أنامل ناعمة في مسرح الجريمة.. أول طبيبة شرعية بالأردن

إسراء طوالبة أول أردنية تعمل في مجال الطب الشرعي، تحكي لـ"العين" عن سر اختيارها لهذا الطريق ويوميات مشاعرها بين الجثث في مسرح الجريمة.
"رأيت وجوها بريئة تم الاعتداء عليها جنسيًّا وقتلت بلا ذنب، أطفال بعمر الزهور، تم تعذيبهم بأبشع الطرق، في كل يوم عندما اتذكر الحالات التي قمت بتشريحها، أتأكد أنني قمت باختيار التخصص الصحيح، الذي يعبر عن شخصيتي وشغفي بتحقيق العدالة ورفع الظلم، فالتقرير الذي اكتبه قد يغير مسار القضية تمامًا وينصف الضحية"..
بهذه الكلمات عبرت الدكتورة إسراء الطوالبة، مسؤولة الطب الشرعي في إدارة حماية الأسرة التابعة لوزارة الصحة الأردنية، والتي تعد أول طبيبة شرعية في الأردن.
ترى الطوالبة، البالغة من العمر 43 عامًا، أن الإنسان يستمر في البحث عن نفسه لوقت طويل، وقد يجدها، أو يبقى مستمرًا في البحث حتى تهدأ تلك النفس. وتقول: "بحثت طويلًا عن نفسي وكنت أدرك أن لدي ميول تجاه القانون ومناصرة الضعفاء، وبدأت أتساءل كيف سامزج بين تخصصي كطبيبة، ورغباتي وميولي، وفي عام 2003 لم أجد إلا باب الطب الشرعي لتحقيق ما حلمت به، رغم الصعوبات التي واجهتها من قبل وزارة الصحة والقائمين بها، وأيضًا الزملاء، فوجود امرأة في هذا التخصص يعد أمرًا غير معتاد بالنسبة للجميع".
يتضمن عمل الطبيب الشرعي الكشف وتشريح الحالات، التي تم الاعتداء عليها، سواء بالاعتداء الجنسي أو الإيذاء الواقع على الأطفال وغيرها من الحالات المعقدة، التي تتطلب من الطبيب أن يبين عن طريق التقرير الذي يعده، هل يعد الشخص ظالمًا أم مظلومًا بالفعل. وتتابع: "أحيانًا يتم الاتصال بي في منتصف الليل لأذهب إلى مسرح الجريمة، وأجمع الأدلة وكل ما يهمني من تفاصيل، عملي صعب، خاصة أنني أم لثلاثة أطفال، ولا يوجد غيري في الأردن حاليًا، وبالتالي يكون الضغط الذي يقع على عاتقي كبيرًا، خاصة أن بعض الحالات ترفض أن يكشف عليها طبيب شرعي، وترغب بطبيبة، بالرغم من وجود 42 طبيبًا شرعيًّا في الأردن، علمًا بأن عملي لا يقتصر على العاصمة عمان، بل أذهب كثيرًا إلى المحافظات".
ثورة وغضب
وعند سؤالها عن مشاعرها في لحظات التشريح تروي: "في بعض الحالات، خاصة الأطفال اشعر بثورة داخلي، ومشاعر غضب، وحوارات لا تنتهي، فما ذنب الضحية أن تخضع لهذا الاعتداء والتعذيب، وفي كل يوم أرى صور الضحايا وأتذكر قصة كل منهم على حدة، فالوجوه تروي حكايات الظلم التي وقعت، تلك المشاعر تدفعني لازداد يومًا بعد يوم قوة وإصرارًا على استكمال السير في الطريق الذي اختره وأريده".
تضيف: "يسألونني دومًا هل أستطيع النوم في الليل بعمق دون أن تطاردني الوجوه التي أقابلها يوميًا من ضحايا قتل واعتداء، لكنني في الحقيقة أنام بعمق لأنني راضية تمامًا عن الجهد الذي أبذله، وأعتقد أن الإنسان الذي تطارده الوجوه هو إنسان قد ظلم ولهؤلاء حقوق عنده".
تدربت الطوالبة في وزارة الصحة الأردنية لمدة 4 سنوات على أعمال الطب الشرعي بجميع فروعه، لتصبح أيضًا ملمة بالقانون وأنواعه، وطبيعة العقوبات، وتذهب دومًا للمحاكم حتى تقدم شهادتها من خلال التقرير الذي تعده، وإذا شعرت أن هناك إنسان قد ظلمته في تقييمها، تخبره بأن يقدم شكوى حتى يعاد التقييم من جديد، بحسب قولها.
توتر يومي
المرأة حين تشعر أن المحيطين بها لا يرغبون بوجودها في أي قطاع عمل، تحاول أن تعمل بكثافة، وتثبت لهم أنها قادرة أن تثبت نفسها وأن تتطور، وتقول: "أعمل بشراسة، لأنني أحب عملي، وتطورت بفضل الله عز وجل، وأخذت دورات مكثفة في أمريكا عن علم التشريح فيما يخص حالات العنف، واخضع لتدريبات عديدة، وفي ذات الوقت وصلت لمرحلة أكون بها مدربة للمحققين والضباط في الدول الأخرى، ففي عام 2015 دربت محققين وقانونين من وزارة الداخلية الكردستانية".
وتبين إسراء طوالبة أننا نعيش في منطقة حامية الوطيس، حيث تزداد الجرائم، بسبب الحروب وقضايا اللجوء والاقتصاد المتردي، وعوامل عديدة تساهم في خلق فجوة في الأخلاق والواقع. وتقول: "أواجه توترًا يوميًا ما بين الحالات التي أراها وأعمل على تقييمها، وما بين المشاكل الطبيعية الأسرية التي تواجه أي أم، أطفالي وعائلتي يقدمون لي الدعم النفسي دومًا ويفتخرون بي، وهذا ما يجعلني أتقدم وألا أشعر بالإحباط، وأحاول أن أفرغ الطاقات السلبية من خلال زيادة إيماني بالله عز وجل، والسفر والرياضة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI2IA== جزيرة ام اند امز