الاتفاق في هاتين المرحلتين هو كما أكدت الصين ذاتها ربما يكون أصعب كثيرا مما واجهه البلدان في اتفاق المرحلة الأولى
على الرغم من أن الاتفاق المزمع لحل النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين لم تتم صياغته النهائية بعد، وعلى الرغم من أن الاتفاق كما أشرنا في مقالات سابقة لا يخرج عن كونه صفقة أو هدنة بين طرفيه، وليس اتفاقا شاملا كما كان التصور السائد سابقا، إلا أن إعلان أنباء متوالية عن مضي المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين بشكل سلس وأنهما في سبيلهما إلى التوقيع على الاتفاق خلال هذا الشهر أو الشهر المقبل كان لها آثار إيجابية واضحة على مختلف الأسواق العالمية، خاصة في الأمد القصير. وقد عزز في الواقع من الأثر الإيجابي قول وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس يوم الأحد الماضي "إن منح التراخيص للشركات الأمريكية لاستئناف بيع المكونات إلى شركة هواوي تكنولوجيز الصينية سيحدث قريبا جدا، وأضاف أنه لا يوجد سبب يمنع إبرام اتفاق تجارة بين بلاده والصين هذا الشهر.
الاتفاق في هاتين المرحلتين هو كما أكدت الصين ذاتها ربما يكون أصعب كثيرا مما واجهه البلدان في اتفاق المرحلة الأولى. ولذا فالمرجح هو أنه عندما تنحسر موجة التفاؤل التي أثارتها أنباء اتفاق المرحلة الأولى قد نعود لنرى تراجعات في مختلف الأسواق، إلا إذا حدثت تطورات إيجابية فارقة غير منتظرة
وربما كانت من أسرع النتائج التي شهدناها هذا الأسبوع مع تردد أنباء إيجابية بشأن اتفاق التجارة الأمريكي الصيني، هو ما عرفته مؤشرات أسواق المال العالمية من ارتفاع ملموس. ففي بورصة وول ستريت الأمريكية أغلقت المؤشرات الثلاث الرئيسية يوم الاثنين الماضي على ارتفاع لمستويات قياسية مع تواتر الأنباء عن اقتراب الولايات المتحدة والصين من هدنة في الحرب التجارية بينهما، والتفاؤل باستمرار النمو الاقتصادي القوي الذي يقوده استهلاك المواطنين الأمريكيين.
وفي أوروبا وفي يوم الاثنين أيضا دفع التفاؤل بمحادثات التجارة الأسهم الأوروبية إلى الارتفاع إلى أعلى مستوى لها في عامين. وقد تعزز هذا التفاؤل بما أشار إليه البعض من احتمال صدور قرار من إدارة ترامب بإرجاء وضع رسوم جمركية جديدة كان من المفترض فرضها على صناع السيارات في دول الاتحاد الأوروبي، وهو قرار من المنتظر صدوره خلال الأسبوع المقبل.
ثم عادت الأسهم الأوروبية يومي الثلاثاء والأربعاء لتسجل ارتفاعا جديدا ولتصل إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من أربعة أعوام مدفوعة بصعود في شركات الطاقة والسلع الأولية، ومع تعزز الإقبال على المخاطر بفضل التفاؤل بشأن مفاوضات التجارة الأمريكية الصينية.
وفي آسيا قفز المؤشر نيكي القياسي في بورصة طوكيو للأوراق المالية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين إلى أعلى مستوى إغلاق له منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أي أعلى مستوى في نحو 13 شهرا. وذلك مع تلقي معنويات المستثمرين دفعة مع إعلان اقتراب المفاوضات التجارية الأمريكية الصينية من إبرام اتفاق، إلى جانب انعكاس الأداء الجيد الذي شهدته بورصة وول ستريت على البورصة اليابانية. وليس أدل على تأثر البورصة في طوكيو بالمحادثات التجارية من كون الأسهم التي قادت الصعود هي الأسهم التي لها صلة بالصين، وخاصة في قطاع أشباه الموصلات، والأسهم التي لها علاقة بالتصدير مع انخفاض سعر صرف الين مقابل الدولار.
وفي نفس الاتجاه أغلقت معظم البورصات الآسيوية يوم الثلاثاء الماضي عند ذروة لم تبلغها منذ شهر يوليو/تموز، وذلك أيضا كما ذكرت وكالات الأنباء بفعل تنامي التفاؤل إزاء إبرام الولايات المتحدة والصين اتفاقا أوليا لتهدئة حربهما التجارية الممتدة منذ نحو 16 شهرا.
أما في سوق الذهب فقد انخفضت الأسعار يومي الاثنين والثلاثاء، حيث ارتفعت آمال المتعاملين بالتوصل إلى اتفاق تجاري وبالتالي زادت جرأتهم على الاستثمار في الأصول عالية المخاطر وهجروا الذهب الذي يتم اللجوء له كملاذ آمن في أوقات الاضطرابات وعدم اليقين، وفي ظل حالة التشاؤم بشأن المستقبل، لكنه كأصل لا يدر أي عائد ولهذا سرعان ما يتم الابتعاد عنه مع تحسن المعنويات في الأسواق وإقبال المستثمرين على الأصول التي تدر عائدا مرتفعا.
وقد انعكست أخبار اتفاق التجارة في شكل ارتفاع في سعر صرف الدولار ليقترب من أعلى مستوياته خلال أسبوع أمام العملات الأخرى ومدعوما في ذلك من تحسن نسبي في سوق العمل الأمريكي، وأيضا مما ذكره مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" أنه قد يوقف سياسة التيسير النقدي بالاستمرار في خفض أسعار الفائدة حتى يتبين مدى متانة الوضع الاقتصادي.
وقد أدى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى إلى زيادة تكلفة الذهب والسلع الأخرى المقومة بالدولار بالنسبة للمستثمرين أصحاب هذه العملات، مما يقلص نسبيا من الطلب عليها، إلى جانب تشجيعه على صادرات البلدان أصحاب العملات التي انخفضت.
ومع توافر آمال بأن التوصل إلى تهدئة تجارية بين الولايات المتحدة والصين ستنعكس إيجابيا في شكل تزايد احتمالات ارتفاع الطلب على النفط، لذا ارتفعت أسعار النفط يومي الاثنين والثلاثاء، قبل أن تشهد بعض الانخفاض يوم الأربعاء. وقد حدث الانخفاض في ضوء الارتفاع الكبير في المخزون التجاري في الولايات المتحدة في الأسبوع الفائت مقارنة بالتوقعات.
حيث ارتفع هذا المخزون بمقدار 7.9 مليون برميل، بينما كان توقع المحللين ألا يرتفع سوى بنحو 1.5 مليون برميل فقط. وقد ارتفع المخزون ليبلغ 444.8 مليون برميل وهو ما يزيد بنسبة 3% على متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، ورغم انخفاض الأسعار يوم الأربعاء إلا أن سعر البرميل من نوع خام برنت ما يزال قريبا من 62 دولارا، وهو مستوى يزيد بشكل واضح مقارنة بالأسعار التي كانت سائدة قبل إعلان إمكانية التوصل لاتفاق تجاري بين أمريكا والصين.
كل ما سبق يخص في الحقيقة انعكاسات الاتفاق المحتملة في الأمد القصير، وهذا لا ينفي أن أي تطور آخر ستمر به أسواق المال أو العمل أو السلع في أي منطقة سيبقى رهنا بالتطورات سواء إيجابا أم سلبا. ويبقى في النهاية أثر الاتفاق محدودا بحدود ما سيتضمنه من بنود، لكن كانت أنباء إمكانية التوصل لاتفاق تمثل القشة التي تعلق بها الاقتصاد العالمي الغارق حتى أذنيه في أجواء متشائمة منذ فترة طويلة نسبيا، وقد يكون هذا الاقتصاد قد مضى الآن بعيدا في تفاؤله.
إذ ينبغي التذكير بأن ما سيتم التوصل إليه هو ما أطلق عليه "اتفاق المرحلة الأولى" وقد تكون هناك مرحلتان تاليتان حسبما أشار لذلك أحد المسئولين الأمريكيين، والاتفاق في هاتين المرحلتين، هو كما أكدت الصين ذاتها ربما يكون أصعب كثيرا مما واجهه البلدان في اتفاق المرحلة الأولى. ولذا فالمرجح هو أنه عندما تنحسر موجة التفاؤل التي أثارتها أنباء اتفاق المرحلة الأولى قد نعود لنرى تراجعات في مختلف الأسواق، إلا إذا حدثت تطورات إيجابية فارقة غير منتظرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة