"رئاسة" ترامب تهدد دبلوماسية أوباما في أمريكا اللاتينية
التقارب مع كوبا سيكون مثمرا إذا وافق الرئيس المقبل
زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لكوبا تترك الخيار لخلفه في اتباع نفس النهج، رغم التهديد الواضح من المرشح الجمهوري دونالد ترامب
زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم إلى كوبا، خطوة مرحب بها على الطريق الصحيح، لرأب الصدع، والتقارب المثمر مع الحديقة الخلفية لبلاده في أمريكا اللاتينية التي يتواجد بها لاعبون آخرون، ولكن دبلوماسيته، تترك الخيار لخلفه، رغم خطورة أن يسلك مسارا مختلفا، وهو ما يتجسد في تهديد واضح يأتي من المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية.
وفي تقرير بعنوان "كوباما.. باراك أوباما يزور كوبا"، قالت، المجلة إن "الحذر".. كلمة السر في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكنه كان مغامرا في جزء واحد من العالم، فبالنسبة لأي من أسلافه التسعة السابقين، فإن زيارته المزمعة اليوم إلى كوبا راؤول وفيدل كاسترو، لا مجال للتفكير فيها.
وتتوج الزيارة مناورة جريئة، أعاد بها أوباما العلاقات الدبلوماسية المجمدة بين البلدين منذ 54 عامًا، بدأت بتخفيف الحصار الاقتصادي المفروض على الجزيرة الشيوعية، حيث يراهن على أن التعامل مع أحد جيران أمريكا سيفيد أكثر من العزلة لإنهاء نظامها الشيوعي.
وعلاوة على ذلك، فإن التعامل مع كوبا سوف يقضي على التوترات التي سممت العلاقات بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية بأسرها. فبعد فترة ظهر فيها أن الصين تحل محل أمريكا، في ما أطلق عليه البعض فيما مضى حديقتها الخلفية، يمكن لهذه الروابط أن تصبح دافئة على نحو متزايد ومربحة للطرفين شريطة أن يستغل الرئيس المقبل الفرصة، إلا أنه استنادا إلى أدلة الحملة الانتخابية المريرة في أمريكا، ثمة خطر أنه أو أنها لن يفعل.
رهان أوباما هو الصحيح، فالحظر الأمريكي على كوبا يبدو ضربا من العبث، إنه خطأ تاريخي للحرب الباردة يؤذي الكوبيين (والأمريكيين)، أكثر من آل كاسترو، الذين يستخدمونه لتبرير الدولة البوليسية، وكذريعة للفقر الذي لحق بالجزيرة الشيوعية.
ويأتي هذا التقارب في وقت تشهد كوبا تغييرا، وإن كان ذلك على وتيرة إحدى سيارات الخمسينيات المرممة التي يستمتع بها السياح الوافدون إلى الجزيرة.
وثمة دافع آخر لانفتاح أوباما على كوبا، فالحظر الاقتصادي كان مصدر إزعاج رمزي في العلاقات بين الولايات المتحدة وجيرانها. وعلى مدى السنوات الـ20 الماضية أو نحو ذلك، كان يعارضه السياسيون من مختلف الأطياف في أمريكا اللاتينية، وكل دول المنطقة تربطها علاقات دبلوماسية وتجارية مع كوبا، حيث اعتبر الحظر رمزا للإمبريالية الأمريكية، حتى الكثير من المحافظين في أمريكا اللاتينية يشعرون بالاستياء من ذلك.
في السنوات الأخيرة انفصلت الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية تدريجيا بطريقة أو بأخرى، فلدى واشنطن انشغالات أخرى، من الشرق الأوسط إلى آسيا... ودول أمريكا اللاتينية استفادت من شهية الصين لمعادنها ووقودها وموادها الغذائية، كما أن الدورة السياسية جلبت إلى السلطة مجموعة من القادة اليساريين والمناهضين للولايات المتحدة، الذين رأوا في الصين بديلا جذابا لقسوة صندوق النقد الدولي، ومحاضرات واشنطن الزائفة أحيانا حول المخدرات وحقوق الإنسان.
وهذا يضر بأمريكا، فعلى الرغم من أنه لا توجد منطقة تجذب اهتماما أقل في سياسة الولايات المتحدة الخارجية من أمريكا اللاتينية، لا توجد منطقة أكثر أهمية للحياة اليومية للأمريكيين، حيث يرتبط شطرا الأمريكتين عن طريق التجارة والاستثمار والسياحة والأسر والتحويلات المالية. وأمريكا اللاتينية تأخذ ربع الصادرات الأمريكية، وهي حصة مماثلة لآسيا. والمكسيك، إلى جانب تشيلي وبيرو، عضو في الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي تمثل محاولة أوباما لوضع قواعد للتجارة والاستثمار في القرن الـ21.
والانفتاح على كوبا يمكن أن يساعد في رأب الصدع، كما أنه يأتي وقت تراجع في أمريكا اللاتينية، بسبب ارتفاع أسعار السلع والأخطاء.
في فترة ولايته الثانية، أصبح أوباما متحمسا لتحقيق مكاسب من توثيق العلاقات مع أمريكا اللاتينية، فبدأت الإدارة محاولة للحد من العنف المرتبط بالمخدرات في أمريكا الوسطى. وقد ساعدت الحكومة الكولومبية في محادثات السلام المستمرة منذ فترة طويلة مع مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية، التي تجري في هافانا.
على الرغم من أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي قبل الموعد المحدد 23 مارس الذي وضعه كل من الجانبين، قد يكون هناك مصافحة رمزية بينهما بينما أوباما هناك. كما هو الحال مع كوبا، إصلاح قوانين الهجرة، ولو أحبطت، والتقليل من الحرب الفاشلة على المخدرات تلطيف طويلة الأمد المظالم أمريكا اللاتينية.
والخطر، يتمثل في أن خلف أوباما سوف يتخذ مسارًا مختلفًا، والتهديد الواضح يأتي من دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الذي يتصدر المتنافسين على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري، الذين يمثل اقتراحه تشييد جدار على طول الحدود، ومطالبته بأن تدفع المكسيك ثمنه، إهانة لأحد أهم شركاء أمريكا التجاريين والسياسيين، كما أن عداء الملياردير للمهاجرين أثر على المنافسين الجمهوريين الآخرين بتشديد سياساتهم المتعنتة بالفعل إزاء الهجرة. والديمقراطيون أقل كراهية للأجانب من ترامب، ولكن تغريهم نزعته الحمائية.
دبلوماسية أوباما تترك الاختيار للرئيس المقبل: إما يدير ظهره لأمريكا اللاتينية، ويزيد استياءها وإخفاقها، أو يساعدها على أن تصبح ساحة أمريكا الأمامية، ومنطقة للديمقراطيات المزدهرة على نحو متزايد تربطها علاقات اقتصادية وسياسية. وزيارة إلى هافانا هي خطوة مرحب بها في هذا الطريق.
aXA6IDMuMTQ0LjQwLjIzOSA=
جزيرة ام اند امز