مع تعدد المشكلات والأزمات، التي تواجه العالم، فإن بعضها يتوارى تدريجياً عن الأنظار ويتراجع الاهتمام الدولي والإعلامي به.
ربما يحدث ذلك لطول مدة استمرار الأزمة، وربما لأنها تبدو مستعصية على الحل، وربما لأن الدول صاحبة النفوذ ليس لها مصلحة مُلحَّة في إنهائها.
ومن هذه الأزمات، الوضع في الصومال الذي بدأ في يناير عام 1991 مع سقوط النظام الديكتاتوري للرئيس سياد بري، ودخول البلاد في متاهة من الانقسامات والأزمات والحروب بين العشائر.
الصومال دولة عربية تمتلك أطول ساحل على البحر الأحمر، وتركيبها العشائري والسياسي مُعقَّد ومُركَّب، فهي دولة فيدرالية تتكون من ولايات وأقاليم تتمتع بالحكم الذاتي، والتي شهدت علاقتها مع "سلطة العاصمة" توتُّرات عنيفة حول تقاسم الموارد والنفوذ على مدى ثلاثة عقود.
وانتهي الأمر في عام 2016 بالاتفاق على دستور مؤقت ينظِّم عمل مؤسسات الدولة، ولكن الانقسامات بين القادة والقوى السياسية حالت دون تطبيقه، وأوجدت أزمة حادة في البلاد اليوم بشأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
فقد كان من المفروض أن تُجرَى انتخابات البرلمان في نوفمبر 2020، ولكنها لم تتم بسبب عدم الاتفاق على كيفية تنفيذ قانون الانتخابات الجديد.
أدى ذلك إلى تأجيل انتخابات الرئاسة، وذلك لأن الرئيس يتم اختياره من قبل أعضاء البرلمان.
وبذلك، انتهت ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو في 7 فبراير 2021 دون انتخاب خلف له مع عدم وجود آلية دستورية لاستمراره في الحُكم.
استمر الأمر الواقع، وتم التوافق في 27 مايو على جدول إجراء الانتخابات البرلمانية حتى يتم الخروج من هذه الأزمة السياسية.
ولكن الرئيس اتخذ قراراً مفاجئاً في 16 سبتمبر بتعطيل سلطات محمد حسين روبلي، القائم بأعمال رئيس الوزراء، بشأن تعيين كبار المسؤولين وإقالتهم لحين الانتهاء من الانتخابات، واتهمه باتخاذ إجراءات "غير مدروسة تهدد أمن البلاد واستقرارها".
وكشف هذا القرار عن الخلافات بين الرجلين، خاصة أن "فرماجو" هو أحد المرشحين للرئاسة لدورة ثانية.
ووصف رئيس الوزراء قرار "فرماجو" بأنه "غير دستوري"، حيث لا يحق له إصدار أي قرار تنفيذي بعد انتهاء مُدة ولايته، وأن كل سلطاته انتقلت إلى رئيس الوزراء وفقاً للمادتين 91 و103 من الدستور.
يُشار إلى أن مجموعة الأزمات الدولية الشهيرة بـ ICG، ومقرها بروكسل، كانت قد دعت في 15 سبتمبر الماضي، المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على القادة الصوماليين الذين يعطِّلون الانتخابات.
وانتهزت حركة الشباب الإرهابية، التي ترتبط بتنظيم "القاعدة"، الفرصة لتصعيد عملياتها في شهر سبتمبر الماضي، كان منها الانفجار الذي دمر المباني الجديدة في مطار مدينة بولوبردي، وانفجار لغم في مجموعة جنود بالعاصمة أودى بحياة عدد منهم، وانفجار لغم آخر في مدينة "مركا" قرب العاصمة، وهجوم مُسلحي الحركة على القوات الكينية الموجودة كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في ولاية جوبالاند في الجنوب، وتفجير انتحاري نفسه في منطقة يسكنها كبار ضباط الشرطة، والهجوم على قوات بوروندية تابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي، وانفجار عبوة ناسفة قرب مقر رئاسة الجمهورية.
ويتوقع مراقبون أن هذه العمليات الإرهابية سوف تتزايد في الفترة القادمة بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم استخدام الطائرات المُسيَّرة في الدول التي لا يوجد بها قوات أمريكية دون موافقة "البيت الأبيض"، وذلك بعد أن كان هذا القرار متروكاً في يد القادة العسكريين في عهد سلفه "ترامب".
يزداد الأمر تعقيداً بعد فشل كل الوساطات المحلية والأفريقية لحل الخلاف بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء، وإحجام الولايات المتحدة والدول الكبرى عن التدخل المباشر لحل الأزمة استناداً إلى تجربتها الفاشلة في هذا البلد من قبل.
واكتفى مجلس الأمن في بيانه يوم 19 سبتمبر الماضي بالتعبير عن "قلقه العميق" تجاه ما يحدث في الصومال وتأثيره على إتمام الانتخابات البرلمانية هناك، وحث الفرقاء على حل خلافاتهم من خلال الحوار والعمل من أجل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
وهكذا، فإن الطريق إلى إجراء الانتخابات لا يبدو ممهداً مع أنه الحلقة الأساسية لخروج الصومال من أزمته الطاحنة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة