خليل التفكجي يكشف لـ"بوابة العين": إقامة دولة فلسطين مستحيل
إسرائيل تسارع الخطى لتنفيذ خطة متكاملة لتوطين مليون مستوطن بالضفة والقدس
154 مستوطنة و106 بؤر استيطانية بالضفة الغربية
يستشعر العضو السابق في الوفد الفلسطيني المفاوض خليل التفكجي، خطورة تصاعد وتيرة الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين، إلى الحد الذي دعاه لإطلاق انتفاضة خاصة لمواجهة الهجمة الاستيطانية وما يتخللها من اعتداءات لا تتوقف ضد الفلسطينيين.
ويشبه التفكجي في حواره مع "بوابة العين" واقع الكينونة الفلسطينية بالضفة والقدس بالسجن، قائلاً: "ما يوجد في الضفة الغربية والقدس عبارة عن تجمعات سكنية فلسطينية محاطة بمستوطنات، والدخول والخروج للتجمعات الفلسطينية هذه مناط بالإذن الإسرائيلي".
وأضاف: "عندما تدخل إسرائيل بقواتها عمق الأرض الفلسطينية تنسف وتعتقل وتعمل ما تريد، ونحن نتفرج هذا يؤكد أنها تحكم سيطرتها عبر مستوطناتها وطرقها الالتفافية".
ولا يتردد المفاوض الفلسطيني السابق عن الإقرار بأن إسرائيل استغلت عقدين من المفاوضات؛ لتطوير برنامجها الاستيطاني، لافتًا إلى أن عدد المستوطنين في الضفة والقدس كان عام 1991 ( قبل مدريد) 105 آلاف مستوطن، أما اليوم فهناك 600 ألف مستوطن في القدس والضفة، وعدد الوحدات السكنية في المستوطنات كان 32 ألف وحدة، وتضاعف لـ64 ألف وحدة.
وأشار إلى أن السلطات الإسرائيلية "لم تكن قبل السلام تسطيع تنفيذ مخططاتها الاستيطانية بهذه السهولة".
طبيعة عمل التفكجي جعلته يتتبع كل معلومة تتعلق بالاستيطان الذي بات همًّا يؤرق الحياة الفلسطينية ويقطع أوصال المدن والقرى في الضفة والقدس ويحولها إلى كانتونات منعزلة؛ تصعب فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المترابطة، التي يناضل الفلسطينيون من أجل تجسيدها على أرض الواقع، لتتويج نضال وتضحيات استمرت عقودًا طويلة.
والتفكجي الذي يعد واحدًا من أبرز الخبراء الفلسطينيين في شؤون الاستيطان والحدود، ظل لسنوات طويلة في وفد المفاوضات مع إسرائيل، قبل أن يصل لقناعاته بصعوبة قيام دولة فلسطينية على أي مساحة من الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية حاليًا.
الأيديولوجية في خدمة الاستيطان
يتوقف التفكجي عند معلومة ذات دلالة خطيرة، على طبيعة وهوية الصراع على الأرض في المنطقة؛ تتعلق بكون 30% من المستوطنين أيديولوجيين متطرفين، فيما البقية يغلب عليهم النمط الاقتصادي، مؤكدًا أن الأوائل يشكلون خطرًا على الفلسطينيين، وعلى الأرض الفلسطينية، كونهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض الحقيقيين.
يُذكر أن المستوطنين المتطرفين شكلوا عصابات يطلق عليها "تدفيع الثمن"، تأخذ على عاتقها مهاجمة القرى والمزارع الفلسطينية في الضفة الغربية، وتنفيذ اعتداءات خطيرة، كان من أبرزها في الأشهر الأخيرة اختطاف الفتى محمد أبو خضير وقتله حرقًا، وكذلك إحراق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما بنابلس، ما أدى إلى مقتل الطفل الرضيع علي دوابشة قبل أن يلحق به والداه، فيما لا يزال شقيقه الناجي الوحيد يعاني من حروق خطيرة؛ وهي جملة تطورات ساهمت في تأجيج حالة الاحتقان بالمنطقة، وصولاً لاندلاع انتفاضة الغضب الفلسطينية الحالية.
إسكان مليون مستوطن
الخطير، بحسب الخبير الفلسطيني؛ أن إسرائيل تسير على منهجية واستراتيجية واضحة، منذ أن وضعت برنامجها الاستيطاني عام 1979، محذراً بأنها تسعى إلى توطين مليون مستوطن في أراضي الضفة والقدس المحتلتين؛ لخلق واقع ديمغرافي جديد.
وقال : "هم (قادة الاحتلال والمستوطنين) الآن يستعجلون تنفيذ هذه الخطة للوصول إلى هذا الرقم".
مزيد من الحقائق والمعطيات يقدمها تفكجي عن واقع وحجم الاستيطان في الضفة والقدس؛ بما يعكس حجم التحديات التي تواجه حلم الفلسطينيين في الوصول إلى الدولة والاستقلال.. مبينًا: "اليوم هناك 145 مستوطنة في الضفة و15 مستوطنة بالقدس، فضلاً عن 116 بؤرة استيطانية في الضفة بدأ إنشاؤها في 1991، فضلاً عن مئات الحواجز ، والطرق الالتفافية".
وبمرارة يقول : "واحدة من هذه الأمور كفيلة بتدمير تواصل الدولة الفلسطينية جغرافيا، فكيف لو كانت كلها مجتمعة وتعمل إسرائيل على توسيعها ليل نهار؟"
ويشير إلى أن مساحة هذه المناطق التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال تبلغ حوالي 10%، تمثل المستوطنات 6%، والطرق الالتفافية حوالي 3%، مؤكدًا أن هذه المساحات هي أهم مناطق الضفة من النواحي الاقتصادية الزراعية (غور الأردن شرق الضفة) ومن نواحي المياه (وسط الضفة) والجدار غرب الضفة.
جغرافيا الأمر الواقع
ويستمر المفاوض الفلسطيني السابق في تساؤلاته الموجعة بلا إجابة واضحة : "المستوطنات تسيطر على أهم الأراضي الفلسطينية، وعلى مفاصل الشوارع الرئيسة ورؤوس الجبال في الضفة والقدس، وعلى مسطحات مياه الضفة، فماذا تبقى للدولة بعد كل هذا؟"
ويبدي الخبير الفلسطيني أن التوسع الاستيطاني في الضفة يسير بتخطيط استراتيجي إسرائيلي، "هو يعمل على فرض وقائع على الأرض لمنع الدولة الفلسطينية، ليؤكد نظريته القديمة الجديدة بأن الضفة لا تستوعب دولة، وإنما دولة الفلسطينيين في الأردن".
وفي خطوة تحدٍّ لإسرائيل، في ضوء تعثر مسار المفاوضات؛ لم يجد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من خيار سوى الذهاب للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ففي 14 سبتمبر 2015، اعترفت 136 دولة من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة رسميًّا بدولة فلسطين، ويبقى ذلك خطوة رمزية في ضوء الفيتو الأمريكي والرفض الإسرائيلي برفض إقامة هذه الدولة المنشودة إلا من خلال مسار المفاوضات المعطل بفعل الممارسات الإسرائيلية الأحادية.
هاجس الدولة الفلسطينية وصعوبة إقامتها يسكن التفكجي، ويجعله يعود للحديث عن الموضوع، مؤكدا أن العقبة الرئيسة في إقامة دولة فلسطينية على مساحة جغرافية متواصلة هي المستوطنات التي تفصل الضفة عن بعضها البعض بما يمنع أي تواصل فعلي على الأرض.. حتى التواصل بين التجمعات الفلسطينية اليوم بات عبر أنفاق أرضية تربط بين المناطق، مثل الأنفاق في بيت لحم وقلقيلية وطولكرم وشمال غرب القدس.
وأضاف: "حتى العام 2001، كان بالإمكان تطبيق حل الدولتين، أما الآن فإن هناك في الضفة الغربية دولة المستوطنين، ودولة التجمعات السكانية الفلسطينية، ولا يوجد تواصل بين المناطق السكنية الفلسطينية، إذ أنه بين الموقع والآخر هناك تقاطع مستوطنات، وعندما تسافر من شمال الضفة الغربية إلى وسطها يتعين عليك المرور عبر حواجز ومستوطنات يقطنها الآن أكثر من نصف مليون، لهم شوارعهم الخاصة، وسيطرتهم على الأرض".
مراحل الاستيطان
ويشير التفكجي إلى أن الاستيطان الإسرائيلي مر بثلاث مراحل رئيسة، منذ العام 1967 (احتلال الضفة وقطاع غزة)، مبينًا أن المرحلة الأولى تبدأ من هذا العام حتى 1977، وتركز الاستيطان فيها داخل مدينة القدس، ومنطقتين رئيسيتين، هما غور الأردن (شرقي الضفة الغربية) باعتبارها من وجهة نظر إسرائيلية مهمة من الناحية الأمنية، والثانية هي القدس الكبرى، وهي منطقة غوش عتصيون".
والمرحلة الثانية تمتد من العام 1977 حتى 1990، وفيها عملت الحكومات الإسرائيلية على الاستيطان في كل مكان بالضفة الغربية، بما في ذلك حول المدن، وبالتالي بدأت تنتشر المستوطنات حول المدن الفلسطينية الكبيرة.
وأضاف أن المرحلة الثالثة مستمرة حتى اليوم، ففي العام 1990 أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، وزيرًا للإسكان، وبدأ بتطبيق رؤية إنهاء الخط الأخضر بشكل كامل، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، أقامت إسرائيل 145 مستوطنة في الضفة، بالإضافة إلى 116 بؤرة استيطانية عشوائية فوق التلال هناك، إضافة إلى 15 مستوطنة أخرى في شرقي القدس، يسكنها اليوم أكثر من 200 ألف مستوطن، وذلك في إطار صراع يهدف إلى خلق أغلبية يهودية في القدس بشطريها الشرقي والغربي.
القدس .. التقسيم لم يعد ممكناً
وبشأن وضعية القدس في ظل هذه المعادلة، يوضح الخبير الفلسطيني أن "تقاسم القدس مع إسرائيل ربما كان ممكنا قبل نحو عشر سنوات، لكن الموقف تغير بسبب سياسة توطين اليهود في شرقي القدس وحولها، بما في ذلك في المدينة القديمة التي تضم أماكن تقدسها ثلاث ديانات، إلى جانب خطوات قانونية لمنع السكان الفلسطينيين في القدس من العودة إلى المدينة، إذا كانوا قد عاشوا فترة في الخارج".
ويذهب إلى القطع بأن "تقسيم القدس اليوم مستحيل"، مشيراً إلى انتقال المستوطنين إلى مساكن في الأحياء التي تقطنها أغلبية عربية.
وأشار إلى أن حجم مشاريع بناء آلاف الوحدات الاستيطانية التي يتم الإعلان بشكل متزايد في الفترة الحالية، يأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية واضحة وضعت عام 1994، وتقضي ببناء 58 ألف وحدة سكنية حتى سنة 2020، وتم تمديدها لسنة 2030 لحسم قضية ترسيخ ضم واحتلال القدس ومنع تقسيمها مستقبلاً .
وبين أن تنفيذ تلك الاستراتيجية يسير في خطين متوازيين؛ الأول بناء مستوطنات جديدة، تمت المصادقة عليها، وستقيمها إسرائيل في المستقبل القريب في حال إعلانها أن القدس لا يمكن التفاوض عليها، والخط الثاني توسيع المستوطنات القائمة أصلا ضمن عملية زيادة عدد الوحدات الاستيطانية فيها.
ويشير إلى خط ثالث تعمل فيه إسرائيل بشكل متواز، وهو توسيع وضم مساحات واسعة من القدس والضفة الغربية ضمن ما يسمى بـ"القدس الكبرى"، وهي بذلك تريد نقل ما يزيد من 10% من مساحة الضفة لما تسميه "القدس الكبرى".
ويلفت إلى أن المستوطنات تكتسب أهمية كبرى اليوم، ولم تعد إسرائيل تخشى أحدا عندما تضع 6 وزراء في حكومتها يسكنون المستوطنات التي تضم أشد المتطرفين، وهذا يعني أن المستوطنات تحظى بمزيد من الاهتمام في ظل حالة التطرف الكبيرة في إسرائيل".
مطلوب انتفاضة
ويقر التفكجي أن الفلسطينيين يفتقدون لأي برنامج لمواجهة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي على الأرض، ويلوم على القيادة الفلسطينية بقوله : "هذه مسؤولية القيادة الرسمية التي تترك إسرائيل تنهش في الأرض الفلسطينية دون خلق برنامج وطني واضح يتصدى للاستيطان، ودون إيجاد خطط عمل دبلوماسية وقانونية دولية".
ولا يجد حرجًا المفاوض الفلسطيني السابق في الإعلان أن المطلوب فلسطينيا هو "انتفاضة تتصدى لانتفاضة المستوطنين المنفلتة ضد المواطن في الضفة".
ويقول : المستوطنون يشكلون جماعات مسلحة تعربد على المزارع الفلسطيني، وتصادر أرضه، وتخرب مزروعاته، وتخطف الأطفال، وتعتدي على القرى في خلسة من أهلها، وغير ذلك من أشكال الاعتداء .. هذ يفرض علينا الانتفاض في وجه المستوطنين.
aXA6IDE4LjIyMS44LjEyNiA= جزيرة ام اند امز