الهجمات الارهابية في باريس وتونس فجرت أزمات سياسية وإعلامية للحكومة، اعتبرها مراقبون تقوي المعارضين
فجرت الهجمات الإرهابية في باريس والجبال المجاورة لمدينتي سيدي بوزيد والقصرين التونسيين أزمات سياسية وإعلامية بالجملة بين السياسيين وصناع القرار في الحكومة والمعارضة التونسية، حيث اعتبر مراقبون أن المعارضين للحكومة من داخل الحزب الحاكم والبرلمان وفي أوساط أخرى أصبحوا أهم مستفيد من إضعاف رموز الحكم الليبيراليين وحلفائهم الإسلاميين.
وكانت من بين آثار العمليات الإرهابية الجديدة اندلاع حرب إعلامية وكلامية بين أطراف سياسية ونقابية وحزبية عديدة ورئيس الحكومة الحبيب الصيد؛ لأنه أقال مدير عام التلفزيون الحكومي بسبب نشره صورة رأس شاب مبروك السلطاني في الـ16 من عمره قطعها الإرهابيون.
وتوقع الخبير الاقتصادي ومدير عام مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية رضا الشكندالي، في تصريح خاص لـ "بوابة العين الإخبارية" أن تتضرر سياحة تونس والاستثمارات الأوربية كثيرا من مضاعفات الأزمات السياسية والهجمات الإرهابية على باريس، وبروز مواجهات جديدة بين قوات الأمن التونسي والجبال القريبة من الحدود الجزائرية التونسية في محافظات القصرين والكاف وسيدي بوزيد.
في نفس السياق توقع الخبير الاقتصادي والمالي الصادق جبنون أن "تؤثر عودة العمليات الإرهابية إلى جهات داخلية في تونس وتفجيرات فرنسا، في الأوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية في بلد صغير ومحدود الموارد ـمثل تونس-، يحاول قادته توظيف الورقة الدولية لتخفيف المضاعفات السلبية للعمليات الإرهابية التي سجلت قبل أشهر، وتسببت في مقتل وإصابة عشرات السياح الغربيين .
لكن الخسائر السياسية التي لحقت بــ "حكومة التوافق الوطني " برئاسة الحبيب الصيد توشك أن تكون أكبر بكثير مما كان متوقعا، حسب البرلماني زهير المغزاوي .
وفي سابقة خطيرة وجهت أطراف من المعارضة ومواقع اجتماعية واسعة الانتشار انتقادات حادة إلى السلطات التونسية؛ بسبب ملف الإرهاب في تونس وفرنسا.
وشملت "صواريخ النقد" والحملات الإعلامية المنظمة المواقع الاجتماعية ـالتي يرتادها 80 بالمائة من التونسيين والتونسيات حسب الخبير حسن الزرقوني، كما شمل النقد مؤسستي رئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية .
وأصبحت التهمة الموجهة إلى كل حكام تونس الحاليين والقدامي؛ -حسب "معارضين" مثل محمد عبو زعيم حزب التيار الديمقراطي وقياديين من حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي- "الفشل في تأمين سلامة المواطنين والفقراء خاصة بين سكان المناطق الجبلية والغابات التي داهمها الإرهابيون مرارا خلال الأعوام الأربعة الماضية، وتسببوا في بعضها في قتل عشرات العسكريين والمدنيين ."
انتقادات للسبسي
وكانت "السابقة الأخطر" أن رئيس الدولة الباجي قائد السبسي شخصيا أصبح عرضة لانتقادات عنيفة في وسائل الإعلام والبرلمان والمواقع الاجتماعية؛ بسبب تنقله إلى العاصمة الفرنسية باريس لتقديم التعازي إلى الرئيس فرانسوا هولاند وإلى الشعب الفرنسي، بينما لم يتنقل إلى مدينة سيدي بوزيد موطن ثورة 2011 لتعزية عائلة راعي الغنم مبروك السلطاني الذي قطع الإرهابيون رأسه -وهو في الـ16 من عمره- وبعثوا به إلى عائلته مع ابن عمه، في ظروف غامضة قبل تفجيرات باريس بساعات.
وحاول رئيسا الجمهورية والحكومة تدارك الأمر، فوجهوا إلى منطقة سيدي بوزيد رئيس البرلمان ووزيري الداخلية والدفاع، لكن الضغط الإعلامي على رئاسة الجمهورية والحكومة تضاعف، بما في ذلك قنوات تلفزية كانت محسوبة على "حزب الرئيس والحكومة "، التي استضافت شقيق الراعي المذبوح وابن عمه، ليقدما شهادات مفزعة عن "فشل السياسيين في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للهمشين والشباب داخل البلاد".
وحاول رئيس الجمهورية امتصاص الغضب مرة أخرى، فاستقبل شقيق الراعي المذبوح للاستماع لشهادتها عن "الخطر الإرهابي"، وتعود هذه الانتقادات للرئيس قائد السبسي بعد أن خفتت في أعقاب "المصالحة المؤقتة " بين قيادات في الحزب الحاكم، بعضها من بين الموالين للأمين العام محسن مرزوق، وبعضها الآخر من بين خصومه الموالين لنائب رئيس الحزب ونجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي .
في هذا المناخ العام المتأزم -الذي انخفضت فيه قيمة الدينار التونسي بشكل غير مسبوق أمام الدولار والعملات الاجنبية- يتساءل الجميع: من المستفيد من الأزمة متعددة الأوجه في تونس؟
ولماذا عاد ملف الإرهاب ليطفو على السطح السياسي في بلد زاره وزير خارجية أمريكا جون كيري قبل تفجيرات باريس بساعات فقط، ووصفه بـ "النموذج العربي للانتقال الديمقراطي السلمي"، و "المثال التعددي الناجح في البلدان الإسلامية"، و "القدوة التي ينبغي لليبيا ودول المنطقة اتباعها فيما يتعلق بخيار التوافق السياسي والشراكة بين العلمانيين والإسلاميين"؟
ومن هي الجهات التونسية والإقليمية والدولية التي عادت إلى تحريك "الخلايا النائمة للإرهابيين" بهدف زعزعة أمن تونس وجيرانها بعد أن تنوعت مؤشرات النجاح السياسي والاقتصادي فيها، بدءا من حصولها على جائزة نوبل للسلام، وعلى تعهدات أمريكية بترفيع قيمة الشراكة معها ثنائيا، مع تأكيد حصولها على مزايا "حليف استراتيجي غير عضو في الحلف الأطلسي" و " شريك في الحرب الدولية ضد داعش"؟
الإجابات متناقضة واستشراف المستقبل يوحي بأن البلد مقبل على مرحلة صعبة على كل المستويات؛ خاصة في حال ازدادت الحكومة "ضعفا" والمعارضون "قوة ".
aXA6IDMuMTQyLjIxMC4xNzMg جزيرة ام اند امز