نساء الصعيد يكشفن المستور في كتاب باحثة مصرية
يعالج الكتاب موضوعا شديد الجرأة.. يقتحم دهاليز وخبايا الصعيد المصري من أكثر أركانه كتمانا لخوالج النفس: النساء
غلاف أسود ووجه امرأة متشحة بالسواد أيضًا، وقد عقصت غطاء رأس أبيض تاركة جديلتها الطويلة تتدلى من أسفله على جانب الرقبة وقد ارتسمت على وجهها نظرة تأمل تعكس الكثير والكثير مما يجول في النفس.
من الوهلة الأولى يجذب كتاب "الصعيد في بوح نسائه" (236 صفحة من القطع المتوسط) للكاتبة المصرية سلمى أنور الاهتمام. ويطرح موضوعا شديد الجرأة قلما يتطرق إلى الزاوية التي تناولتها الكاتبة. يقتحم الكتاب الصعيد المصري من أكثر أركانه كتمانا لخوالج النفس: النساء. واعتمدت فكرته على سلسلة مقالات نشرتها سلمى أنور عن الجنوب المصري في عيون المرأة الصعيدية على موقع (مصريات) ثم جمعتها في كتاب أضافت إليه المزيد من الحكايات.
في الإهداء توجه الكاتبة كلامها لصعيدية تدعى "نفيسة" ليتحول الإهداء إلى "النفيسات" الأخريات في أرجاء الصعيد في دلالة مزدوجة للمرأة الصعيدية بوجه عام أيا كان اسمها ولما تكنه من هموم مكتومة تجعلها "نفيسة الجوهر".
تتحدث سلمى أنور في المقدمة عن مجتمع الجنوب وكيف أن التلفزيون "قاهري الهوى" لم يفلح في نقل صورة واقعية عن الصعيد وأن الأعمال الدرامية التي نجحت في نقل واقعه بما يرقى إلى الدقة قليلة جدا. كما تتحدث عن المجتمع الصعيدي شديد التحفظ المدافع بشراسة عن تقاليده وسماته حتى أن هناك تشابها كبيرا بين مجتمع الصعيد في مطلع القرن العشرين ومجتمع الصعيد المعاصر.
في المقدمة تروي الكاتبة كيف أنها واجهت ممانعة كبيرة لدى نساء الصعيد في البوح بمكنون صدورهن "للغريبة البحراوية" كما وصفنها. لكنها تمكنت من دخول أعماقهن واقتناص بوحهن، وحرصت على حجب أسمائهن واستخدام أسماء مستعارة.
ولا يغفل الكتاب الإشارة لمكانة المرأة الصعيدية، وكيف أنها في كثير من الأحيان تلعب دور نازع الفتيل بحكمتها وحسن تصرفها وهو ما منع أزمات عضالا مثلما فعلت "مزيونة" التي صارت حكايتها تروى على مر الأجيال.
ينقسم الكتاب إلى جزأين يحمل الأول عنوان "حكايات النساء في مجالس النساء" وفيه تقص الكاتبة روايات الصعيديات بأسلوب سهل سلس مستخدمة لغة فصحى سليمة حينا والاقتباس المباشر بالعامية المحلية حينا. وبين حكاية "ورد" ذات السبعة عشر عاما التي تحلم باستكمال دراستها وتطمح لحياة مختلفة عن قريناتها و"نهر" التي تحكي عن جدتها "حميدة" المتعطرة دائما و"عزيزة" التي لم تجرؤ على لقاء الكاتبة بنفسها بسبب القيود التي تفرضها أسرتها فتحدثها خلسة ليلا عبر هاتف تخفيه.. يزخر الجزء الأول ببوح نساء وفتيات من أعمار مختلفة وخلفيات متباينة.
ويحمل البوح وجعا نسائيا خالصا في مجتمع محافظ تكبل قيوده المرأة التي تتكيف بصلابتها وحسن تدبيرها. وبأسلوب يمس وجدان القارئ ويقرب إليه الصورة كثيرا حتى تبدو وكأنها واقعا مرئيا وملموسا تلجأ سلمى أنور للاقتباس المباشر من النساء بلهجتهن الصعيدية المميزة.
تروي "نواعم" كيف علمت أن زوجها وأبا أبنائها الأربعة يهاتف صديقة عمرها فيهامسها ويدللها بما لم تعهده منه هي نفسها من عبارات الغزل والهوى. وحين واجهته لم ينكر "بل زاد في إحراق قلبها بأن أكد أنه سيتزوج عشيقته، ونكاية فيها سيتزوجها على "خشب أوضة نومها"، ثم بدأ أمام عينيها الباكيتين في فك دولاب غرفة نومهما ليهديه لعشيقته وعروسه المقبلة!".
وإلى جانب حكايات خيانات الزوج تتنوع الهموم ما بين عنوسة وزواج تعس هربا من مجتمع لا يعتبر المرأة كاملة إلا بزواجها وإنجابها الذكور وفتيات يحملن في قلوبهن الغضة أحلاما ربما تبدو مستحيلة في عالمهن المغلق شديد الصرامة.
ويرصد الجزء الثاني الذي يحمل عنوان "حكايات الصعيد التي لا يملكها أحد" سمات مميزة للغاية لا توجد خارج مجتمع الصعيد.
وعلى لسان النساء أيضا يورد هذا الجزء قصصا عن عالم السحر والأعمال السفلية ونظرة المجتمع للمصابين باضطرابات عقلية وتعامله مع الحسد والأشباح وحتى "الغولة". كما يتطرق إلى طقوس الصعيد في مناسبات مثل الزواج والوفاة والولادة والختان ولا يخلو من بعض الأغاني الصعيدية المميزة التي تنطلق في هذه المناسبات.
يوثق "الصعيد في بوح نسائه" تراثا يتواتر شفهيا في المعتاد ومن ثم يكون عرضة للضياع بمرور الزمن. واستغرق جمع حكاياته عاما كاملا.
وصدر لسلمى أنور من قبل رواية "نابروجادا" وكتاب "الله.. الوطن.. أما نشوف" وديوان "سأعيد طروادة إلى أهلها ثم أحبك".
aXA6IDMuMTQ3LjczLjM1IA== جزيرة ام اند امز