منذ ملايين السنين وقبل الخليقة، تشرق الشمس يومياً من الشرق وتغيب في الغرب. قبل أسبوعين انقلبت الظاهرة وأشرقت الشمس من «المغرب»
منذ ملايين السنين وقبل الخليقة، تشرق الشمس يومياً من الشرق وتغيب في الغرب. قبل أسبوعين انقلبت الظاهرة وأشرقت الشمس من «المغرب» العربي في ظاهرة كونية لا تتكرر.. كيف؟
في مباراة لكرة القدم أقيمت في العاصمة الجزائر بين فريقي فلسطين والجزائر حضرها 80.000 متفرج يعتمر معظمهم الكوفية الفلسطينية وانتهت المباراة لمصلحة الفريق الفلسطيني بنتيجة (1 - صفر)، ووقف الجمهور الجزائري يصفق كالرعد تحية للفريق الفلسطيني، وعلت زغاريد النساء الجزائرية تحية للفريق المنتصر.
وعندما وصلت الأنباء إلى المشرق العربي خرج ملايين الفلسطينيين في الوطن والشتات يهتفون للفريق الجزائري وشعبه البطل في ظاهرة وطنية رائعة انتصر فيها الفريقان المتنافسان، وفجأة تحولت مباراة رياضية إلى موقف سياسي غير مسبوق حيث تضخمت حدود الجزائر من جبال الأوراس إلى مشارق القدس بانتظار زمن قادم تشرق فيه الشمس نهاراً وتشرق فيه ليلاً.
في يوم واحد: يوم النصر، يومها تنطلق ملايين الحناجر: (عللي الكوفيه عللي وتولح فيها - وغني عتابا وميجانا وسامر فيها).
ذكرت الأنباء قبل أيام أن الطفل التونسي محمد حميدة لاعب المستقبل الرياضي التونسي للشطرنج البالغ من العمر 10 سنوات انسحب من بطولة الشطرنج للعالم بعد رفضه ملاقاة نظيره «الإسرائيلي» قائلاً: (لن أواجه قاتل أخوتي في مجرد لعبة.. الأصح أن أواجهه على أرض القدس).. وأكد حميدة أن انسحابه جاء تضامناً مع أطفال فلسطين ومساندة لأطفال غزة المحاصرين من قبل العدو الصهيوني.
سلمت يا محمد، أيها «الرجل» البالغ من العمر عشر سنوات.
في خمسينات القرن العشرين هدد الرئيس السوري أديب الشيشكلي بأنه سيدمر تل أبيب، فرد عليه رئيس وزراء العدو بن غوريون قائلاً: «أذكّر الكولونيل شيشكلي أن المسافة من دمشق إلى تل أبيب هي نفس المسافة من تل أبيب إلى دمشق».
في قادم الأيام سوف يثبت أحفاد البطل عميروش في الجزائر ورفاق فارس عودة في فلسطين أن المسافة من الجزائر إلى تل أبيب ستكون أقصر بكثير من المسافة من تل أبيب إلى الجزائر.
بعد احتلال فرنسي للجزائر استمر 130 سنة (1830 - 1960) توهم المستعمر أن المؤقت قد أصبح دائماً بناء على ثلاثة رمال متحركة: الصناعي غلب الفلاح الزراعي. العالم الأول غلب العالم الثالث. الجزائر هي فرنسا ما وراء البحار.
أكبر حزب جزائري كان يضم مليوني عضو برئاسة السيد مصالي الحاج كان يستبعد كلياً القيام بثورة وطنية لهزيمة المستعمر.
خمسة أشخاص (أحمد بن بيللا - حسين آية أحمد - كريم بالقاسم - رابح بيطاط - محمد بوضياف) انسحبوا إلى الجبال وقادوا حرباً ثورية هي كيمياء الحرب الوطنية:
- الثوري يغلب اللاعب الثوري - صاحب الأرض يغلب سارق الأرض - الفلاح الوطني يغلب الصناعي الاستعماري.
واحد ونصف مليون شهيد جزائري صححوا مسار التاريخ الخاطئ.
روجيه غارودي أحد أهم فلاسفة القرن العشرين: ولد مسيحياً (الديانة السماوية الثانية)، ثم أصبح شيوعياً (الديانة الأرضية في القرن العشرين)، ثم اعتنق الإسلام (الديانة السماوية الثالثة والأخيرة).. لماذا؟
أثناء الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن العشرين كان غارودي معتقلاً في أحد السجون الفرنسية في الجزائر لوقوفه ضد الحرب. وكان أن قاد تمرداً داخل السجن فأمر قائد السجن الفرنسي أحد الجنود الجزائريين إطلاق النار على غارودي، فرفض. وكان مثل هذا الرفض يعرض صاحبه لأقصى العقوبات التي يمكن أن تؤدي إلى الإعدام.
سأل غارودي الجندي الجزائري عن عدم تنفيذ الأوامر. فأجابه بأن دينه يمنعه من قتل إنسان أعزل.
غارودي سأل الجندي الجزائري: ما هو دينك؟
أجاب: الإسلام.
عكف غارودي على دراسة الإسلام واقتنع به فأسلم.
القائدة المبدعة فاطمة تسومر رائدة المناضلات الجزائريات كانت تقاتل في الجبال مع المناضلين حاملة السلام ومشتركة في المعارك.. كانت مثالاً وقدوة للمرأة المناضلة الصلبة ضد الاستعمار الفرنسي والتصدي لقمعه الوحشي ضد المناضلين الجزائريين.. من عباءتها خرجت الجميلات الثلاث:
(جميلة بو حيرد - جميلة بو عزة - جميلة بو معزة) وجميع المناضلات اللواتي ضحين بأرواحهن لتنتصر الجزائر.
القائد الجزائري الفذ عميروش، ذلك الأسطورة التي دوّخت الفرنسيين ومنظم الثورة في منطقة القبائل، إنه قائد فولاذي لا يساوم دفع حياته ثمناً لبلاده. إن أحفاده يثبتون يومياً أنه لم يمت بل تحوّل بطلاً قومياً في جميع مواليد الجزائر بعد غيابه.. حقاً هناك «قلة نادرة من الموتى لهم مستقبل».
شموس مغربية مضيئة على الوطن العربي كله:
* من ليبيا: عمر المختار قاد ثورة كبرى ضد الحكم الإيطالي.. تم إعدامه.
* من الجزائر: عبد القادر الجزائري قاتل الفرنسيين ببسالة.. نفي إلى سوريا وتوفي فيها.
* عبدالكريم الخطابي من مراكش.. كافح طويلاً ضد الاستعمار الفرنسي وكان على طريق النصر النهائي.
الأمة العربية ولادة لا تموت.
كان الاستعمار الفرنسي للجزائر قد خصص سجناً خاصاً في العاصمة للمناضلين الجزائريين المحكومين بالإعدام، وكانت العادة أن يساق المحكوم في الصباح الباكر من زنزانته إلى ساحة الإعدام.. وكالعادة كان جميع المحكومين يودعون شهيدهم الذاهب إلى الموت بأن يضربوا بقبضاتهم الحديدية جدران السجن وهم ينشدون نشيد الثورة الجزائرية وكأنهم يزفونه إلى عرس.
وفي إحدى المرات ساق الحراس أحد المحكومين بالإعدام صباح يوم شديد البرودة فودعه رفاقه المساجين بالضرب على الأبواب وهم ينشدون نشيد الثورة.. وعندما أخذوا ذلك المناضل إلى ساحة الإعدام رفع يده طالباً الكلام قائلاً لجلاديه: «أريد كم أن تعرفوا شيئاً أساسياً.. إنني أرتجف من البرد لا من الخوف..».
عشت سالماً أيها البطل.. فالأبطال لا يموتون، إنهم يغيبون فقط..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة