من باردو لبن قردان.. تونس لاتزال حائرة في مكافحة الإرهاب
لا تزال تونس تبحث، رغم ما أقرته من تدابير إثر الهجوم قبل عام على متحف باردو، عن "استراتيجية لمكافحة الإرهاب"
لا تزال تونس تبحث، رغم ما أقرته من تدابير إثر الهجوم قبل عام على متحف باردو، عن "استراتيجية لمكافحة الإرهاب" والتهديد الإرهابي الذي دخل مرحلة جدية بعد الهجمات الأخيرة على 3 منشآت أمنية في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا.
وعلى الرغم من أن أجهزة الأمن التونسية "بدأت تتعلم من إخفاقات الماضي" و"زادت نجاعتها" لكنها مازالت تعمل من دون "استراتيجية قائمة على رؤية وأهداف واضحة ونابعة من تحليل متطور للتهديدات" بحسب حبيب الصياح المحلل والمستشار في المجال الأمني.
وتصاعد عنف الجماعات الإرهابية في تونس بعد الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
ومنذ نهاية 2012 قتل عشرات من عناصر الأمن والجيش في كمائن وهجمات نفذتها "كتيبة عقبة بن نافع" المتحصنة في الجبال قرب الحدود مع الجزائر، والمرتبطة بتنظيم القاعدة.
وتدهور الوضع في 2015 بشكل غير مسبوق إذ قتل 59 سائحًا أجنبيًّا و13 عنصر أمن في 3 هجمات دموية تبناها تنظيم داعش الإرهابي، بينها الهجوم في 18 آذار/مارس على متحف باردو الذي أسفر عن مقتل 21 سائحًا أجنبيًّا وشرطي تونسي.
وقتل 38 سائحًا أجنبيًّا في هجوم على فندق بولاية سوسة (وسط) يوم 26 يونيو/حزيران الماضي، و12 من عناصر الأمن الرئاسي في عملية انتحارية استهدفت حافلتهم وسط العاصمة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
ودخلت الهجمات الإرهابية طورًا جديدًا في السابع من الشهر الحالي عندما نفذ عشرات الإرهابيين فجر ذلك اليوم هجمات "متزامنة" على ثكنة الجيش ومديريتيْ الدرك والشرطة في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا، وحاولوا "احتلال" هذه المنشآت الأمنية وإقامة "إمارة داعشية" في المدينة حسبما أعلن رئيس الحكومة الحبيب الصيد.
وقتل 49 مهاجمًا و13 عنصر أمن و7 مدنيين في مواجهات حصلت يوم الهجوم ثم في عمليات مطاردة للمهاجمين خلال الأيام التالية.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي أثار مخاوف من تمدد الفوضى في ليبيا المجاورة نحو تونس.
ويرى المحلل حبيب الصياح أن منفذي الهجوم أرادوا "اختبار دفاعات الدولة وإعطاء ضربة البداية لحملة طويلة ضد الجنوب التونسي" معتبرًا أن "رجال داعش أساؤوا تقدير قدرة قوات الأمن (على صد الهجوم) وعوّلوا على تأييد السكان الذين وقف معظمهم مع قوات الأمن".
"مؤسسة غير مهيكلة"
وأشادت الحكومة ووسائل الإعلام المحلية بمساندة أهالي بن قردان لقوات الجيش والأمن خلال الهجوم الأخير وبعده، فيما طالب سياسيون ومنظمات وصحفيون بوضع "استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب".
وكانت "مجموعة الأزمات الدولية" دعت بعد الهجومين على متحف باردو وفندق سوسة إلى "إصلاح شامل" لأجهزة الأمن التونسية التي وصفتها بـ"المؤسسة غير المهيكلة" وذلك إثر ما لوحظ من خلل في أداء هذه الأجهزة خلال الهجومين.
وقالت المجموعة في تقرير بعنوان "الإصلاح والاستراتيجية الأمنية في تونس" نشرته في يوليو/تموز الماضي "قوات الأمن مجمعة على أن غياب الاستراتيجية هو المشكل الأساسي".
وكان مقررًا أن تعقد الحكومة التونسية يومي 24 و25 تشرين الأول/أكتوبر 2015 "المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب" الذي يهدف إلى وضع "استراتيجية وطنية شاملة بأبعادها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والإعلامية والتربوية للتوقي من الإرهاب ومقاومته" وفق بيان سابق للحكومة.
لكن هذا المؤتمر وقع تأجيله إلى تاريخ غير محدد لأسباب قالت الحكومة، إنها تتعلق بـ"زيادة التنسيق".
ورفعت تونس في 2016 من الاعتمادات المالية المخصصة لقطاعي الدفاع والأمن والتي باتت تمثل نحو 20% من موازنة الدولة لهذا العام والبالغة 29 مليار دينار (نحو 13 مليار يورو) بحسب وزير المالية سليم شاكر.
ويرى حبيب الصياح أن "أحد أوجه القصور الخطيرة" في مكافحة الإرهاب في تونس تكمن "في المستوى السياسي".
وقال في هذا السياق: "العديد من أوجه القصور لا يمكن معالجتها إلا بدفع من صانعي القرار السياسي" الذين اعتبر أنهم اكتفوا حتى الآن بترديد "الشعارات" والتعبير عن "مجرد أماني".
"قوانين "بالية"
وفي غياب الإصلاح، تواصل قوات الأمن في تونس العمل بقوانين و"إجراءات وتراتيب بالية" جعلت من "التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية أمرًا صعبًا" وفق حبيب الصياح الذي أكد أن ما تحتاجه هذه الأجهزة من معدات وتجهيزات متطورة "لا يقل أهمية عن حاجتها للتكوين".
وبعد هجوم بن قردان، دعا سياسيون وإعلاميون وخبراء في الأمن إلى تطوير العمل الاستخباراتي لأجهزة الأمن التونسية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعدت فرنسا بتعزيز التعاون مع تونس في مجال المكافحة المشتركة للإرهاب، مع إعطاء أولوية للاستخبارات التي تعتبرها تونس "عصب الحرب".
وفي 29 شباط/فبراير، أعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن بلاده سترسل فريقًا تدريبيًا من نحو 20 جنديًّا إلى تونس للمساعدة على الحد من دخول الأشخاص بشكل غير قانوني من ليبيا المجاورة.
ويرى مختار بالنصر العميد المتقاعد من الجيش التونسي ورئيس "المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل" (غير حكومي) أن أداء قوات الجيش والأمن "تحسن بشكل ملحوظ" خلال العام المنقضي إذ تمكنت من "القضاء على" نحو عشرين من "قادة" الخلايا الإرهابية.
بدوره أكد حبيب الصياح أن قوات الجيش والأمن اكتسبت تجربة ميدانية خلال الأشهر الأخيرة. وقال في هذا السياق، إن هجوم بن قردان "كان بالتأكيد سيخلف أضرارًا أكبر لو حصل قبل عام".
وختم بالقول "مكافحة الإرهاب أصبحت حاضرة في ذهن كل عنصر أمن اليوم" بعدما كانت "دعابة في السابق".
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg جزيرة ام اند امز