الشركات الحكومية وشبه الحكومية عليها مسؤوليات أكبر لأنها معنية بالمشهد الاقتصادي العام، والحفاظ على زخم النمو.
في فترات الهدوء الاقتصادي، هل يعتبر ترشيد الإنفاق هو الحل الأمثل للتغلب على تراجع العائدات، وبالتالي المحافظة على الأرباح أو الحد من نزولها؟
الجواب نعم، وهذا حصل على مدار العقود الماضية عندما تهدأ العجلة في حركة دورانها، في مسعى يهدف إلى إبقائها دائرة لكي لا تتوقف، لأن وقفها سيعني خسارة كبيرة أو شاملة. لكن هذا الترشيد لا يعني قطع كل شريان الإنفاق، فهو إذا حصل يترك المركب وسط بحر هائج، تتلاطمه الأمواج إلى أن ينكسر، ولا يصل إلى شاطئ الأمان معافى.
الفهم الحقيقي التقليدي لترشيد الإنفاق في أسواقنا يعني البنود الثلاثة السابقة وغيرها، وهو ما يؤدي إلى تصغير حجم الشركة، وانكماشها وفقدانها مكانتها بعد عودة الانتعاش، لأن تنافسيتها لن تكون قوية فيما إعادتها إلى سابق عصرها تصبح صعبة.
للأسف، لدينا أول بند على جدول أعمال الشركات عند الترشيد هو التسويق والإعلان، فهذا البند هو الأضعف، اعتقاداً من أصحاب القرار أنه لم يعد مهماً كونه مكلفاً في مقابل النتيجة التي تحصل عليها الشركة أو المؤسسة سواء كانت خاصة أو حكومية، مع العلم أن هذا البند يعتبره قطاع الأعمال في الغرب أهم البنود التي من شأنها أن تزيد المبيعات، خاصة في فترات الركود، وتحافظ في الوقت نفسه على علامة الشركة التي هي أساس انتشارها ونجاحها.
البند الثاني، هو شطب الوظائف، إذ تسارع الشركات لدينا إلى تخفيض أعداد الموظفين، أولاً عند فريق المبيعات، وثانياً، وثالثاً، ورابعاً، عند بقية الأقسام، في الوقت الذي يحتفظ فيه في الأغلب المحاسبون والمدققون والعاملون في "شؤون الموظفين" بأعمالهم لأنهم أساساً أصحاب التوصية بهذه الاستغناءات.
البند الثالث، هو التوقف عن التوسع وافتتاح فروع جديدة، وهذا البند قد يكون ضرورياً، وإن كان البعض يعتقد العكس، لأن التوسع يعني الوصول إلى قاعدة مستهلكين جديدة، ما يعني زيادة المبيعات وتحقيق المكاسب في فترات الضعف الاقتصادي.
إذاً، الفهم الحقيقي التقليدي لترشيد الإنفاق في أسواقنا يعني البنود الثلاثة السابقة وغيرها، وهو ما يؤدي إلى تصغير حجم الشركة، وانكماشها وفقدانها مكانتها بعد عودة الانتعاش، لأن تنافسيتها لن تكون قوية فيما إعادتها إلى سابق عصرها تصبح صعبة، حيث الآخر سيأخذ مكانها وينطلق نحو آفاق أرحب.
يأخذنا هذا الأمر إلى البحث عن مفهوم الترشيد في عالم الأعمال المعاصر، فهو يعني إعادة الهيكلة الإدارية والمالية والفنية والتقنية، لناحية تعظيم كفاءة الشركة والموظف والمنتج معاً. أيضاً يعني البحث عن وسائل جديدة لتخفيض تكلفة المنتج أو الخدمة المقدمة، وإيجاد آليات جديدة في التسويق، وأيضاً أسواق إضافية للبيع.
وأما الشركات الحكومية وشبه الحكومية، فعليها مسؤوليات أكبر عند الحديث عن ترشيد الإنفاق، لأنها معنية بالمشهد الاقتصادي العام، وبالحفاظ على زخم النمو، وبمسؤولياتها الاجتماعية تجاه الموظفين، فلا يكفي في هذه الظروف أن تنظر إلى الأرباح وتقليص الموازنات فقط، وإنما إلى الاستدامة، كونها جزءاً مكوناً للاقتصاد الوطني وداعماً له، ومن مسؤولياتها الاستمرار في الإنفاق لأن قطاعات عدة مرتبطة بها.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة