الصالونات الأدبية: النساء في المقدمة
تحية خاصة للمرأة بمناسبة يومها العالمي، تحية على جهودها الدائمة.. لا لتتطور وتتحرر وتسمو فحسب، بل لتقف مع الرجل باعتداد وجمال وثقة
هي تحية خاصة للمرأة بمناسبة يومها العالمي، تحية على جهودها الدائمة والحثيثة لا لتتطور وتتحرر وتسمو فحسب، بل لتقف مع الرجل باعتداد وجمال وثقة بأنها كانت وتبقى عبر التاريخ رائدة في مجالات عدة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: المجال الثقافي.
من شرق الأرض إلى مغربها، اشتهرت النساء دونًا عن الرجال في إدارة الصالونات الأدبية، وسواء لعبت هذه الحالة الثقافية دورها بفعالية، أم خبا نورها بعض الشيء، إلا أن الصالونات الأدبية والمجالس الفكرية بقيت علامة فارقة من علامات التطور الإنساني والحضاري لأي مجتمع كان.
للصالونات الأدبية أهمية كبرى في تطور المجتمع، ولعله السبب الذي يدفع بالكثيرين للتصريح بأنه يتحدَّر من حضارة عرفت الصالون الأدبي الأول عبر التاريخ، فهنالك من يقول إن الصالون الأدبي الأول الذي عرفه التاريخ كان يونانيًّا، ليخرج آخر ويقول إن أسلافه العرب هم من قدَّموا الصالون الأدبي الأول للبشرية في زمن الخنساء، ليعود ويؤكد شخص ثالث أن الصالون الأدبي الأول كان في زمن الإسلام. وبجميع الأحوال، كائنًا من يكون المضيف الأول "للصالون الأدبي"؛ فلابد أن كل شعوب العالم قد ساهمت في تطويره وصولًا به إلى شكله المعاصر، وليلعب دورًا كبيرًا في عصور النهضة والتنوير في أوروبا، ومن المؤكد أن كل حضارة أضفت لمستها لتنقل الصالونات الأدبية من مجرد جلسات قراءة شعر أو مسرح وغيرها، لتصبح مناظرات ثقافية وفكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وفنية.
وبنظرة سريعة على أشهر الصالونات الأدبية عبر التاريخ، يلفت الانتباه إلى أن معظمها تأسس من قِبَل نساء، أو أن أكثرها شهرة كانت تلك التي أطلقتها سيدات مثقفات مطلعات على المعارف والعلوم، وينتمين إلى طبقة المجتمع الراقي؛ ففي فرنسا كان صالون مدام غوفران، وصالون مدام دوشاتلييه (الذي أقام فيه فولتيير فترة من الزمن كتب أثناءها عددًا كبيرًا من مؤلفاته)، وصالون الماركيزة دو ديفان، وصالون المركيزة دو رومبيو والسيدة مادلين دو سكوديري وإيزابيلا ديستيه وإليزابيتا كونزاغا، وصالون فالنتين كونرار الذي كان نقطة انطلاق للأكاديمية الفرنسية. وسواهنّ الكثيرات.
من الأمثلة المتناثرة من العالم العربي والإسلامي صالون سكينة بنت الحسين من الحجاز في العصر الأموي، إذ كانت السيدة الأولى التي تفتح بيتها لاستقبال ضيوفها من الرجال والنساء على حد سواء لإلقاء الشعر وسماع الموسيقى وتقديم النقد الأدبي، وليس صالون الشاعرة الأندلسية ولَّادة بنت الخليفة المستكفي بالله سوى مثالًا آخر، إذ كان يحضر مجلسها أهل الأدب ووجهاء القوم في قرطبة، وكانت تنظم الشعر وتنافس شعراء عصرها.
في العصر الحديث حظي صالون الأديبة اللبنانية مي زيادة على الشهرة الأوسع بين الصالونات الأدبية العربية على الإطلاق، إذ استقبل مساء كل ثلاثاء في القاهرة ولمدة رُبع قرن أعلام الثقافة العربية أمثال الشاعر خليل مطران وأحمد زكي باشا وعباس محمود العقاد وأحمد شوقي واسماعيل صبري والخطاط نجيب الهواويني وطه حسين، تميز صالون مي زيادة بأنه كان مفتوحًا للجميع، ديمقراطيًّا بشهادة طه حسين، وحافلًا بالعزف والغناء والنقاشات والقراءات كل هذا باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
كانت تلك فترة ذهبية بالنسبة للصالونات الأدبية في الوطن العربي؛ فقد ازدهرت ورجّعت صدى للصالونات الأوروبية وعصر التنوير، فبالإضافة إلى صالون مي زيادة، كان صالون نازلي فاضل ابنة أخ الخديو إسماعيل، حيث كان يتردد إلى صالونها الساسة والأعلام أمثال الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين وولي الدين يكن وسواهم، وحين انتقلت إلى تونس مع زوجها السفير التركي في تونس آنذاك نقلت نشاط صالونها معها ليحضره أعلام تونس أمثال علي بوشوشة وصالح البكوش والبشير صفر، وتمتد قائمة الصالونات الأدبية في أواخر القرن الـ19وأوائل القرن الـ20 لتصبح طويلة، نذكر منها: صالون مريانا مرّاش – حلب، وصالون كاتي أنطونيوس – القدس، وصالون هدى شعراوي – بيروت والقاهرة، وصالون الرابطة الأدبية – دمشق، وصالون حبوبة حداد – بيروت، وصالون صبيحة الشيخ داوود – بغداد.
حديثًا، انتعشت ظاهرة الصالونات الأدبية ومجالس القراءة في منطقة الخليج العربي، وأثبتت نفسها بجدارة في بيئة محافظة إلى حدٍّ بعيد؛ فمن البحرين إلى السعودية ووصولًا إلى الإمارات، الصالونات الأدبية عديدة ونوادي الكتاب Book Clubs أكثر عددًا. في السعودية مثلًا، تضم مكة العدد الأكبر من الصالونات الأدبية النسائية، تليها جدة والمدينة ثم الرياض والمنطقة الشرقية، وكان صالون الفنانة التشكيلية صفية بن زقر من أوائل الصالونات الأدبية النسائية التي افتتحت في السعودية، ومن الصالونات ذائعة الصيت أيضًا صالون الشاعرة سارة الخلان، وصالون الدكتورة وفاء المزروع، وسلطانة السديري، وغيرهن.
من البحرين نذكر صالون عبد الرحمن كانو الذي يقدم أمسية موسيقية بعد انتهاء المحاضرة الثقافية، فتأخذ الجلسة طابعًا أكثر حميمية.
ونحط الرحال في الإمارات التي تزايد فيها عدد الصالونات الأدبية ومجموعات القراءة في السنوات الأخيرة، من أبوظبي ودبي والعين وكلباء والشارقة ورأس الخيمة وحتى صالونات جوالة، لكن الصبغة العامة لهذا الحراك كان نسائيًّا أو بمبادرات نسائية كثيرة.
تنوعت الصالونات الأدبية والأنشطة الثقافية في دبي، منها مثلًا ندوة الثقافة والعلوم التي أسستها الشاعرة الإماراتية كلثم عبد الله في عام 2003 بصيغة صالون أدبي واظب على لقاءاته الأسبوعية لـ3 سنوات تقريبًا، ليتوقف لسنوات، ويعاود نشاطه في عام 2011، كما طرح الناشر الإماراتي جمال الشحي، مفهومًا متكاملًا ومتجددًا للصالون الأدبي، إذ افتتح مقهى أدبيًّا هو مكتبة ومقهى وزوايا للمطالعة، وأخرى لإقامة ورشات.
وفي الكلباء انطلق صالون أدبي وثقافي في متحف بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي بشكلٍ جديدٍ حينها، هو نشاط مكثف لمدة 10 أيام، يتم فيها تقديم طيف واسع من الأنشطة الثقافية والفكرية والشعرية، إضافة إلى أعمال إبداعية لأدباء إماراتيين، وإقامة معرض للفنون وورشة عمل للخط العربي، ومعرض لأدوات الخطاطين.
حظيت أبوظبي والعين بحصتهما الكبيرة من المساهمة في مجال الصالونات الأدبية ومن أبوظبي؛ فمن مجموعات كتاب أجنبية إلى مجموعات عربية، وإلى مؤسسات ثقافية غير ربحية مثل صالون الملتقى لمؤسسته السيدة أسماء المطوع صديق، وهو أحد نوادي اليونسكو الثقافية، ومشروع زود الثقافي وهو عبارة عن مجموعات قراءة تنضوي تحت مظلة واحدة، ومجلس الشيخة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان في العين والذي يطرح تجارب مختلفة منها العمل مع الطفل ونقاشات فكرية غير منحصرة بنقاشات الكتب، ومثال الصالونات الأدبية من أبوظبي هو صالون بحر الثقافة، الذي أسسته الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان في عام 2004، كمجموعة كتاب تقرأ الرواية بحضور كاتبها أو بغيابه أحيانًا، ليتطور إلى شكل مؤسسة ثقافية تُعنى بالأنواع الفكرية المختلفة من الفن التشكيلي، والسينما، والمسرح، والشعر، ولقاءات المجموعات العربية أو الإنجليزية، بعد مرور أعوام أخذت مؤسسة بحر الثقافة بالمشاركة الفاعلة في معارض الكتاب في الإمارات من خلال برنامج ثقافي يومي غني، استضاف أدباء عرب وعالميين وأطلق ورشات تدريبية في مجالات الكتابة والإبداع والنقد الأدبي وتطوير الذات، كما قدمت المؤسسة جوائز مرموقة في مجالات أدبية، آخرها جائزة بحث في سيرة بني هلال، طور صالون بحر الثقافة علاقة عضواته من قارئات لجنس الرواية فحسب، إلى قارئات لمختلف الأنواع والأجناس الأدبية، وصولًا إلى النقد الأدبي والمسرح والفنون التشكيلية والشعر وسواها، إضافة إلى إطلاقه لكاتبات وصحفيات من المستوى الرفيع في الإمارات.
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز