هبوط الجنيه يُفاقم أزمة تأخر تحويل أرباح الشركات الأجنبية
تدخل أزمة تحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة في مصر عامها الثالث نتيجة صعوبة تدبير النقد الأجنبي للشركات
عاودت أزمة صعوبة تحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة في مصر إلى خارج البلاد الظهور مجددًا هذه الأيام بعد أن أغلقت ميزانيات العام 2015، نتيجة عجز البنك المركزي عن تدبير العملة الصعبة اللازمة لترجمة الأرباح من الجنيه إلى عملات أجنبية.
وظهر بُعد آخر بالغ الأهمية في الأزمة هذه المرة، يتمثل في أن قيمة الأرباح المُحتجزة للشركات الأجنبية مُعرضة للانخفاض، في ظل توقعات هبوط سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، مثلما حدث العام الماضي والذي شهد تراجع سعر الجُنيه مقابل الدولار من 7.05 إلى 7.83 جنيه.
ورغم نفي البنك المركزي نية تعويم سعر الجنيه، بحيث يخضع لحركة العرض والطلب دون تدخل مُباشر أو غير مُباشر من المركزي، إلا أنه لم يستبعد خفض الجنيه مُجددًا، وهو ما يؤكد مخاوف الشركات من تآكل قيمة أرباحها عند تحويلها من الجنيه إلى الدولار.
ودفع تطور أبعاد أزمة تحويل الأرباح للخارج، عددًا من الشركات الأجنبية بالتهديد بوقف أعمالها في مصر، خاصةً الشركات التي لا تمتلك أصولًا ثابتة باهظة بالسوق المحلية.
وفي نموذج على ذلك، هددت عدد من شركات الطيران الأجنبية التي تتعامل مع السوق السياحية مثل "إير فرانس" و"كي إل إم" بأنها قد تضطر إلى وقف رحلاتها إلى مصر فى حالة عدم تحويل أرباحها للخارج والمقدرة بنحو 100 مليون جُنيه.
من جانبه، قال الدكتور محمد نادر العضو المنتدب لشركة آرشر كابيتال للاستشارات المالية لبوابة "العين" الإخبارية، إن صعوبة تحويل الأرباح تؤرق الشركات الأجنبية منذ قرابة العامين، ورغم أن البنك المركزي وعد اتحاد الصناعات المصرية بحل هذه الأزمة في أكتوبر الماضي غير إنها ما زالت قائمة بسبب عدم القدرة على توفير النقد الأجنبي اللازم لسدادها.
حينها أكد هشام رامز المحافظ السابق للبنك المركزي خلال اجتماعه بمسئولي اتحاد الصناعات أن عام 2015 هو أكثر الأعوام تحديًا للبلاد، نظرًا لحجم الالتزامات النقدية المستحقة على الدولة، والتي تمثلت في أعباء خدمة الدين الخارجي وسداد 6 مليارات دولار وهي قيمة الودائع القطرية.
وأشار العضو المنتدب لشركة آرشر كابيتال إلى أن الدولة تضع أولويات في إنفاق احتياطيات النقد الأجنبي مثل استيراد المواد الأولية من الأغذية والأدوية والمواد الخام، إلى جانب سداد الالتزامات الخارجية من القروض، وقد بدأت بنهاية العام 2014 في سداد المُستحقات المتراكمة لشركات البترول الأجنبية بعد تهديدها بإيقاف أعمال التنقيب في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة نقص الطاقة.
وبحسب وزارة البترول والثروة المعدنية فإن مصر سددت بنهاية أكتوبر/تشرين 2015 نحو 11.6 مليار دولار من إجمالي 14.3 مليار دولار مُستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مجال البحث والاستكشاف عن النفط والغاز الطبيعي في مصر.
وأكد نادر أن صعوبة تحويل الأموال أسفر عن تجميد مستثمرين خطط التوسع في مصر أو دخول السوق من الأساس، نظرًا لأن الشركات قبل أن تتخذ قرار ضخ استثمارات تبحث أولًا عن مدى مرونة تصفية أعمالها مستقبلًا أو تحويل الأرباح البلاد.
وأضاف لعل هذا أحد أسباب فشل مصر العام المالي الماضي في تحقيق مُستهدفات الاستثمار الأجنبي المُباشر المُقدر بـ 10 مليارات دولار.
وجذبت مصر في العام المالي 2014 / 2015 استثمارات أجنبية مُباشرة بنحو 6.4 مليار دولار، وذلك في الوقت الذي تُعاني فيه البلاد من تآكل احتياطيات النقد الأجنبي من 36 مليار دولار بنهاية 2010 مقابل 16.445 مليار دولار بنهاية 2015 نتيجة تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المُباشرة وانخفاض عائدات السياحة والصادرات، وفي المُقابل سجلت الواردات العام الماضي رقمًا قياسيًا بقيمة 80 مليار دولار.
وشهدت الأيام القليلة الماضية تراجع شركة كارتل كابيتال الأمريكية عن تأسيس بنك استثمار متكامل في مصر نتيجة مُشكلات السياسة النقدية، حيث أعلنت الشركة أن سعر صرف الجنيه مُهدد بالانخفاض الحاد ما يؤثر سلبًا على قيمة الاستثمارات مستقبلًا.
وأضافت الشركة أن ذلك يأتي في ضوء أن العقود الآجلة التي تصل مدتها إلى عام في أسواق أوروبا وأمريكا حددت سعر صرف الدولار أمام الجُنيه بـ 10.25 جُنيه، ما يعني بأن هناك مؤشرات باتساع الفجوة بين سعر الدولار الرسمي وسعر الجنيه، وترتب على ذلك تخوف الشركة من احتمالات تعرضها لخسائر في حال ضخ أموال في مصر.
وبحسب نادر فإن بعض الشركات الأجنبية تلجأ إلى عدة وسائل غير مُباشرة لتحويل أرباحها للخارج مثل رفع القيمة المسجلة لاستيراد المواد الخام من الشركة الأم عن القيمة الحقيقية، في حين تلجأ شركات أخرى لزيادة رأسمالها بإصدار أسهم مجانية تُمول من الأرباح المُحتجزة.
من جانبها، قالت نيرة محمود خبيرة اقتصادية لبوابة "العين" الإخبارية، إن الأزمة الحقيقية في تأخر تحويل أرباح الشركات الأجنبية للخارج تكمُن في الضغوط المفروضة على سعر صرف الجُنيه، حيث إنه من المتوقع تراجع قيمته مقابل الدولار خاصةً بعد افتراض الحكومة سعر الدولار بـ 8.25 جُنيه في موازنة العام المالي المقبل مقابل 7.83 جُنيه الآن.
وأوضحت محمود أن ذلك يهدد قيمة الأرباح المُحتجزة بالانخفاض عند تحويل قيمتها للدولار مُستقبلًا، هذا بخلاف تأثر العمليات التشغيلية لبعض الشركات الأجنبية الأم نتيجة توقف تدفق عائدات استثماراتها.
وأكدت أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات الأجنبية في المساهمة ببناء احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وتوفير فُرص عمل، ولكن يجب وضع ضوابط جديدة لتنظيمها؛ لآن الشركات الأجنبية تعتمد على الدولة في توفير النقد الأجنبي لاستيراد المواد الخام أو تحديث المُعدات، فضلًا عن تحويل الأرباح للخارج، ما يعني أن الدولة قد توفر نقدًا أجنبيًّا يفوق حجم الاستثمارات الأجنبية التي تضخها بعض الشركات.
واقترحت الخبيرة الاقتصادية أن تضع الدولة ضوابط تُلزم الشركات بإعادة استثمار نسبة من الأرباح السنوية في البلاد مرةً أخرى، لتقليل الضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي من جانب، وتوفير فرص عمل جديدة من جانب آخر.