«من القلب للقلب» لفؤاد حداد.. حينما يكون القلب هو "البصير"
قام فؤاد حداد بترجمة ومسرحة «الأمير الصغير» بتصرف إلى العامية المصرية، ولكنها لم تقدم على المسرح في هذا الوقت ونشر النص لأول مرة 2012
[القلب هو البصير هو اللي يهدي.. في الترحال بين الكواكب
كل مخلوق يا أمير فيه جوهره
لكن ما حدش شاف الجوهرة بالعين
القلب هو البصير.. هو اللي يهدي]
فؤاد حداد
رواية «الأمير الصغير»، واحدة من روائع الأدب العالمي، نص قصير فاتن مدهش وغامض، كتبه في خلسة من الزمن الطيار الفرنسي والفنان متعدد المواهب أنطوان دو سانت أكسوبيري (أكزوبري)، حكاية شعرية فريدة، بسيطة بساطة البراءة الأولى والدهشة الأولية، كأنها قادمة من أزمنة الأساطير السحيقة في الوعي الإنساني، بما يعيد الاعتبار إلى البديهي والأوّلي والجوهري، إلى الطفولي والطبيعي لدى إنسان العصر الحديث المسحوق تحت وطأة التفاصيل الهامشية العابرة.
على خشبة المسرح القومي بالقاهرة، ومن إنتاج فرقة المسرح القومي التابعة للبيت الفني للمسرح، يعرض حاليًا العرض المسرحي الغنائي «من القلب للقلب» لأمير شعراء العامية الراحل فؤاد حداد عن رواية «الأمير الصغير» والتي قام بترجمتها إلى العامية المصرية، أشعارًا ومسرحة، العرض من ألحان حازم شاهين، وغناء فرقة (اسكندريلا)، وتوزيع موسيقي رفيق عدلي، وديكور محمود صبري، وملابس سهيلة ونوران، ومن بطولة: أحمد كمال، عهدي صادق، ناصر شاهين، أحمد حداد، لانا مشتاق، ياسمين سمير، هالة مرزوق، أحمد سمير عامر، ميدرونا سليم، عادل رأفت، إخراج رشدي الشامي.
ربما لا يعرف كثيرون، خاصة من الأجيال الشابة، أن جانبًا مهمًا وزاخرًا من إبداعات فؤاد حداد، هو المسرح الشعري، تأليفًا وترجمة على السواء، له تأليفًا «الشاطر حسن» و«ليمونة المحاياة»، وله في الترجمة العديد من الأعمال وقام أيضًا بالصياغة الشعرية الشعرية لمسرحية «الغول أنجولا» للكاتب الألماني بيتر ڤايس التي قدمت على مسرح الطليعة في موسم 1970/ 1971، وكذلك مسرحية «البرجوازي الصغير» لموليير التي قدمت على المسرح العائم عام 1975 تحت عنوان «العم النبيل».
بين هاتين المسرحيتين، قام فؤاد حداد بترجمة ومسرحة الرواية القصيرة «الأمير الصغير» بتصرف إلى العامية المصرية، ولكنها لم تقدم على المسرح في هذا الوقت، ونشر النص لأول مرة ضمن «الأعمال الكاملة لفؤاد حداد» التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب في اثني عشر جزءًا، ضمن الجزء الحادي عشر الذي يضم الحكايات والفوازير، وكان اسم هذا الجزء «من القلب للقلب» واهتم فؤاد حداد بوضع أغان وأشعار على لسان جميع شخصيات العمل العشر التي قام بمسرحتها ومعالجتها دراميًّا.
أجمل ما في هذا العرض من وجهة نظري المجهود الكبير المبذول في خراجه، تمثيلًا وديكورًا وموسيقى وغناءً، ليس عرضًا سهلًا أبدًا ولا مجانيًّا في تذوقه وتلقيه، عكس ما يبدو ظاهريًا، صحيح أنه يمكن اصطحاب أطفال من سن السادسة، لكنه بالتأكيد ليس عرضًا بسيطًا في متناول الأطفال ولا مستوى الإدراك والوعي المناسب لهذه السن، خصوصًا مع القضايا والأسئلة الفلسفية العميقة التي يطرحها.
فؤاد حداد البارع القدير، كتب نصًّا على بساطته عميق بلا قرار، الرسالة بسيطة، فتش بداخلك، قلبك هو الكنز، استيعابك للعالم بقلب محب ومندهش هو السعادة، هو الحياة، هذا هو درس الأمير الصغير للطيار التائه في الفضاء والصحراء، شربة ماء في جوف الصحراء تعني أنك حي، الحياة الحقيقية هي التي يراها الصغار بعيونهم؛ البراءة والاكتشاف ولذة الاندهاش، الكبار يفسدون الأمور، دائمًا ما يفسدونها.
أداء محترف للقدير أحمد كمال في دور الطيار، ورواح ببساطة واقتدار بين الجو النفسي للطيار التائه في الصحراء، والرواي الذي يسرد انتقالات الأمير الصغير بين الكواكب بحثًا عن الإنسان و"القلب البصير"، حضور أحمد كمال وارف ووافر. في دور الوقاد، تألق عهدي صادق، رغم شيخوخته البادية، في مشهد صغير يحكي حيرة مشعل الفوانيس في كوكب يدور حول الشمس كل دقيقة فلا يكاد يهدأ من اضاءة وإطفاء الفوانيس، وكذلك تألق ناصر شاهين في دور الجغرافي الذي يدون كل الحقائق الكونية ولكنه ليس مكتشفًا، فكأنما هو موثق في الشهر العقاري الفضائي، أما الفنان الشاب أحمد حداد في دور الأمير، كان أميرًا وصغيرًا، مقنعًا ومدهشًا بتعبيرات وجهه وحركته على المسرح، واجتهد باقي الممثلين والمؤدين بشغف وإخلاص في أداء أدوارهم.
جهد كبير وإبهار في الديكور والإضاءة وألحان وأغنيات حازم شاهين، وفرقة إسكندريلا قدمت أداء رائعًا، تجاوب الجمهور مع كثير من الأغاني التي أدوها ببراعة واندماج، عدد كبير من الحضور خرجوا عقب انتهاء العرض يغنون:
"قال الوقّاد دي بلاوي.. والله بلاوي
ومسح جبينه.. بمنديله المحلاوي
ياسي الأمير كان ودي نِقلّ من السلام
كان ودي نزيد المعرفة فن وعلام
لكن أعمل إيه والليل بيفوت قوام قوام
أما النهار زي البيضة في إيد الحاوي
أمسح جبيني بمنديلي المحلاوي"
أو يغنون:
"وكانت الأرض هي الكوكب السابع
والتقى في وشه طريق.. قال ده اللي حيوصلني للإنسان
مشي في الطريق.. وفات الليل على النعسان
والفجر شقشق قال صباح النور".
الفنان يوسف إسماعيل مدير المسرح القومي، الذي التقته «العين» على هامش العرض، قال في تصريحات خاصة، إن هذه المسرحية هدية من أسرة المسرح القومي لكل عشاق ومحبي المسرح، بمناسبة مرور 30 عامًا على وفاة الشاعر الكبير فؤاد حداد، مضيفًا أن من المعروف أن فؤاد حداد قام بترجمة الكثير من الأشعار عن اللغة الفرنسية، وقام بصياغتها شعرًا بالعامية والفصحى.
قال إسماعيل، إن العرض مستمر حتى ما بعد 18 مارس وبصورة مفتوحة، خاصة أن الفرقة حريصة على استمرار النجاح الذي بدأه عرض «ليلة من ألف ليلة» (من بطولة الفنان يحيى الفخراني) بتقديم عمل آخر يتميز بجودة كل مكوناته بدءًا من النص والممثلين والإخراج، وبوجود فرقة غنائية لها حضورها الجيد وهي "إسكندريلا"، ونراهن على جمهور "فؤاد حداد" الذي سيري أحد أعماله بشكل لم يسبق تقديمه من قبل.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز