"باريس" في عيون مثقفي القرن العشرين.. كتاب جديد
في «باريس» جمع الصاوي ما كتبه المثقفون المصريون والعرب الذين ارتحلوا إليها، أو زاروها أو قضوا فيها فترة من عمرهم للدراسة والفن والمتعة
في 432 صفحة من القطع المتوسط، صدرت طبعة جديدة من كتاب «باريس» للكاتب والصحفي المصري أحمد الصاوي محمد، وأحد من أهم الكتاب المصريين في النصف الأول من القرن العشرين.
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام 1933، ثم صدرت منه طبعة ثانية في عام 2003 عن سلسلة ذاكرة الكتابة (الهيئة العامة لقصور الثقافة).
كتاب «باريس» يمكن أن يعد موسوعة حقيقية في عشق المدينة الأوروبية الساحرة، فاترينة الدنيا ومرآة العالم، كما وصفها عشاقها، أراد الصاوي أن يجمع كل ما كتبه المثقفون المصريون الذين ارتحلوا إلى باريس، أو زاروها أو قضوا فيها فترة من عمرهم للدراسة أو الفن أو المتعة.
ربما كانت المرة الأولى التي يلجأ فيها كاتب في ذلك العصر إلى تجميع هذه المادة الضخمة من الكتابات والشهادات والقصائد والمقالات التي دونها أصحابها في "باريس" وعن "باريس"؛ باريس الفن والأدب والثقافة والفكر، في هذا الكتاب أحصى أحمد الصاوي ما يقرب من 150 مادة متفاوتة الطول، لأعلام زمنه: رفاعة الطهطاوي، طه حسين، خليل مطران، سلامة موسى، زكي مبارك، أحمد شوقي، مي زيادة، منصور فهمي، محجوب ثابت، أحمد ضيف، الشيخ مصطفى عبدالرازق، إبراهيم فوزي، محمد لطفي جمعة، أنطون الجميل، وعشرات آخرين، مصريين وعربًا وأجانب.
يحكي أحمد الصاوي قصة جمعه لهذا الكتاب ومنهجه في تأليفه "اقترح سيد فاضل في الأهرام نشر كلمات ما قل ودل فعرضت الأمر على القراء وذكرت لهم حكاية باريس، وساجلني القول صديقي الأستاذ المازني، ولذلك وجدت نفسي في حاجة إلى رفاق كرام يضيئون الطريق الذي لا آخر له، ويروحون بأساليبهم المنوعة الجذابة عن القراء حتى لا يصيبهم الملل من مؤلف واحد، وحتى لا يقول ذوو الأهواء والأغراض والآراء الرجعية أن هذا صوت متعصب لباريس مفتون بها ولا تسمعوا كلامه! فإن القراء بعد خروجهم من هذا الكتاب سيجدون المؤلف معتدلا في الوصف! بيد أني حرصت كل الحرص على تنسيق الكتاب بطريقة لا يسأم معها القارئ، فإذا تحقق لي هذا الغرض فإن واجبي يكون قد تم، وقد بلغت رسالتي".
"في باريس الفرح والابتهاج، وفيها البؤس والحزن، وفيها الرجاء والأمل، وفيها اليأس والقنوط، فيها اجتمع كل ما يحتاج إليه الناس وكل ما لا يحتاجون إليه، فيها اجتمع كل ما يشخص الحضارة الإنسانية في هذا العصر الذي نعيش فيه".. هذا بعض من شهادة للدكتور طه حسين أوردها الصاوي في الكتاب عن باريس.
ومن شهادة الشيخ مصطفى عبد الرازق في جملتها، يورد الصاوي:
"دخلتُ باريس أول مرة بين صديقين كريمين، وكان أحدنا يلبس قبعة والثاني يلبس طربوشًا والثالث معممًا.
أما الأول، فلا تزال تحلق به الفلسفة العالية فوق القبعات والطرابيش والعمائم، والثاني كان يحمل طربوشًا فقط، فأصبح يحمل لحية وطربوشًا، أما الشيخ المعمم فمسكين، لا يزال شيخًا معممًا، وكلما دخلت باريس وجدتني بين الصديقين العزيزين، وأبصرت القبعة والطربوش والعمامة تسير في ذلك الموكب الدائم، فإن باريس تحتضن الذكريات، ولو صغيرة، في حرارة تحفظ عليها وجودها وحياتها، فليست تعود إليك خيالات بالية، ولكنها تطالعك حقائق باقية.
قد تجد للوحدة استيحاشًا حتى في مسقط رأسك وبين قومك، أما باريس فلا وحشة فيها، لأن المعاني والذكريات والآمال والماضي والحاضر كلها في باريس كائنات متحركة تنهض بجانبيك.
باريس موجود حي، تنبعث الحياة من أرضه وسمائه ورجاله ونسائه.
باريس عظيمة، بكل ما تحتمل هذه العبارة من معاني الحياة والجلال والجمال والذوق والفكر والانسجام والخلود.
في باريس جمال يجمع بين أبدع ما يتجدد من نتائج الذوق والفن، وبين جلال القدم.
ليست باريس صنع شعب من الشعوب، ولا عمل عصر من العصور، ولكنها جماع ما استصفاه الدهر من نفائس المدنيات البائدة، وما تمخض عنه ذوق البشر وعقلهم وعملهم من آيات الفن والعلم والجمال.
باريس جنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فيها للأرواح غذاء وللأبدان غذاء، وفيها لكل داء في الحياة دواء، فيها كل ما ينزع إليه ابن آدم من جد ولهو، ونشوة وصحو، ولذة وطرب، وعلم وأدب، وحرية في دائرة النظام لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود.
باريس عاصمة الدنيا، ولو أن للآخرة عاصمة لكانت باريس".
أحمد الصاوي محمد (1902 – 1989م)، شيخ شيوخ الصحفيين المصريين وأول رئيس تحرير مصري لصحيفة مصرية، من مواليد 20 يناير 1902 بإحدى قرى الصعيد، وحصل على دبلوم الصحافة، ودبلوم العلوم الاجتماعية بدرجة شرف من جامعة السوربون عام 1930م.
بدأ حياته العملية بالعمل بوزارة الداخلية عام 1920، ثم عين موظفًا بالمناجم عام 1921م، بدأ حياته الصحفية في جريدة «السياسة»، ومن خلالها كتب أول مقالاته، وقدمه بصورة جيدة جعلت السيدة هدى شعراوي تشيد به، بل طلبت مقابلته، وساعدته في سفره إلى باريس لدراسة الصحافة، وفي أثناء دراسته داوم على مراسلة جريدة «الأهرام»، ومجلة «آخر ساعة».
في عام 1935 أصدر مجلة (مجلتي) ونقل بها الصحافة من الأدب إلى الفن، ومن سطور وصورة إلى لوحات فنية ساحرة، في عام 1973 أسس مطبعة ولكنها أغلقت، حرر بابًا بجريدة الأهرام بعنوان (ما قل ودل)، ابتكر باب (زكيبة البريد) في جريدة الأهرام، وأقفل بمجرد انتقاله من «الأهرام» إلى «الأخبار».
من مؤلفاته «التلميذة الخالدة»، فوشيه – المرأة لعبتها الرجل – حياة قلب – مدينه باريس في زهوها – انهيار أوروبا - الرقص على البارود - الدب الأحمر – أنا المشرق - مزيد من الحرية والسياسة).. له ثلاث مسرحيات مترجمة، كما ترجم من الفرنسية إلى العربية قصة «تاييس»، وقصة «الزنبقة الحمراء» لأناتول فرانس، ومسرحية «طرطوف» لموليير، حاز على وسام الأكاديمية الفرنسية، توفي في 22 يونيو 1989.
aXA6IDMuMTM3LjE3Ni4yMTMg جزيرة ام اند امز