مدخرات المغتربين بوصلة المركزي المصري لترميم الاحتياطي
تترقب مصر نتائج طرح شهادات ادخار بلادي ذات الآجال والعوائد المتنوعة لتوفير دعم دولاري مؤقت يؤمن احتياجات البلاد من الواردات الأساسية.
كلما تشتد أزمة شُحّ الدولار في مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، تسرع المجموعة الوزارية الاقتصادية وعلى رأسها البنك المركزي للمفاضلة بين حزمة حلول شبه ثابتة لتدبير السيولة الدولارية، وهي حلول تتنوع ما بين الحصول على قروض وودائع ومساعدات خارجية أو طرح سندات دولية أو جذب مُدخرات المصريين في الخارج.
والآن توجه الحكومة المصرية أنظارها نحو مدخرات المغتربين من جديد، عبر إصدار شهادات ادخار متنوعة تحت اسم "بلادي"، منتصف الأسبوع الماضي، بعائد 3.5% لأجل عام واحد، و4.5%، لأجل 3 أعوام، و5.5% لأجل 5 أعوام، على ألا يقل مبلغ الشراء عن 100 دولار ومضاعفاتها.
وتمتلك الحكومة المصرية سجلًّا ليس جيدًا في إصدارات شهادات الادخار للمغتربين؛ فقبل 4 سنوات وتحديدًا في أبريل/نيسان من عام 2012 أطلق البنك الأهلي شهادة ادخار بالدولار لصالح البنك المركزي تحت اسم "شهادة المصري الدولارية" ذات أجل 3 سنوات، وعائد 4%.
غير أن حصيلة الشهادات المشتراة خالفت التوقعات؛ إذ لم تتجاوز المليار دولار واقتصرت على 320 مليون دولار فقط.
من جانبها، قالت زينب هاشم الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار أبوظبي كابيتال للاستثمارات -كانت تشغل منصب رئيس قطاع الخزانة وأسواق المال بالبنك الأهلي المصري عند طرح شهادة المصري الدولارية-، لبوابة "العين" الإخبارية، إن شهادة بلادي تراهن على ارتفاع العائد عليها مقارنة بأي شهادة ادخار سابقة.
وأوضحت أن شهادة بلادي أيضًا متدرجة من حيث المدة والعائد، فعند مقارنة الشهادة ذات أجل 3 سنوات الآن مقارنة مع شهادة المصري الدولارية؛ سنجد أن العائد ارتفع بمقدار 1.5%.
وأضافت هاشم أن عائد شهادة بلادي يرتفع أيضًا عن أعلى عائد تقدمه البنوك لشهادات الادخار والذي يبلغ للشهادات ذات 3 أعوام و5 أعوام نحو 4%، و4.25% على التوالي.
وعلى صعيد تحميل الفائدة المرتفعة للشهادات عبئًا إضافيًّا بالدولار على البنك المركزي، قالت العضو المنتدب لأبوظبي كابيتال، إن تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية لأجل 5 سنوات تبلغ 5.023%، وهي النسبة التي تغطيها شهادة بلادي أجل 5 سنوات؛ إذ يبلغ العائد عليها 5.5%.
وقد ذكر بنك الاستثمار بلتون في مذكرة بحثية، أمس الأحد، حصلت بوابة "العين" على نسخة منها، أن مصر تحتل المرتبة الرابعة في ترتيب الدول الأكثر ارتفاعًا من حيث تكلفة التأمين على الديون السيادية عالميًّا، إذ وصلت بنهاية الاسبوع الماضي إلى 523 نقطة أساس، بينما سجلت اليونان 1340 نقطة، وأوكرانيا 1892 نقطة أساس، وفنزويلا 5637 نقطة أساس.
وتشير تكلفة التأمين على مخاطر السندات الحكومية «Credit Defaults Swap» إلى نقاط الهامش التي تتم إضافتها فوق سعر السندات لتعبر عن مخاطر تسليف الحكومة، وكلما زادت المخاطر الموجودة في البلاد؛ ارتفع هامش التسليف وزادت تكلفة التأمين على المخاطر السيادية للدولة.
فيما استبعدت هاشم أن تلعب شهادة بلادي دورًا في إعادة جذب تحويلات المصريين إلى الجهاز المصرفي الرسمي بدلًا من السوق السوداء الخاضعة لشركات الصرافة؛ نظرًا لأن الشهادات تستهدف جذب مدخرات، بينما التحويلات تستهدف بالأساس الإنفاق على احتياجات المعيشة أو الاستثمار في الأصول المختلفة.
وبلغت قيمة تحويلات المصريين في عام 2014 نحو 19 مليار دولار، وبحسب تصريحات هشام رامز المحافظ السابق للبنك المركزي؛ فإن الجهاز المصرفي الرسمي يستقبل 10% من حجم التحويلات، في حين تلتهم السوق السوداء النسبة المتبقية.
ورفضت هاشم وضع حد أدنى لحصيلة شهادات بلادي لاتخاذه كمعيار لتقييم مدى نجاح الشهادة عند إغلاق باب الاكتتاب فيها، مؤكدة أن نجاحها يكمن في توفير سيولة دولارية إضافية تدعم قدرة البنك المركزي على الوفاء بالتزامات البلاد مؤقتًا.
وقد توقعت مؤسسة التصنيف الائتماني موديز أن تصل حصيلة بيع شهادات بلادي إلى ملياري دولار، ولكن تأثير هذه الحصيلة سيكون مؤقتًا؛ فهي تكفي لتأمين واردات البلاد لفترة أقل من الشهر، ولن تكفي لتلبية طلب الشركات على الدولار.
وشددت العضو المنتدب لأبوظبي كابيتال على أن شهادة بلادي لا يمكن أن تُساند بمفردها احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، بل هي عنصر ضمن حزمة إجراءات ينبغي أن يُفكر البنك المركزي فيها لبناء الاحتياطي من جديد، فضلًا عن أن مصر ستتلقى دعمًا جيدًا عند بدء إنتاج حقل الغاز زُهر؛ حيث سيقلص قيمة النقد الأجنبي المُخصص لاستيراد المنتجات النفطية.
من جانبه، توقع إسماعيل حسن رئيس بنك مصر إيران، والمحافظ الأسبق للبنك المركزي المصري في تصريحات لبوابة "العين" الإخبارية، أن تلقى شهادة بلادي إقبالًا جيدًا بين المصريين في الخارج؛ نظرًا لارتفاع العائد عليها، مقارنة بأغلب أوعية الادخار حول العالم والتي تتحرك بين 0.5% إلى 1% فقط سنويًّا.
واعتبر أن حصيلة بيع هذه الشهادات ليس المعيار الوحيد لقياس نجاحها، بل الأمر يتطلب بعض الوقت لتقييم دورها في دعم الاحتياطي النقدي، فعلى سبيل المثال كلما تم الاحتفاظ بشهادة بلادي حتى موعد استحقاقها فهذا أحد معايير النجاح، ولكن إذ تم استرداد الشهادة في غضون أشهر أو عام فذلك سيقلل من قيمة حصيلة البيع.
وأكد حسن أن شهادة بلادي تعد أحد أوجه دعم موارد النقد الأجنبي ولكنها مؤقته، لذلك على الحكومة التركيز على تنشيط الصادرات مرة أخرى وتقليص الواردات؛ لكونها قنوات مُستدامة لتوليد أو استهلاك النقد الأجنبي.
ولا تعد شهادات الادخار هي الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها مصر لاستقطاب مدخرات المغتربين، بل إن الحكومة لجأت لاستثمار العائد المرتفع للنشاط العقاري بالبلاد، وطرحت مساحات واسعة من الأراضي للمصريين بالخارج تحت اسم "بيت الوطن".
نجحت الطروحات الثلاثة التي شهدتها أراضي بيت الوطن منذ 3 سنوات حتى الآن في تحقيق حصيلة قدرها 3.8 مليار دولار، حصَّلت وزارة الإسكان 25% من قيمتها حتى الآن في هيئة مقدمات دفع وأقساط، حسب تصريحات المهندس خالد عباس مساعد وزير الإسكان للشؤون الفنية.
ولكن المرحلة الثالثة لم تحقق النجاح المنتظر؛ إذ غطت طلبات البيع 25% فقط من الأراضي المطروحة، وهو ما أرجعته شركات عقارية إلى رفع وزارة الإسكان سعر البيع في بعض المناطق مثل القاهرة الجديدة بواقع 100 دولار.
وهو الأمر الذي دفع المصريين في الخارج إلى شراء أراضٍ من الأفراد الذين سبق أن اشتروا الأراضي المطروحة من قِبَل الوزارة.
وتعتزم وزارة الإسكان إعادة طرح الأراضي المتبقية من المرحلة الثالثة على المصريين في الخارج؛ أملًا في رفع حصيلة البيع بالدولار.
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز