"العين" ترصد ملامح التغيير الوزاري المرتقب في مصر، فيما يواصل السيسي البحث عن نخبته السياسية
اعتبرت مصادر حكومية وخبراء سياسيون أن الفلسفة التي تحكم اختيارات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تغيير الوزراء أو الإبقاء عليهم، وراءها ثلاث محددات رئيسية، في مقدمتها مدى تنفيذ الوزير للمهام المتفق عليها، وعدم تورطه في قضايا فساد، وألا يكون الوزير مسار انتقاد لدى المواطن إما بسبب أدائه آو تصريحاته.
وتلك المحددات، إلى جانب إطارين الأول يتعلق بالخبرة ووجود رؤية لحل المشكلات، والثاني بالخلفية والسن وعدم الانتماء الحزبي، هي نفسها التي تحكم اختيار الرئيس للوزراء الجدد، حسب الخبراء.
وتظهر المحددات الثلاثة، حسب المصادر والخبراء في أحاديث منفصلة لبوابة "العين" الإخبارية، في أسباب التغيير التي طالت ٣ حكومات منذ تولي السيسي مقاليد الحكم، وكذلك الشروط التي تم على أساسها اختيار الوزراء السابقين.
ومن المرتقب أن يجرى تعديلًا وزاريًا جديدًا يتم الإعلان عنه في غضون أيام على أن يتم الإعلان عنها قبل عرضها على البرلمان، وتقديم برنامجها ٢٧ مارس/آذار الجاري، وفق ما صرحت به مصادر لبوابة العين، وسط تساؤلات عن طبيعة الوزراء الجدد، وهو ما أجمعت المصادر عليه بأنهم سيكونون ضمن الوزرات الخدمية وكذلك المجموعة الاقتصادية.
السفير حسام قاويش المتحدث باسم مجلس الوزراء، قال في تصريحات خاصة لـ"العين"، إن "هناك محددات تحكم آلية تغيير الوزراء تتعلق بمدى التزام الوزير بمهام المرحلة وقدرته على تنفيذها بما يتلاءم مع وجود نتائج ملموسة داخل الوزارة يشعر بها المواطن"، لافتًا إلى أن هذه المحددات تفتح الباب أمام إمكانية تعديل الحكومة قبل عرضها على البرلمان في ٢٧ مارس/آذار الجاري.
وتابع المتحدث "ما سيحدد ذلك هو تلك المحددات، والتي تظهر من خلال تقارير تقييم مستمرة، سواء الفترة الماضية أو الحالية، مضيفًا أن هناك تقارير يومية خاصة بالوزارات الخدمية لتقييم أدائها".
وتقول مصادر من داخل مجلس الوزراء، إن قائمة الترشيحات تضم تغيير لوزرات خدمية مثل التربية التعليم والصحة، واقتصادية مثل المالية والاستثمار والتجارة والصناعة، إلى جانب السياحة والآثار والبيئة والري، إلى جانب طرح تغيير وزير الداخلية رغم نجاح الأمن في ضبط عناصر شاركت في اغتيال النائب العام هشام بركات، وهو ما وصفه أحد المصادر المطلعة إلى "تغيير بدافع التقاط الأنفس".
أزمة المجموعة الاقتصادية
من جانبه، قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن "هناك مشكلة تواجه الحكومة الحالية، تتمثل في المجموعة الاقتصادية التي ليس لها باع في السياسات النقدية، ومن ثم فإن تغييرهم سيكون بغرض تنفيذ قرارات سريعة منجزة من خلال برنامج عمل واضح للحكومة".
وهاجمت وسائل إعلام محلية وزراء المجموعة الاقتصادية، خلال الأسابيع الأخيرة؛ حيث وجهت لهم انتقادات تتعلق بتباطؤ معدلات النمو واضطرابات مالية واسعة ومتزايدة، وهو ما يهدد وعد الرئيس نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للمواطنين بعدم السماح بزيادة الأسعار، ووعده بالتحسن الملحوظ.
من جانبه، رأى محمود علي، مستشار وزير المالية للسياسات الضريبية، في تصريح لبوابة "العين" أن اختيار الوزراء في المجموعة الاقتصادية عادة ما يستند إلى مدى خبرتهم ووجود رؤية اقتصادية لديهم لحل المشكلات، مضيفًا أن هناك معيارين لتحديد كفاءة الوزراء وهي العمل من خلال فرق عمل والالتزام بخطة العمل مع الوزرات ذات الصلة.
وشدد مستشار وزير المالية على ضرورة وجود قاعدة بيانات لأصحاب الكفاءة يتم الاختيار من بينها، وليس الاعتماد على ترشيحات آنية وتقارير من الأجهزة الرقابية فحسب، وهو ما سيضمن تحقيق التنمية والعدل الاجتماعي.
وعن محددات الاختيار، قال وزير مقرب من دوائر صنع القرار لبوابة "العين"، متحدثًا شريطة عدم ذكر اسمه، إن الرئيس لم يشكل نخبته حتى الآن وليس لديه تنظيم سياسي، ومن ثم خبرة الاختيار تؤول للأجهزة الرقابية ومن ثم يعتمدها الرئيس أو يرفضها، كاشفًا عن توجيه الرئيس عند اختيار الوزراء الجدد "بضرورة المحافظة على التصريحات الإعلامية بما لا يثير استياء المواطن أو يمس الحريات بما في ذلك العقيدة والرأي".
وأطاحت التصريحات الإعلامية بوزيري العدل السابقين؛ حيث قدم محفوظ صابر، استقالته من منصبه، في ١١ مايو/أيار الماضي، بعد يوم من تصريحات له أثارت جدلا واسعا قال فيها إن "القضاء لا يناسب أبناء عمال النظافة"، فيما أعفت الحكومة المصرية وزير العدل أحمد الزند من منصبه الأحد الماضي، إثر تصريح له اعتبر مسيئا للنبي محمد.
"الدماء الجديدة"
وقال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن هذه الأزمة ستجعل التركيز على محدد "عدم التسيس" إلى جانب عدم التحزب لدى صانع القرار، متوقعًا أن يكون ذلك المحدد هو الرئيسي في اختيار وزير العدل الجديد، لافتًا إلى أنه "لا يوجد معيار ثابت يضمن بقاء الوزير في منصبه ولكن جميع الوزرات قابلة للتغير، حتى الوزرات السيادية مثل الداخلية والخارجية والدفاع والإنتاج الحربي أصبحت محل نظر من قبل الرئيس".
وبخلاف التصريحات الإعلامية، دفعت تهم تتعلق بالفساد الحكومة لتقديم استقالتها، ففي سبتمبر/أيلول الماضي استقالت حكومة إبراهيم محلب بعد أيام من القبض على وزير الزراعة عقب تقديم استقالته، على خلفية اتهامات بقضايا فساد داخل الوزارة، ذكرت تقارير محلية أنها تطال مسؤولين حكوميين.
فيما جاء التعديل الذي سبق الاستقالة، بأربعة أشهر، محدودًا، ليتضمن 6 حقائب وزارية، بغرض "الدفع بدماء جديدة"، حسب رئيس الوزراء، وهو ما قال مراقبون إنه بهدف احتواء حالة الغضب التي تشهدها قطاعات شعبية لتدني الخدمات آنذاك.
ومن أبرز التغييرات، في ذلك التعديل، تغيير وزير الداخلية السابق محمد ابراهيم، الذي جاء بعد انتقادات وجهتها قوى سياسية في مصر، لإبراهيم وصلت إلى حد المطالبة بإقالته بعد مقتل الناشطة اليسارية شيماء الصباغ في يناير/كانون الثاني ٢٠١٥ خلال مشاركتها في مسيرة في ذكرى ثورة 25 يناير/كانون الثاني.
3 معايير والسمعة الشعبية
محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الأهرام، وأحد المختصين بالتغيير السياسي قال لبوابة "العين"، إن هناك ثلاثة معايير محددة تحكم اختيارات الرئيس في التعامل مع الحكومة عند إجراء تعديلات، أهمها ما أسماه بالسمعة الشعبية، موضحًا أن "رضا المواطن عن الوزير أصبح يشكل "لوبي ضغط" لم يكن موجودًا من قبل، ومن ثم أصبح هناك نوعًا من الرقابة الشعبية التي تساعد الرئيس في اتخاذ قراره بتغيير الوزير.
وأضاف إدريس: لا شك أن محددات مثل كفاءة الأداء كانت واضحة منذ تولي الرئيس الحكم، ومثال ذلك اختيار رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، الذي كان يرأس شركة قابضة للبترول قبل تصعيده وزيرًا ثم رئيسا للوزراء في أعقاب استقالة محلب، إضافة إلى محدد النزاهة الذي تتشارك فيه التقارير الرقابية والإعلامية عن الوزراء، وتكون سببًا في الإبقاء عليهم أو تغييرهم.
وعقب تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، تقدم رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب باستقالة الحكومة، وكلفه السيسي بتشكيل حكومة جديدة، أدت اليمين الدستورية في 17 يونيو/حزيران 2014، وتكونت من 34 وزيرا، بينهم 13 وجهاً جديداً، ثم أعقب ذلك تعديل محدود تضمن ٦ وزراء في مايو/أيار ٢٠١٥، تلاها استقالة رئيس الوزراء في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وتكليف المهندس شريف بتشكيل الحكومة التي تألفت من 33 وزارة بينها 16 وزيراً جديدًا.
متوسط العمر
محمد محمود نجيب أستاذ علم النفس السياسي، قال لبوابة "العين" إن اختيار الوزراء وراءه المحددات الثلاثة إلى جانب إطارين يتعلقان بالخبرة من جهة، والتي توقع أن تأخذ حيزًا أكبر في التشكيل الجديد، والآخر يتعلق بالسن والخلفية، التي تضمن بقاء الوزير مدة في الوزارة؛ حيث ينفذ سياسات العمل على أكمل وجه.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية "المشكلة التي ربما تواجه الرئيس هي عدم وجود قواعد بيانات؛ حيث يسهل اختيار الأكفأ من الناحية الإدارية والرقابية وهي ما ستوفر كثيرًا من الجهد".
وقالت المصادر بمجلس الوزراء لبوابة "العين" إن الرئيس طلب من المهندس شريف إسماعيل اليوم إجراء تعديلات على بعض الأسماء المطروحة، مشددًا على أن تكون الفئة العمرية للوزراء الجدد في متوسط ٥٠ عامًا، وأن يتم اختيارهم وفق الخبرة الفنية وقدرتهم على المشكلات الراهنة سواء الخدمية أو الاقتصادية.
aXA6IDE4LjIxOS4xNS4xMTIg جزيرة ام اند امز