مع مطلع عام 2022.. من الطبيعي أن يتطلع الناس إلى أن يكون هذا العام أفضل مما سبق.
وأن يعيشوا حياة يسودها السلم والطمأنينة، فتتحسن معيشتهم ويتعافى اقتصاد بلادهم وتزداد حمايتهم من المتحورات الجديدة لفيروس "كوفيد-19".
ولكن بعيداً عما يتمناه الإنسان، فللأسف إن غالبية المؤشرات التي تبدو في الأفق تشير إلى أن السياسة الدولية في العام الجديد لن تشهد اختلافات نوعية عن العام الذي انصرم.
فالسمة الرئيسية للعلاقات بين الدول الكبرى في عام 2021 والأعوام القليلة التي سبقته، هي عودة التنافسات الاستراتيجية الكبرى، وتبايُن الرؤى حول شكل النظام الدولي والقواعد التي تحكمه.
أسهم في ذلك سياسة إدارة الرئيس ترامب خلال سنوات 2017-2020، وانسحاب أمريكا من عدد من الاتفاقيات المبرمة مع روسيا في هذا الشأن، ما أدى إلى ظهور بوادر مقلقة لعدم الاستقرار الاستراتيجي والأمن السيبراني.
شهدت هذه الفترة أيضاً، انتقادات متزايدة للعولمة على يد تيارات اليمين الشعبوي في أوروبا وأمريكا، وتأكيدها أفكار "الوطنية الاقتصادية"، واتباع إجراءات حمائية من شأنها تقييد حرية التجارة.
وجاء مُناخ الهلع الذي أصاب العالم مع انتشار وباء كوفيد-19، وما رافقه من إغلاق للحدود، وتوقف سلاسل الإمداد العالمية، وتسابُق الدول المتقدمة للحصول على أكبر كمية من اللقاحات، الأمر الذي سُمي بـ"قومية اللقاحات"، ليُدعِّم الاتجاه نحو الوطنية الاقتصادية والانكفاء على الداخل.
في هذا السياق، تراجعت الثقة المتبادَلة بين قادة أمريكا والصين وروسيا، فتوتَّرت العلاقة بين موسكو وواشنطن بشأن أوكرانيا، وتوالت تحذيرات الدول الغربية لروسيا من عواقب غزوها.
وفي المُقابل، تنفي روسيا تلك الادعاءات جملة وتفصيلاً، وتتهم أمريكا وحلف الأطلسي بأن تحركاتهم العسكرية في جوارها الجغرافي تُمثِّل تهديداً مباشراً للأمن القومي لها، مما لا يُمكنها تحمُّله، مطالبة بضمانات أمنية قانونية لمنع توسُّع الحلف شرقاً.
كما توترت العلاقات بين أمريكا والصين، وانتقلت من التنافس الاقتصادي والتجاري إلى استخدام استراتيجية الردع المتكامل.
فأقامت أمريكا تحالفات جديدة في منطقة الإندوباسيفيك ونشَّطت علاقات قديمة، وازدادت تحركات أسطولها العسكري البحري في مياه المحيطين الهادي والهندي، وذلك بهدف "احتواء" الصين.
وظهر هذا التوتر أيضاً في ديسمبر 2021 عندما قررت واشنطن عدم إرسال أي مبعوث حكومي لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها بكين، وفي قرار الرئيس "بايدن" بمنع استيراد أي منتجات صينية من إقليم شينجيانغ.
وفي المقابل، قامت الصين بتعميق تعاونها الاقتصادي مع دول آسيا والخليج العربي في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وأبرمت في مارس 2021 اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المتكاملة مع إيران.. وفي نوفمبر، ترددت أنباء بشأن سعيها لإقامة قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية لتصبح أول موطئ قدم لها على المحيط الأطلنطي.
وكانت للتنافسات الاستراتيجية بين الدول الكبرى تأثيراتها الإقليمية في شكل الحروب بالوكالة، ودعم أطراف بعينها في الصراعات الإقليمية، والتي ترتب عليها استمرار الأوضاع في محافظة إدلب السورية دون حل، وعدم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، والتي كان مقررا عقدها 24 ديسمبر الماضي، واستمرار الأزمة السياسية في ميانمار، والأزمة السياسية والمجتمعية في لبنان.
وأسهمت هذه التنافسات أيضاً في استمرار حالة عدم الاستقرار في كثير من دول أفريقيا، والتي ظهرت في محاولات الانقلاب العسكري التي شهدتها النيجر وغينيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ومالي.
إن هذه المظاهر للاضطراب وعدم الاستقرار في العالم تُعيد إلى الأذهان أجواء "الحرب الباردة" بأشكالٍ جديدة، ولكن من الأرجح ألا تنشب حرب بين الدول الكبرى، لأن كلا منها يدرك حجم الكارثة، التي يُمكن أن تحدث من جراء ذلك. وأنه مع وجود الاختلافات بينها، يجمعها أيضاً مصالح مشتركة، مما يضع سقفاً لاختلافاتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة