منذ بدء حملة الترشح للرئاسة داخل الحزب الجمهورى منتصف الصيف الماضى أصبح ترامب يمثل أهم ظاهرة فى هذه الانتخابات. ولا يقتصر
السؤال الأهم على ساحة الانتخابات الأمريكية يتمحور حول ظاهرة دونالد ترامب، وكيف له أن يحقق كل هذا النجاح حتى الآن. ومنذ بدء حملة الترشح للرئاسة داخل الحزب الجمهورى منتصف الصيف الماضى أصبح ترامب يمثل أهم ظاهرة فى هذه الانتخابات. ولا يقتصر الاهتمام بترامب على الداخل الأمريكى فقط، فالعالم كله يهتم كما نعرف بالانتخابات، إلا أن تصريحات ترامب ومواقفه المثيرة للجدل والعنصرية والمخيفة، جعلت أنظار العالم تتجه إليه فى محاولة لفهم مفاتيح هذه الظاهرة، والتقيت أخيرا صحفيا ألمانيا يعمل مع مجلة شبيجل، وذكر لى أنه جاء من ألمانيا فقط ليغطى أخبار دونالد ترامب وحملته الانتخابية وكل أنشطتهم. وعلى الجانب الآخر من العالم، وخلال زيارة قمت بها لليابان الأسبوع الماضى، كانت أسئلة النقاشات التى جمعتنى مع العديد من الأكاديميين والباحثين والصحفيين اليابانيين تدور حول موضوعين، داعش (كونى من الشرق الأوسط) وترامب (كونى قادم من واشنطن).
ويعكس موقف العالم من ترامب مخاوف كبيرة من احتمال وصوله للبيت الأبيض. ولا تقتصر هذه المخاوف على العالم الخارجى، بل تمتد للكثير من الأمريكيين عموما، ومن الجمهوريين بصفة خاصة.
ويمكن تفهم بعض أبعاد ظاهرة ترامب من خلال التعرض لنقاط أساسية مهمة تسهل من فهم ديناميكيات التنافس داخل الحزب الجمهورى:
أولا: تنقسم الكتلة التصويتية داخل الحزب الجمهورى إلى ثلاث فئات أساسية أولها المحافظون المتدينون الايفانجليكال)، وهى فئة متدينة ومتشددة اجتماعيا.
وثانيهم فئة الطبقة العاملة (الطبقة الوسطى الدنيا) ذات مستويات التعليم المتوسطة (أقل من الجامعة)، والتى تنتشر بين عمال المصانع وأصحاب الوظائف المكتبية ذات الدخول المنخفضة، وثالث فئة هى جمهوريو الوسط، أو الجمهوريون المعتدلون أى الصوت الوسط المعتدل بمعايير الحزب الجمهورى الذى يتجه بشدة نحو اليمين. وتشغل كل فئة تقريبا ثلث أعداد المنتمين للحزب الجمهورى.
ثانيا: يتركز أنصار المرشح ترامب داخل الفئة الثانية التى تتكون من الطبقة الجمهورية العاملة. وهى طبقة بيضاء البشرة فى معظمها، ووجدت هذه الطبقة فى ترامب نموذجا للتعبير عن غضبها من ما يعتقدونه وضعا اقتصاديا متدهورا (رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة خلال السنوات السبع الأخيرة). وشعرت هذه الطبقة قبل ذلك بقسوة أزمة الرهون العقارية وتبعاتها، ولم تزد أجورهم، وزادت ديون أسرهم. ويلقى هؤلاء باللوم على الآخرين سواء المهاجرين، أو الليبراليين، أو الصين أو حتى اليهود فى بعض الأحيان.
***
ثالثا: ترامب ملياردير ولديه الكثير من الأموال، من هنا لم يكن ترامب مضطرا إلى إرضاء أصحاب رؤوس الأموال، أو ممولى الحملات الانتخابية. وأدرك ترامب أهمية بث الإثارة لحملته الانتخابية من أجل الحصول على تغطية إعلامية كبيرة يمكن من خلالها الوصول للفئات المناصرة له والتى تشعر بالغضب من المؤسسات الحاكمة ومن الأوضاع العامة. وخرج ترامب بتصريحات تنادى بحظر دخول المسلمين إلى أمريكا، وتعهد ترامب بترحيل المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بشكل جماعى (11 مليون شخص)، واتهم المكسيك بإرسال المغتصبين ومروجى المخدرات عبر الحدود.
وكذلك سخر ترامب من المعاقين ذهنيا ومن النساء باستخدام ألفاظ خارجة.
رابعا: لكل ما سبق سيطرت أخبار وتصريحات ترامب على وسائل الإعلام. ويلعب الإعلام دورا طاغيا فى التأثير على هوية المرشح الفائز. وأظهرت نتائج انتخابات الجمهوريين حتى الآن فى ولايات آيواه ونيو هامبشير وكارولينا الجنوبية ونيفادا أن المرشحين الثلاثة الأوائل هم أكثر ثلاثة مرشحين ذكرا وتكرارا فى وسائل الإعلام المختلفة. فعن طريق تحليل بيانات عدة وسائل إعلام أمريكية مهمة (بلومبرج، فوكس، سى إن إن، وإم إس أن بى سى، برامج التوك شو الليلية، سى إن بى سى)، كشف مشروع جيلت GDELT PROJECT لتحليل البيانات الضخمة Big Date، بعد أن جمع وحلل مخازن بيانات وسائل الإعلام المذكورة، أن ذكر وتكرار اسم المرشحين الجمهوريين خلال المائة يوم الأخيرة جاء كالآتى: ترامب 121285 مرة، روبيو 28707، وكروز 24745 مرة.
خامسا: لم يعد من المهم لدى قطاعات واسعة من الناخبين الأمريكيين ما يمثله الاطار الإيديولوجى للحزب السياسى، ويرى الكثيرون «مؤسسة الحزب» كشىء من تراث الماضى.
وعلى سبيل المثال ينادى الحزب الجمهورى كلاسيكيا بالسياسات المحافظة المتشددة اجتماعيا، ومنها على سبيل المثال معاداته لزواج المثليين جنسيا، ولحق الإجهاض، أو الإنجاب خارج منظومة الزواج، وضد الإلحاد. واقتصاديا ينادى الجمهوريون بتخفيض الضرائب وتقليص الموازنة والإنفاق العام، ورفع القيود عن التجارة.
وسياسيا هم متحفظون تجاه قضية الهجرة، ويعادون سياسات دعم الدولة لخدمة الرعاية الصحية للجميع أو توفير تعليم مجانى.
ويعادى الجمهوريون مدينة نيويورك (مقر رأس ومقر سكن ترامب) وكل ما يخرج منها. إلا أن ترامب يمثل كل ما هو عكس ما سبق ذكره، ورغم ذلك يحصل على أصوات ثابتة تقترب من نسبة 35% من الجمهوريين. وأصبحت العلاقة بين الناخب والسياسى تشبه العلاقة بين المشاهد والفنان، أى لا يمكن وضع قوالب جامدة لها. البعض يؤمن بشخص ترامب، ويراه شخصا يمثله أو يشبهه، أو يراه يعكس شجاعة قول ما لا يستطيع بقية السياسيين قوله، والبعض يراه متعجرفا ومحدودا لكنه استطاع أن يأسر قلوبهم رغم إدراكهم كذبه أحيانا، وادعاءاته أحيانا أخرى.
***
سادسا: أهم نجاح لترامب حتى الآن أنه أصبح محصنا ضد أى أخطاء أو سقطات، يقول ما يقول، ويخطئ ما يخطأ وذلك كله بدون حساب. لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه «آسف» أو «لم أكن أقصد ذلك»، وما ذكره ويذكره ترامب كفيل بإسقاط أى مرشح تقليدى. ويدرك ترامب هذا جيدا ويستمر فى إثارة الجدل، ولا يتوقف عند إطلاق الوعود الفارغة.
سابعا: لم يستطع ترامب بعد أن يتخطى حاجز الـ 35% من أصوات الجمهوريين، وهذا يعنى أن هناك 65% من الجمهوريين لا يؤيدون ترامب. ولا يلعب الوقت فى صالح ترامب، فمع انسحاب المزيد من المرشحين، واقتراب انحصار السباق بين ثلاثة مرشحين أو حتى مرشحين، ستقل حظوظ المرشح المثير للجدل، وقد تنقلب الصورة لصالح المرشح الأكثر احتمالا للانتصار على هيلارى كلينتون... ماركو روبيو!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة