علماء يبحثون عن اعتراف زيكا بمسؤوليته عن تشوهات المواليد
10 سنوات استغرقها العلماء لإثبات علاقة الحصبة الألمانية (روبيلا) بالتسبب في تشوهات خلقية للمواليد.. فكم سنة سيستغرقها زيكا؟
تتراكم الأدلة التي تعضد نظرية مسؤولية عدوى زيكا الفيروسية عن تشوهات المخ لدى المواليد، فيما وعدت منظمة الصحة العالمية بطرح مزيد من الحقائق والإجابات في غضون أسابيع، لكن التوصل إلى علاقة وثيقة بين الأمرين لا يزال أمرًا صعبًا يتطلب مزيدًا من الوقت.
يقول المتخصصون، إن تجميع معلومات وأدلة عديدة من أمهات يمكن أن تثبت وجود علاقة محتملة بين الإصابة بالفيروس الذي ينقله البعوض وولادة أطفال يعانون من صغر حجم الرأس لا يزال يستلزم مزيدًا من تحري الدقة والصبر.
وفي حالة الحصبة الألمانية (روبيلا) مثلًا –وهي عدوى فيروسية أخرى من المعروف الآن أنها تتسبب في تشوهات خلقية للمواليد- تطلب الأمر الانتظار 10 سنوات قبل حسم هذه العلاقة.
يقول أنتوني فاوتشي، مدير المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، إن توقيت أي استنتاج "يعتمد على مدى التأكيد الذي تبحث عنه". وأضاف: "الدليل التأكيدي المطلق سيجيء من الدراسات المعتمدة على بحث الحالات ومثلها يستغرق عادة بضعة أشهر".
بدأت العدوى الحالية بزيكا عام 2015 في البرازيل، وانتشرت منها إلى أكثر من 20 دولة في الأمريكتين، ما اضطر منظمة الصحة العالمية إلى الإعلان عن أن الفيروس والاشتباه بعلاقته بتشوهات المواليد والمشكلات العصبية كلها عوامل تمثل حالة طوارئ عالمية.
وأكدت البرازيل رصد أكثر من 500 حالة صغر حجم الرأس خلال الأشهر القليلة الماضية، ويرى العلماء أن معظم الحالات مرتبطة بزيكا، فيما تتحقق السلطات من 3900 حالة أخرى مشتبه بها.
ولا يختلف أيان ماكاي، أخصائي علوم الفيروسات بجامعة كوينزلاند بأستراليا، مع الرأي القائل بأن البرهنة على العلاقة السببية بين الفيروس وتشوهات المواليد من عدمه "سيستغرق وقتًا طويلًا".
ومن بين المعايير التي يستخدمها الخبراء لإثبات ما إذا كان أي كائن مسبب للمرض من عدمه مجموعة من الاختبارات كانت قد ابتكرت في القرن التاسع عشر، واستخدمت عام 1984 لإظهار أن فيروس نقص المناعة يسبب الإيدز.
وقال ألبرت كو، الخبير في أمراض المناطق الحارة بجامعة ييل وفي مؤسسة أوزوالدو كروز بالبرازيل، وهي مركز بحثي حكومي، إن مثل هذه المعايير ستستغرق بعض الوقت لإثبات تلك العلاقة. وأضاف "علينا أن نجري تجارب علمية مضنية لتساعدنا في فهم أفضل لكيفية علاج المرض، وجزء من التحدي صعوبة استبعاد أمور ما".
* احتمالات الاشتباه
ومن المعروف أن صغر حجم الرأس مرتبط ببعض الأمراض الطفيلية والبكتيرية علاوة على الحصبة الألمانية (روبيلا) والهربس (القوباء) والإيدز والتعرض لمواد كيمائية منها الزرنيخ والزئبق والكحول والإشعاع.
وحتى يتيقن العلماء أيضًا من أن فيروس زيكا هو الجاني، يتعين على العلماء البحث في العلاقة بين احتمالات هذه الاشتباهات المختلفة، وأن يكونوا على يقين من ألا يتجاهلوا الاحتمالات غير المعروفة.
قال ماكاي: "إنه كم هائل من الجهد لكن الدراسة الرصينة هي تلك التي تستغرق عامًا أو أكثر، والتي تقوم بتجنيد مجموعة من أمهات المستقبل قبل عدة أشهر من حملهن مع إخضاعهن لدراسة دقيقة متأنية حتى موعد ولادتهن".
وذلك هو الاتجاه الذي يعتزم علماء البرازيل المضي فيه، في حين تجري مشروعات بحثية عديدة بالفعل بما في ذلك دراسة للتاريخ المرضي السابق في ولاية باريبا في شمال شرق البرازيل، علاوة على دراسات يجريها فريق الباحث كو في منطقة السلفادور على الشاطئ الشرقي للبرازيل.
وفي منطقة ريسيفي بولاية برنامبوكو على الطرف الشرقي للبرازيل، يعتزم فريق بقيادة لاورا رودريجيز، أستاذة الأوبئة والأمراض المعدية بكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إجراء 3 دراسات.
في الدراسة الأولى يتولى الباحثون سؤال أمهات الأطفال الذين ولدوا بحالات صغر حجم الرأس عن التعرض لفيروس زيكا أثناء فترة الحمل مع جمع عينات دم وقياس محيط الرأس وعمل أشعة مقطعية للأطفال، وسيقومون بالأمر نفسه مع مجموعة مقارنة من الأمهات والأطفال الذين لا يعانون من صغر حجم الرأس.
في الدراسة الثانية سيتم تجنيد أمهات حوامل أصبن بنوع من الطفح الجلدي جراء فيروس زيكا، وستجرى لهن اختبارات للفيروس، علاوة على حمى الدنج والتشيكونجونيا، وهما مرضان فيروسيان آخران ينقلهما البعوض.
وقالت رودريجيز: "ثم نتابعهم لرصد من منهن سيعاني من الإجهاض أو ولادة جنين ميت، ومن منهن سينجبن أطفالًا يعانون من صغر حجم الرأس أو التشوهات الأخرى، وسيطلعنا ذلك على مدى شيوع حالة صغر حجم الرأس، وكيف يحدث ذلك وفي أية مرحلة من الحمل".
أما الدراسة الثالثة فسترصد حالات تأخير النمو المحتملة من خلال بحث عوامل، منها ما إذا كان الأطفال يعانون من تشنجات وكيفية ردود أفعالهم وطريقة التواصل بالعين مع الآخر.
وتقول رودريجيز –التي يتعاون فريقها البحثي مع مستشفيات محلية ومع إدارة الصحة بولاية برنامبوكو-، إن ثمة "حالة من الإلحاح والعجلة" لكن الردود الشافية لن تظهر قبل عدة أشهر.
* أدلة متزايدة
وجد الباحثون فيروس زيكا في أنسجة المخ، وفي السائل الأمنيوسي حول الأجنة، وفي الأجنة الميتة، التي تعاني من حالة صغر حجم الرأس ممن أصيبت أمهاتهم بزيكا خلال الحمل.
لكن كل ذلك لا يرقي للبرهنة على علاقة السببية غير أن فاوتشي، مدير المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، يرى أن "جبالًا من الأدلة المتزايدة تتراكم ما يدلل على وجود علاقة مباشرة".
يقول مسؤولون أمريكيون، إن نتائج مبدئية لحالتين من دراسات المقارنة ستظهران في مايو القادم.
وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان طارئ في أول فبراير، إن ثمة رابطة بين زيكا وصغر حجم الرأس، فيما عبرت عن أملها بظهور بعض المعلومات في غضون أسابيع، لكن الأمر قد يصل إلى 6 أشهر "قبل القول الفصل بقدر من اليقين".
وفي حالة الحصبة الألمانية (روبيلا) بدأت عملية البحث عن أدلة تربطها بالتشوهات الخلقية في عام 1940 عندما لاحظ نورمان جريج، وهو طبيب عيون من سيدني تزايد حالات إصابة أطفال بحالات إعتام عدسة العين (كاتاراكت) الخلقية بعد انتشار الحصبة الألمانية في أستراليا.
وفي دراسة نشرها عام 1941 خلص إلى وجود علاقة بين استفحال الوباء وأمراض العيون الخلقية، ثم قامت دورية (لانسيت) الطبية بعد ذلك بثلاث سنوات -فيما كان مرض روبيلا قد تسبب في الصمم وتشوهات القلب- بالإعلان أن جريج لا يزال يحتاج لمزيد من المعلومات حتى يتسنى له الربط بين الحالتين.
ولم يتم التحقق بصورة يقينية من الأمر إلا عام 1951 في بحث للخبير الإحصائي الأسترالي أوليفر لانكستر عندما أوضح بأسلوب إحصائي وجود زيادة في التوزيع العمري للمصابين بالصمم خلال الفترة التي تزامنت مع وباء روبيلا.
والآن أصبحت تلك العلاقة مثبتة وبديهية ويجري التطعيم من الحصبة الألمانية بصورة روتينية.
aXA6IDE4LjIyNC41NS4xOTMg جزيرة ام اند امز