورو سنويا، لكن يتعين عليه أيضا تمويل استعداداته الخاصة لصراع محتمل مع موسكو.
وخلال قمة فيلنيوس العام الماضي، تبنى حلف الأطلسي خططًا دفاعية جديدة لتأخذ في الاعتبار هذا التهديد الروسي، والذي تصاعد مع غزو أوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
وأقر مسؤول عسكري كبير في الحلف قبل بضعة أسابيع بـن "الكثير من الإمكانات مطروحة على الطاولة والفاتورة باهظة". وفي هذا الإطار، يسعى الحلفاء إلى تعزيز صناعتهم الدفاعية، وستعيد قمة واشنطن التأكيد على هذا الالتزام، بحسب دبلوماسي في حلف شمال الأطلسي.
وقال دبلوماسي آخر في الحلف، إن مثل هذا المجهود الحربي يمثل عشرات أو حتى مئات المليارات من اليورو.
وبعد سنوات من الاقتطاعات في موازنة الدفاع، لم يعد من السهل على الدول تقليص الإنفاق الاجتماعي أو التعليم لشراء أو إنتاج مزيد من الأسلحة.
وأكد دبلوماسي في بروكسل أن "هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه: لتنفيذ الخطط (الدفاعية) الجديدة، من الواضح أن 2% (من إجمالي الناتج الداخلي) لن تكون كافية".
وعودة ترامب المحتملة الى البيت الأبيض ستؤدي حتما إلى تسريع العملية، إذ أضاف الدبلوماسي "أعتقد أننا نسير في هذا الاتجاه، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، ولكن إذا فاز ترامب، فسيحدث ذلك بشكل أسرع".
aXA6IDMuMTQ1LjEwLjgwIA== جزيرة ام اند امز