فجأة اختلفت أوضاع مواد الطاقة في العالم كله، فبعد أن سادت توقعات بانخفاض الطلب، لا سيما على الفحم بسبب آثاره على المناخ، وكذا الطلب على النفط بتأثير المتحور دلتا، ارتفع الطلب على مواد الطاقة كافة وانتعشت الأسعار.
فقد أدت أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا قبيل فصل الشتاء إلى آثار مضاعفة في أسواق الطاقة العالمية، وما بدأ على أنه مستوى منخفض جدا من المخزون من الغاز الطبيعي في أوروبا خلال فصل الصيف يمتد الآن إلى أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم في مختلف أرجاء العالم، مع غياب أي إشارات في الأفق على إمكانية توفر إصلاح سريع في المدى القصير.
ارتفع سعر برميل نفط برنت الخام إلى ما يزيد على 80 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى في ثلاث سنوات مضت، وهو مستوى السعر، الذي سبق وتوقعت بعض الجهات مثل "جولدمان ساكس" تحققه في فصل الصيف، ولكن كان كثير من المحللين لا يعتقدون في إمكانية تحقق مثل هذا المستوى السعري بسبب تأثير المتحور دلتا من كورونا سلبا على كل من مستوى الطلب والأسعار في بعض من أجزاء العالم خلال شهري يوليو وأغسطس الماضيين.
ومع اقتراب فصل الشتاء في الغرب ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا، وأدى إلى زيادة الطلب على الفحم وأسعاره في أوروبا والعالم، حيث يتم استخدام المزيد من الفحم في قطاع توليد الكهرباء.
وفي الوقت ذاته، تتعافى الاقتصادات من آثار الكساد الذي لحق بها منذ العام الماضي بسبب كورونا، كما تنمو الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ولكن مع ارتفاع الطلب، ظل العرض منخفضا نسبيا نتيجة نقص الاستثمار في العرض الجديد من الطاقة خلال الثمانية عشر شهرا الماضية، ونتيجة تخفيضات الإنتاج، التي أقرتها أوبك+، ونتيجة الانقطاعات، التي حدثت في الإنتاج والمرتبطة بالمناخ مثل إعصار "إيدا" في نهاية شهر أغسطس، والذي حجّم مستوى العرض المتاح من النفط الخام والغاز الطبيعي خلال سبتمبر الماضي.
وبسبب مشكلات العرض في النفط والغاز والفحم، التي تصارع من أجل اللحاق بتعافي الطلب، ارتفعت أسعار مواد الطاقة في أرجاء العالم كافة.
وبدأ المستهلكون والصناعات في أوروبا بالشعور بأثر هذا الوضع مع الارتفاع القياسي في أسعار الغاز والكهرباء.
وقامت الصناعات في أرجاء أوروبا بتقليص عملياتها نتيجة هذا الارتفاع القياسي في أسعار الغاز والكهرباء، وهو ما يهدد بتوجيه ضربة إلى تعافي ما بعد كوفيد-19.
وتم استخدام المزيد من الفحم لتوليد الكهرباء، وهو ما دفع الطلب على الفحم إلى مستوى أعلى، على الرغم من أسعار الكربون المرتفعة في أوروبا، ورغم تعهد الاتحاد الأوروبي بالوصول إلى صفر انبعاثات كربونية في الاتحاد بحلول عام 2050.
وارتفعت أسعار الفحم في أوروبا إلى أعلى مستوى لها في 13 عاما، مع وجود محدودية في عرض الفحم لأوروبا والاتجاه إلى استخدام مزيد من الفحم مع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي.
وحثت الزيادة في أسعار الغاز الطبعي على زيادة في الطلب على الفحم، ليس فقط أوروبيا وإنما عالميا، حيث قامت كل من الصين والهند بتعويض المستوى المنخفض من مخزونات الفحم لديهما، وهو ما رفع أسعار الفحم في آسيا إلى مستويات قياسية.
وقام مصرف "جولدمان ساكس" مؤخرا برفع توقعاته لأسعار الفحم في آسيا إلى الضعف تقريبا، متوقعا أن يبلغ سعر الطن في المتوسط نحو 190 دولارا خلال الربع الرابع من العام الجاري، وذلك مقابل توقعه السابق بأن يبلغ سعر الطن 100 دولار فقط، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار الغاز إلى مستويات بالغة قبل بدء زيادة الطلب عليه لأغراض التدفئة في فصل الشتاء.
ويبدو أن هناك أزمة عرض وشيكة في الكهرباء بالصين، وسط تصاعد أسعار الفحم والغاز الطبيعي والطلب على الكهرباء.
وقد طلبت السلطات الصينية من بعض المصانع في قطاع الصناعات الثقيلة، لا سيما الصلب والألومنيوم، الحد من عملياتها أو الإغلاق لتفادي أزمة إمداد بالكهرباء.
وقال عدد من المحللين ومنظمة "أوبك" إن ارتفاع أسعار الغاز والفحم عالميا أدى إلى زيادة الطلب على النفط الخام كبديل خلال فصل الشتاء.
والتحول من الغاز إلى النفط واستمرار التعافي في الطلب العالمي عليه، أدى إلى توقع كثير من المحللين أن تبلغ أسعار النفط 80 دولارا للبرميل، ويتوقع بنك "جولدمان ساكس" أسعارا تبلغ 85 دولارا للبرميل خلال الربع الرابع من العام، بل ويتوقع البعض سعر 90 دولارا للبرميل خلال فصل الشتاء، وربما يرتفع السعر إلى 100 دولار للبرميل مع نهاية عام 2022، حسب بعض الجهات.
والقلق الواسع بشأن الندرة في أسواق الطاقة، خاصة من الغاز الطبيعي، ستمتد إلى أسواق النفط، حيث يتم تداول الغاز الطبيعي المُسال الآن في آسيا بما يعادل 150 دولارا لبرميل النفط، بينما الأسعار الأوروبية ليست بعيدة عن ذلك، حيث يتم تداول الغاز الطبيعي المُسال بسعر يعادل 140 دولارا للبرميل.
وهذه الأسعار الأعلى للغاز سوف تؤدي إلى إحلال النفط ببعض الغاز، وهو ما سوف يكون عاملا مساعدا في زيادة الطلب على النفط.
وحسب تصريح مدير الشركة الوطنية النيجيرية للبترول لـ"بلومبيرج"، فإن الطلب على النفط ربما يزيد بنحو مليون برميل يوميا بسبب أزمة الغاز، ناهيك بالتوقعات السابقة على أزمة الغاز الطبيعي بحدوث زيادة في الطلب على النفط خلال الربع الرابع من العام، إذ كانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت في تقريرها الشهري الصادر في منتصف سبتمبر الماضي أن يتعافى الطلب على النفط بارتفاع يبلغ 1.6 مليون برميل يوميا في أكتوبر ويستمر في الارتفاع حتى نهاية العام، بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من انخفاض الطلب بسبب المتحور دلتا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة