«ذات فقد» لأثير عبد الله .. العادات القديمة لا تموت
تقدم الكاتبة السعودية أثير عبد الله النشمي لقارئها في روايتها الأخيرة «ذات فقد» عملًا أخاذًا لغته سهلة جذابة وغنية بالإيحاءات.
في روايتها الأخيرة «ذات فقد»، تواصل الروائية السعودية أثير عبد الله النشمي شغفها بالموضوعات التي تفيض برومانسية حلوة تعيد الإنسان إلى ما كان قد سمعه أو قرأ عنه من "عصور الحب" الخوالي. وعلى الرغم من بساطة حبكة روايتها «ذات فقد» ومن قدرة القارئ وإلى حد بعيد على التكهن بنهاية الرواية، فإنها تقدم لهذا القارئ عملًا أخاذًا لغته سهلة جذابة وغنية بالإيحاءات.
للكاتبة قدرة على الاختصار البليغ والجميل وحتى الساخر في القول. نجدها تستهل روايتها بهذا النوع من الاختصار. تقول على لسان البطلة معرفة بنفسها وببعض العالم الذي يحيط بها "ولدت في يونيو، أحببت في فبراير، تزوجت في سبتمبر، وأصبحت أما في أغسطس. هذه باختصار حكاية امرأة تؤمن بالتاريخ واسمها ياسمين".
تتابع: "مولدي لم يكن معجزة .. لم يكن استثنائيًّا .. لكنه لم يكن عاديًّا أيضًا، ولدت في صباح السادس من يونيو من عام 1984 ميلادي الذي كان يصادف السابع من شهر رمضان في التقويم الهجري في المستشفى الجامعي بالرياض، وذلك أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وهو العام الذي صام فيه المسلمون 28 يومًا نتيجة لخطأ في تحديد بداية شهر رمضان فصام المسلمون 28 يومًا، فقدر لي وعلي أن أصوم عن الحب تكفيرًا عنهم 28 عامًا".
تقع الرواية في 164 صفحة متوسطة القطع، وبلوحة غلاف للفنانة عالية الفارسي، وصدرت عن دار الفارابي في بيروت. وأثير عبد الله النشمي سعودية مقيمة في الرياض ومن مواليد يونيو 1984. لها 3 روايات قبل هذه، آخرها رواية «في ديسمبر تنتهي كل الأحلام» التي صدرت في 2015.
القصة ببساطة هي قصة فتاة قتل والدها العزيز عليها مبكرًا بصدمة من سيارة في الشارع. تقول أثير عبد الله النشمي هنا: "أن تعيش الفتاة بدون أب في مجتمع كمجتمعنا يعني أن تقف طول حياتها على ساق واحدة؛ بحيث إن أي هبة هواء قد تطيحها .. أن تعيش من دون أب يعني أن تخضع لكل أنواع الظلم"، هكذا وصفت حياتها مع أمها وأختيها.
وأضافت: "لا أعرف لماذا وقعت وحدي أسيرة لأزمة الموت تلك .. لم أنا بالذات؟! كل يوم يمر الموت بي يطوف فوق رأسي يحوم حولي ببروده المهيب .. ويتركني أنفض بقاياه العالقة بي وهو يقهقه (لنا موعد قريب)".
الفتاة ياسمين شديدة الإحساس جعلها إحساسها بعد صعوبة تتعلق بالشاب (مالك) "جاء مالك يمد لي يدًا دافئة، يدًا تسعى لإنقاذي من كل ذلك البؤس .. كنت بحاجة إلى رجل يسعف قلبي .. سلمت له حياتي وتحديت من أجل أن أتزوجه العالم أجمع" وعلى رأسه والدتها.
تسأل نفسها: "لم تزوجت مالك؟؟ .. أظن أنني اخترت مالكًا؛ لأنه مثلي مثخن بالكثير من الجراح؛ ولأنه مثلي لا يجيد الحديث عنها؟ .. "كان والد مالك رجلًا مزواجًا لم يتوقف عن التنقل بين النساء. ويبدو أن (مالك) كان يشبهه في هذه الناحية، فعلاقاته كثيرة من نساء أخريات وإن لم يتزوج غير ياسمين. ياسمين اكتشفت ذلك مبكرًا ولم تقل له عن معرفتها بتصرفاته".
بعد 3 سنوات دون إنجاب قررت أن تتركه بعد عودته إلى البيت من إحدى سفراته العاطفية، لكنها اكتشفت أنها حامل، فاضطرت إلى الامتناع عن ذلك وعاش الاثنان في سعادة وانتظار الطفل الذي أطلقت عليه أمه اسم (نهار) ووافق الأب على الاسم.
صار الطفل كل حياتهما وسعادتهما ووحد بينهما. لكن العادات القديمة لا تموت كما يقال في الإنجليزية. أبلغت أمها أنها ستكشف له عن معرفتها بعلاقاته فرفضت أمها أن تطلقه أو حتى تبلغه بمعرفتها بما يقوم به؛ فهي لا تريد لها أن تعيش حياة مثل حياتها ضعيفة بدون رجل.
وقبل أن يعود مرة إلى المنزل اكتشفت رسالة وصلته عبر المحمول ممن تبدو إحدى عشيقاته. عندما جاء انفجرت في وجهه وأبلغته أنها تعرف كل قصصه فصار يطلب منها التروي. وفي سورة الغضب هذه سألها عن الطفل نهار أصابها قلق وأخذا يفتشان عنه إلى أن عثرا عليه غريقًا في المسبح القريب من المنزل. انهارت كل الأحلام وكل الآمال وأسباب التمسك بالحياة بالنسبة إليها.
وختمت الرواية بالقول: "أدرت رأسي وأنا أرتعش لأجده يحيط بنهار.. يحيط بابني بطفلي.. وفرحتي الوحيدة بالحياة وجدته يمسح على رأس نهار وجسده جسده الصغير الضعيف الطافي على سطح مياه المسبح مع كرته البيضاء الصغيرة".
aXA6IDMuMTQ0LjQuNTQg جزيرة ام اند امز