ليست جمهورية أفلاطون، ولا غيرها، كما يدّعي البعض، إنها ببساطة شديدة، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سعت ولا تزال، نحو بناء مجتمع أقرب إلى المثال، في محيط لا يزال يلهو بتصنيف النظم والسياسات، ويصرف الجهد والمال، لاستنباط وسائل وأساليب حكم، جرّت الويلات على مجتمعاتها ومحيطها الأقرب والأبعد.
ربما من حق الآخرين التساؤل: لماذا دولة المواطنة، ولماذا وزارات للمستقبل وللشباب والسعادة؟ ولماذا الارتقاء بالسلوك المجتمعي إلى مستويات الرقي من رتبة التسامح وقبول الآخر؟ ربما أسئلة وجيهة، والإجابة عنها تبدو بسيطة، عندما نحلل أرقام بعض الإحصائيات العربية، حول هجرة الشباب وفرارها من مجتمعاتها، فالشباب العربي هو الأعلى استعداداً في العالم، لترك مجتمعه والهجرة إلى بلدان أخرى، واللافت في ذلك، أن أحلامهم وطموحاتهم تتجه إلى دول رسّخت مفهوم المواطنة في مجتمعاتها، وحلت دولة القانون مكان الدولة الراعية، فلماذا لا نبني مجتمعاتنا ودولنا على شاكلتها.
تلك هي المسألة التي عمل عليها شعاراً وتنفيذاً، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عبر الإجراءات التي أخذت طريقها للتطبيق والتنفيذ مؤخراً.
إن ما يبرر ذلك، ورد في مقالة سموه الأخيرة، وهو بمثابة التوضيح لمن رأوا في مسيرة الإمارات ضرباً من الترف السياسي، وكأن المواطن العربي ومنه الإماراتي، لا يحق له التطلع إلى الأرقى والأفضل والأحسن.
فما جرى في عالمنا العربي مؤخراً، مؤشر واضح على وجوب التغيير ورمزية دلالاته في هذه الفترة، فلو سُمع صوت الشباب ومطالبهم، هل جرى ما جرى ودمرت المجتمعات والدول؟ ولو تم الاتكال على هذه الفئة العمرية الشابة، أما كان الوضع مختلفاً؟، سيما أن هذه الفئة هي الأكثر قدرة على التطوير والإبداع، لما تمتلكه من طاقات وقدرات كما أشار سموه.
إن مجتمع الإمارات الشاب في طاقاته وقدراته، يستحق نقلة نوعية في إجراء التغييرات المؤسساتية على قاعدة: «إعادة النظر في المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط»، وهي رؤية رائدة لإعادة بناء مجتمع قائم على: «إعمار فكري يرسخ قيم التسامح والتعددية وقبول الآخر فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً». وهي خطوة حكيمة تنطلق من أهمية بناء الإنسان والمجتمع، أي أسبقية البشر على الحجر، فالحقد والكراهية، وعدم تقبل الآخر، أوغلت في مجتمعاتنا العربية فقراً وجهلاً وتفتيتاً، وجعلتنا نتحلل من القيم والمبادئ التي كانت يوماً زاخرة بيننا وفينا، وبتنا نبحث عنها في غيرنا، فلماذا لا نعيد قراءة الواقع للبناء عليه نحو المستقبل، عبر الانفتاح والتسامح وقبول الآخر؟
إن وظيفة الحكومات، هي في الأساس تدبير أمور الناس، ومنها جعلهم في مستويات لائقة من الرفاه والسعادة، وهي مطالب ليست بالضرورة مطالب يوتوبية، لا وجود لها إلّا في جمهورية أفلاطون، كما يقال مثلاً، أهو معيب البحث عن الوسائل للوصول إلى المثال؟ أم أن العيب في الاستغراب والاستهجان ممن تعودوا على قراءة الأفكار من أبوابها الخلفية؟ إن «وظيفة الحكومات خلق البيئة التي يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم.. خلق البيئة وليس التحكم فيها.. تمكين الناس وليس التمكن منهم»، هي وظيفة يرى سموه أن حكومة الشباب قادرة عن تمكين الناس، وليس التمكن منهم.
ربما باتت السعادة حلماً لدى البعض، وهو أمر ربما محق، لكن في مجتمعات مقهورة ومغلولة، وهو أمر تخطاه المجتمع الإماراتي في وجوه ومستويات كثيرة ومتنوعة، ما يتيح تكريس هذا الواقع ب «برامج ومبادرات في قطاعات الحكومة كافة، ولابد من وجود وزير لمتابعة ذلك مع القطاعات والمؤسسات الحكومية كافة»، كما يرى سموه، فهي ليست ظاهرة عارضة، ولا هي شعاراً، ولا هي طموحاً أو حلماً، هي واقع تكرّس عبر سياسات حكومية مدروسة، والسعي جارٍ حالياً، على مأسستها عبر وزارة مختصة تتابع وتلاحق مع باقي الوزارات والمؤسسات المؤثرة في تلك الوسائل.
جملة بسيطة في معناها اللغوي، عميقة في دلالاتها القيمية، «معادلة التغيير عندنا بسيطة: تنمية تقوم على منظومة من القيم.. ويقودها الشباب.. وتستشرف المستقبل.. وتسعى لتحقيق سعادة الجميع». كلمات تختصر حلماً يبحث عنه الكثيرون في مجتمعاتنا العربية، البحث عن السعادة في المستقبل، وليس الركون للتاريخ، يقودها شباب يبحث عن مستقبل مشرق، ليس مقتصراً على مجتمع بعينه، بل ليكون تجربة فريدة، وسابقة في شرق لا يزال يبحث عن ثغرة أمل، في سماء تنعق فيها الغربان السود.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الخليج وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة