تجنيد الموساد الإسرائيلي لسمير الإسكندراني.. القصة كاملة
الفنان المصري سمير الإسكندراني، درس في كلية الفنون الجميلة وبدأ تعلم اللغة الإيطالية فيها، وذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958.
توفي الفنان المصري سمير الإسكندراني، الخميس، عن عمر ناهز 82 عاماً، بعد صراع مع المرض.
ولد الإسكندراني في 8 فبراير/شباط 1938، بحي الغورية وسط العاصمة المصرية القاهرة، وعاش طفولة هادئة بفضل والده تاجر الأثاث الذى وفر له كل شيء، وجعله يحب الغناء بسبب علاقته القوية بعدد كبير من الشعراء الكبار في ذلك الوقت، مثل زكريا أحمد وبيرم التونسي وأحمد رامي.
درس في كلية الفنون الجميلة وبدأ تعلم اللغة الإيطالية فيها، وذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958 وعمره 20 عاما، حيث درس وعمل بالرسم والموسيقى.
وقدم الفنان الراحل عشرات الأغاني المميزة طوال مشواره الفني، من بينها "مين اللي قال" و"طالعة من بيت أبوها" و"ابن مصر"، و"في حب مصر".
محاولة تجنيد الموساد لسمير الإسكندراني
وكانت حياته حافلة بالمواقف والمفارقات، لعل أبرزها محاولة إسرائيل تجنيده في إيطاليا أواخر الخمسينيات، لكنه أبلغ المخابرات العامة المصرية ولعب دورا مهما في خداع موساد الإسرائيلي.
وبدأت القصة عندما سافر الإسكندراني إلى إيطاليا في منحة دراسية، وضعته الأقدار في اختبار صعب عندما تعرف عليه شاب مصري من أصول يهودية، وعرض عليه التجسس على وطنه مقابل مبالغ مالية كبيرة، ولم يرفض الإسكندراني هذا العرض المغري، وتدرب على التجسس والمراسلة بالحبر السري.
ووفقا لما قاله المطرب الراحل في برنامج "المواجهة" على قناة "إكسترا نيوز" المصرية إنه فوجئ بشخص يأتي إليه وهو في إيطاليا، حيث كان يدرس الأدب الإيطالي ويقدم أغاني في احتفالات الجاليات المختلفة، ووقتها كان هذا الشخص يكبره بأكثر من 10 أعوام.
وأضاف أن هذا الشخص كان يتحدث بطريقة مصرية خالصة، ليرتبط معه بعلاقة صداقة، ويخرجان معا في فترات الليل، وفي إحدى السهرات بعد أن انتهيا وجد الإسكندراني أن التكاليف بلغت ما يوازي 300 جنيه، فدفعها ذلك الشخص، وهو ما أثار دهشة الإسكندراني، خاصة أنه من المفترض أنه حضر إلى إيطاليا للدراسة، فكيف له أن يحصل على هذه المبالغ.
وعندما توجه إليه بالسؤال، أخبره أنه لا يدرس ولكنه يتاجر في الأسلحة، ثم اختفى بعدها هذا الشخص لفترات، لتخبره صديقته أن هذا الشخص الذي يدعى "سليم" يحمل جواز سفر أمريكيا.
ولفت الإسكندراني أن حمل الشخص لجواز سفر أمريكي في نهاية الخمسينيات كان أمرا يدعو للشك، وتأكدت ظنونه حينما جاء إليه سليم ليسأله عما إذا كان لديه الرغبة في الاستقرار بإيطاليا، وهو أمر أجاب عليه الإسكندراني بالإيجاب، فدعاه صديقه إلى رؤية رجل أعمال مهم في إيطاليا من أجل مساعدته على توفيق أوضاعه، وبعد شهر بالفعل التقى الإسكندراني بشخص يدعى "جوناثان شميت".
وعندما التقاه سأله الإسكندراني عما إذا كان ألمانيا فأجابه بالإيجاب، وبعدها سأله جوناثان عن رأيه في حكومة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فوصفها الإسكندراني بأنها "ديكتاتورية".
وأكد الإسكندراني أنه أخبره بذلك لأنه شعر أن الرجل يريد أن يستمع إلى هذه الإجابة، وهو كان يرغب في معرفة ما الذي يريده، ليخبره الرجل أن ميوله جيدة وأنهم يرغبون في الحصول على أموال الأشخاص الذين قامت مصر بتأميم أموالهم، ولكنه رأى أن سن الإسكندراني ما زال صغيراً.
فرد عليه بأن موتسارت قاد فرقة موسيقية وهو في السابعة من عمره، والأمر لا يتعلق بالعمر.
ثم التقيا بعدها أكثر من مرة، ومنحوه المال من أجل الحصول على ملابس تليق به، ثم طالب بالحصول على جواز سفره، ليخبره بعدها برغبته في الحصول على معلومات عن مصر، وأرادوا منه التطوع في الجيش المصري.
وتظاهر الإسكندراني بالموافقة على الأمر، وبعدها بدأوا في تدريبه وتعليمه على وسائل التخابر والحبر السري والشفرات، ليجد نفسه مستمتعاً بالإثارة في الأمر.
وطلبوا منه العودة إلى مصر، وحينما عاد حاول الإسكندراني مقابلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلا أن المسؤولين تعاملوا معه باعتباره شاباً صغيراً ولم يقتنعوا بما يقوله.
إلا أن أحد الأشخاص الذين تعاملوا مع والده تاجر الأثاث، كان يعمل في المخابرات العامة، التقى به الإسكندراني وقص عليه الأمر، فطلب منه ألا يخبر أحداً نهائياً بالأمر.
وبعد شهر اصطحبوه لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بعد أن تأكدوا من كافة التفاصيل التي رواها.
وحينما رأى الإسكندراني عبدالناصر حاول تقبيل يده لكن الرئيس رفض، وطلب منه التعامل مع السيد صلاح نصر، ليبدأ الجهاز المصري في تعليمه، ليساهم الإسكندراني بعدها في تفكيك شبكات تجسس وإقالة رئيس المخابرات الإسرائيلي.
وأضاف: "أطلعت الرئيس على كل ما لدي وعلى تخطيطهم المتمثل في اغتيال المشير عبدالحكيم عامر بعد أن فشلت محاولاتهم لنسف طائرة اليوشن 14 عام 1956 في الجو، التي كانوا معتقدين أنه داخلها وكانوا يجندون لتلك العملية جاسوسا مصريا اسمه إبراهيم رشيد".
أما الأخطر فهو اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عن طريق وضع سم طويل المدى في طعامه.
واستطرد: "أخبرني الرئيس بأن دوري لم ينته"، فأجبته: "أنا رهن إشارتك يا سيادة الرئيس، ودمي فداء لمصر".
التعاون مع المخابرات المصرية
كان سمير يشكو طوال الوقت في خطاباته إلى جوناثان من احتياجه الشديد للمال، ويهدد بالتوقف عن العمل، وفي الوقت نفسه كان يرسل لهم عشرات المعلومات والصور.
فطلبوا منه استئجار صندوق بريد، ووصل إليه 3 الآف دولار داخل عدة مظاريف وصلت كلها من داخل مصر، لتعلن عن وجود شبكة ضخمة من عملاء إسرائيل، تتحرك في حرية داخل البلاد وتستنفذ أسرارها فبدأت خطة منظمة للإيقاع بالشبكة كلها.
فاستكمل سمير الخطة عندما طلب منه إرسال أفلام مصورة، أعلن خوفه خشية أن تقع في أيدي الجمارك ورجال الرقابة فأرسل إليه جوناثان رقم بريد في الإسكندرية، وطلب منه إرسال طرود الأفلام إليه.
وبدأت خيوط الشبكة تتكشف شيئاً فشيئاً، لقد كانت أضخم شبكة تجسس عرفها التاريخ، ومعظمها من الأجانب المقيمين في مصر الذين يعملون بمختلف المهن، وفقا لـ"المجموعة 73 مؤرخين".
وراح عملاء الشبكة يتساقطون واحدا بعد الآخر، ليسهم الإسكندراني بعدها في تفكيك شبكات تجسس إسرائيلية داخل مصر.