التحول الأخضر.. الشراكات الاستراتيجية نموذجاً

قد تؤدي المنافسة المتزايدة على أساس المناخ والبيئة إلى تفضيل الشراكات الاستراتيجية، ما يمثل تحولاً في الاستعانة بمصادر خارجية.

أدى السعي إلى خفض التكاليف إلى سلاسل التوريد اللامركزية التي مكّنتها العولمة، ويعني هذا النظام الحالي زيادة الإنتاجية، ومنتجات أرخص، والمزيد من الخيارات التجارية. وقد نجحت تلك السلاسل في انتشال العديد من الدول والسكان من الفقر إلى الطبقة المتوسطة العالمية.

وفي الوقت نفسه، فإن الأضرار المرتبطة بانبعاثات الغازات الدفيئة والمعايير الاجتماعية على طول سلسلة القيمة تعني أن سلاسل التوريد ربما أصبحت متناثرة وضعيفة بشكل مفرط. على سبيل المثال تحتوي السيارة النموذجية على ما يقرب من 30000 قطعة غيار يتم الحصول عليها من موردين متعددين حول العالم.

• ممارسات التكيف المحلية مع المناخ.. الطريق لمستقبل خالٍ من الكربون
• إنجازات COP28.. إعلان الاندماج النووي يغير قواعد اللعبة في أزمة المناخ
  

وقد كشفت جائحة الفيروس التاجي عن سلسلة التوريد غير المستقرة، حيث أدت عمليات الإغلاق إلى تراكم الأعمال تليها الازدحام في الموانئ عندما سارع الجميع للحاق بالركب، وكان انعدام الأمن في سلسلة التوريد أكثر وضوحاً بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي أدى إلى إغلاق الموانئ وأدى إلى نقص المنتجات. كما أن الحروب التجارية المتصاعدة مدمرة.

كذلك تظهر المنازل كوسيلة لعكس عقود من الاستعانة بمصادر خارجية، بهدف بناء سلاسل قيمة كاملة "في الداخل"، والتي غالباً ما تكون مدعومة بشكل كبير. ولكن يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى تتمثل في إعادة التفكير في نماذج الأعمال حيث لا تكون المنافسة في التكلفة هي النقطة المحورية فحسب، بل يجب أيضا إعطاء الأولوية للسباق لتحقيق مستوى جديد من معايير الاستدامة، بما في ذلك الانبعاثات المناخية الصفرية، والتأثير الإيجابي على الطبيعة، والمزيد من الأهداف الاجتماعية.

شراكات استراتيجية لسلاسل القيمة المستدامة

ويؤدي التحول الأخضر إلى إحداث تغييرات جوهرية، بدءا من البناء السريع لتوليد الطاقة المتجددة إلى التحول من محركات الاحتراق إلى السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات. وبالتالي سيحتاج العالم إلى قدر أكبر بكثير من المواد الخام ومواد مختلفة وأخف وزنا، مثل الألمنيوم، لبناء بنية تحتية أكثر مراعاة للبيئة في المستقبل.

لكي تتمكن التكنولوجيات الجديدة من حل أزمة المناخ، يجب التفكير في كيفية إنتاج عوامل التمكين هذه التي تعتمد على المواد الخام بكثافة. ويتزايد الطلب على مواد مثل الألمنيوم والصلب والأسمنت لبناء البنية التحتية اللازمة للتحول الأخضر، ولكن من المهم أين وكيف يتم إنتاج المواد.

واليوم، تمثل هذه المواد ما يقرب من ربع البصمة الكربونية في العالم، والتي لا تزال تنتج باستخدام الوقود الأحفوري. فالسيارات الكهربائية والمباني الحديثة الموفرة للطاقة والبنية التحتية للطاقة المتجددة لا تؤدي إلا نصف المهمة ما لم تكن المواد التي تصنع منها خالية من الكربون، وفي حين ركز العقد الماضي في المقام الأول على انبعاثات الكربون، فإن العقد المقبل سيشهد تركيزاً متزايداً على تأثيرنا على الطبيعة والمجتمعات من حولنا، مما يضمن انتقالاً عادلاً للجميع.

ويتطلب التحول الأخضر أن نعيد التفكير في نماذج الأعمال من خلال استبدال العلاقة التقليدية بين البائع والمشتري بشراكات استراتيجية للوصول إلى الصفر، ويجب إنتاج المعادن المهمة وغيرها من المواد الخام اللازمة للتحول الأخضر بشكل مستدام ومسؤول.

ومن شأن هذا التحول أن يسمح بتحول نموذجي في نماذج الأعمال من خلال الشراكات مع مقدمي المواد الخام الذين قد يكون لديهم قدر كبير من سلسلة القيمة داخل الشركة، وبالتالي تأمين السيطرة الكاملة وتمكين الشفافية في كل خطوة من سلسلة القيمة. ومن خلال تجاوز العديد من طبقات الموردين الفرعيين والذهاب مباشرة إلى المنتجين في المراحل الأولية، يمكن للمصنعين أن يكتسبوا الراحة في مصدر واستدامة المواد التي يشترونها.

أكثر خضرة كمسار للربحية على المدى الطويل

تساعد الشراكات بين رواد الصناعة في وضع خرائط طريق مشتركة ودفع حدود ما هو ممكن وبأسعار معقولة. أحد الأمثلة على ذلك هو مشروع بولستار، الذي يهدف إلى القضاء على جميع الانبعاثات الناتجة عن الإنتاج من خلال الشراكة مع موردي المواد الخام لإنتاج أول سيارة محايدة للمناخ بحلول عام 2030.

كما اتخذت صناعة الألمنيوم الخطوات الأولى في هذه الرحلة، حيث يتطلع المتسابقون الأوائل إلى ما هو أبعد من سلسلة التوريد الخاصة بهم للوصول إلى أهداف الاستدامة الخاصة بهم. واختارت شركات صناعة السيارات الرائدة مثل مجموعة فولفو، وبورشه، وبولستار الدخول في شراكة مع منتجي الألمنيوم المتكاملين تماما مثل هيدرو لريادة هذا التحول.

ستكون الشراكات الاستراتيجية عامل تمكين حاسما لزيادة الطلب على المعادن منخفضة الكربون من أجل التحول الأخضر، إلى جانب الوعي الذي طال انتظاره بالآثار الأوسع لأنشطة المعادن والتعدين على الطبيعة والمجتمعات، باعتبارها سلسلة قيمة موحدة ومعتمدة على بعضها بعضا.