الناتو تحت الماء.. تحرك دفاعي لتأمين «شرايين الإنترنت»
مع تزايد المخاوف من أي تهديد تخريبي، يتحرك "الناتو" لحماية خطوط الأنابيب والكابلات البحرية التي تدعم الاقتصاد العالمي، تحت الماء.
ولا يقتصر التهديد على منطقة أو منطقتين. إذ يعتقد مسؤولو حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أن روسيا لديها برنامج منذ عقود، لرسم خريطة للبنية التحتية الأوروبية تحت الماء كجزء من الجهود الرامية إلى إعداد ساحة المعركة لصراع محتمل مع التحالف المكون من 32 دولة.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، أدت سلسلة انفجارات وقعت تحت الماء إلى تخريب خطّي أنابيب الغاز "نورد ستريم 1 و2" اللذين بُنيا لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا الغربية.
حينها، وصفت الولايات المتحدة و"الناتو"، الحادث بأنه "عمل تخريبي"، في حين ألقت روسيا بالمسؤولية على الغرب، دون أن يقدم أي طرف أدلته.
واحتجت موسكو على عدم توصل التحقيقات لأي نتائج، واتهمت وزارة الخارجية الروسية، ألمانيا والدانمارك والسويد، بتعمد التلكؤ في التحقيق ومحاولة إخفاء من يقف وراء التفجيرات.
وفي تهديد روسي، اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، أن "تورط دول غربية في تخريب خطوط الأنابيب، يرفع أي عائق أو مانع أخلاقي أمام أي توجه روسي للرد عبر تدمير خطوط اتصال الدول غير الصديقة الموضوعة في قاع المحيط".
"البنية التحتية لعدوك"
وقال مسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي، لمجلة "فورين بوليسي" مفضلا عدم ذكر اسمه استنادًا إلى القواعد الأساسية للتفاعل مع الصحفيين التي وضعها الحلف، "جزء من تخطيط الحرب الروسية هو معرفة مكان البنية التحتية الحيوية لعدوك". مضيفا "نحن نعلم أن هناك إمكانية لإلحاق الضرر إذا أرادوا ذلك".
وهناك كابلان فقط يربطان أرخبيل سفالبارد القطبي الشمالي النائي بالبر الرئيسي للنرويج، ويوفران تقريبا جميع البيانات من الأقمار الصناعية التي تدور حول القطب الشمالي إلى بقية العالم، لكنهما توقفا قبل عامين.
وتُظهِر صور الشرطة النرويجية التي صدرت في أواخر مايو/أيار الماضي، الضرر الكارثي الذي لحق بأحد كابلات الألياف الضوئية في سفالبارد، حيث انفتح الغلاف البلاستيكي، وانكشف الكابل ومعه الأسلاك.
ويُنظر إلى الحادث الذي لم يُحل في يناير/كانون الثاني 2022، والذي قطع تدفق البيانات من أقمار "سفال سات" وقيّد حركة المرور الجوي إلى الأرخبيل، كإشارة تحذيرية حول ما يمكن أن يحدث عندما يتم قطع الكابلات البحرية التي تدعم معظم شبكة الاتصالات العالمية. وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في المجلة الأمريكية.
وفي هذا الصدد، استشهدت المجلة بالتهديدات التي تشكلها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وبحسب "فورين بوليسي"، "لا يتطلب الأمر جهدا كبيرا من جانب الروس للحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها لإحداث الضرر".
عملية معقدة
ووفق تقارير صحفية، فإن استهداف الكابلات تحت الماء، يمكن أن يتسبب في أضرار بالغة على أكثر من مستوى، خاصة على الاقتصاد العالمي. لكن شن هجوم على هذه الكابلات أمر معقد للغاية، ويحتاج لكم هائل من المعلومات والتخطيط.
لذلك تقول نيكول ستاروسيلسكي، الأستاذة في جامعة نيويورك التي أمضت ست سنوات في دراسة كابلات الإنترنت لكتابة كتاب "الشبكة تحت البحر"، "إن مقدار القلق من قيام شخص ما بتخريب كابل واحد أو عدة كابلات هو أمر مبالغ فيه.
وأوضحت "إذا كانت جهة ما تعرف كيف تعمل هذه الأنظمة، وإذا قامت بشن هجوم بالطريقة الصحيحة، فيمكنها تعطيل النظام بأكمله. لكن احتمال حدوث ذلك ضئيل للغاية. ومعظم المخاوف لا تشكل تهديدًا تقريبًا على الإطلاق."
وردا على ذلك، أصبح لدى حلف شمال الأطلسي الآن مجموعة تنسيق للبنية التحتية تحت الماء تجمع بين المسؤولين العسكريين والمدنيين ولديها القدرة على عقد اجتماع لكبار الممثلين من القطاع الخاص، ومقرها القيادة البحرية للحلف في ضاحية نورثوود في لندن.
وفي مثل هذا الشهر من العام الماضي، أطلق "الناتو" مركزا جديدا لحماية خطوط الأنابيب والكابلات تحت الماء في أعقاب الهجوم على خطوط أنابيب نورد ستريم، وسط مخاوف من أن روسيا ترسم خرائط للبنية التحتية الغربية الحيوية للطاقة والإنترنت في المياه المحيطة بأوروبا.
ماذا سيفعل الناتو تحت الماء؟
يتجه الجهد المطلوب نحو محاولة لاستخدام قوة الحوسبة لحماية شبكة الكابلات البحرية الشاسعة التي تدعم جزءا كبيرا من الاقتصاد العالمي.
وبما أن تسيير دوريات تحت الماء طوال الوقت أمر شبه مستحيل دون وجود عدد غير واقعي من الغواصات ــ وخاصة عبر المحيط الأطلسي ــ فإن التحالف مضطر إلى الاعتماد على أجهزة الحاسب الآلي.
وبالاستعانة بالبيانات المستمدة من واجهات البرامج ومشغلي الكابلات وخطوط الأنابيب أنفسهم، يعمل حلفاء "الناتو" بالتعاون مع القطاع الخاص لإنشاء نظام تنبيه ضخم لآلاف الأميال من البنية الأساسية تحت الماء في شمال أوروبا، بالاعتماد على أجهزة استشعار من الكابلات فضلا عن أجهزة استشعار صوتية متصلة بتوربينات الرياح، والتي يمكن استخدامها للكشف عن المخالفات.
وقال أودون هالفورسن، مدير إدارة الطوارئ في جمعية مالكي السفن النرويجية (ونائب وزير خارجية البلاد سابقا): "أعتقد أن عمليات حلف شمال الأطلسي في مرحلة مبكرة للغاية".
وتابع قائلا "إنهم يحاولون في الأساس رسم خريطة للمشهد عندما يتعلق الأمر بالاختصاصات القضائية والسلطات المعنية. أنت تواجه مجموعة ضخمة من الأنظمة التنظيمية المختلفة للصناعة حول حوض البحر".
وتقطع خطوط أنابيب النفط والغاز حوالي 8000 كيلومتر عبر بحر الشمال وحده، ومن المستحيل مراقبة الأنظمة والشبكات والشبكات الكهربائية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
وفق وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، يتم الإبلاغ عن حوالي 100 حادثة قطع كابلات كل عام في جميع أنحاء العالم، وغالبا ما يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت متعمدة.
وفي تصريحات سابقة، قال الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ "لا توجد طريقة تمكننا من وجود حلف شمال الأطلسي على طول هذه الآلاف من الكيلومترات من البنية التحتية تحت الماء".
مستدركا "لكن يمكننا أن نكون أفضل في جمع المعلومات الاستخباراتية، وتبادل المعلومات، وربط النقاط، لأنه يوجد أيضا في القطاع الخاص الكثير من المعلومات" حول تحركات السفن والمراقبة البحرية.