تأتي أهمية الاستثمارات الإماراتية في مصر، حيث تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي مباشر في الاقتصاد المصري
سيطر على عملية التكامل الاقتصادي في العالم، وليس في المنطقة العربية وحدها، ولزمن طويل منهج يستند إلى تحرير التجارة باعتباره الطريق الوحيد تقريبا لإنجاز التكامل بين اقتصادات عدة دول. وتعود سيطرة هذا النهج بشكل أساسي إلى أن تجربة البلدان الأوروبية كانت هي التجربة الكبيرة الوحيدة التي يجري الاسترشاد بها دوما. هذا على الرغم من أن تأسيس العمل الاقتصادي الأوروبي جرى أولا عبر إقامة مجموعة الفحم والصلب وهي مجموعة كانت تتكون من ستة دول أوروبية تهدف إلى العمل على الحيلولة دون اندلاع حرب جديدة في أوروبا لاسيما بين فرنسا وألمانيا. وقد تم توقيع اتفاقية المجموعة في عام 1951، وكان الغرض الرئيسي لها هو تنمية عملية إنتاج وتسويق الفحم والصلب في الدول الأعضاء. ثم تحولت الدول الأوروبية مع القفزة الاقتصادية التي تحققت مع استكمال إعادة بناء هياكلها الاقتصادية بعد الحرب بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي إلى نهج تحرير التجارة لتحقيق التكامل الاقتصادي بينها.
تأتي أهمية الاستثمارات الإماراتية في مصر، حيث تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي مباشر في الاقتصاد المصري بجملة استثمارات بلغت 7.2 مليار دولار. وتتوزع هذه الاستثمارات على العديد من القطاعات
ورغم أن نهج تحرير التجارة يعد السائد عالميا كوسيلة لإنجاز التكامل الاقتصادي، تكشف تجربة العالم العربي بوجه خاص عن اخفاق هذا النهج بكل وضوح. إذ بعد انطلاق الدعوة إلى تحرير التجارة العربية وتأسيس السوق العربية المشتركة منذ نحو ستة عقود ما زال مستوى التجارة البينية العربية يتراوح بين 8% إلى 12% من التجارة الإجمالية للدول العربية، ويرجع ذلك إلى عدة قيود موضوعية تتسم بها الهياكل الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية العربية في الوقت الراهن.
وأول هذه القيود يتعلق بتشابه هياكل الإنتاج والتجارة في كثير من الدول العربية بحيث تتركز أغلب صادراتها في بعض المنتجات من المواد الخام أو السلع نصف المصنعة المستندة إلى هذه المواد الخام كصادرات النفط الخام والغاز وإلى حد أقل البتروكيماويات أو كصادرات الفوسفات وبعض المنتجات القائمة عليه، إضافة طبعا إلى نسبة أقل بكثير من السلع نصف المصنعة والمصنعة وبعض المنتجات الزراعية كالخضروات والفواكه واللحوم. أما في جانب الواردات فأغلب الدول العربية تستورد حاجاتها الغذائية الرئيسية من الخارج علاوة على طائفة واسعة من السلع الصناعية المعقدة أو ذات التكنولوجيا المتقدمة نسبيا مثل المعدات والآلات ومعدات النقل والسيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، إضافة إلى نسبة أقل من السلع الخام ونصف المصنعة والمصنعة التي يسهم بها عدد ضئيل من الدول العربية لاسيما في القطاعات التي تقع على أولى درجات سلم التصنيع مثل الغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة أو تجهيز بعض السلع الغذائية.
القيد الثاني يتمثل في خوف أغلب الدول العربية من أثر المنافسة الخارجية على قطاعاتها الاقتصادية الإنتاجية وخاصة القطاع الصناعي لمحدودية هذا القطاع ومنتجاته وأهميته في توظيف عدد من الأيدي العاملة خاصة في الفروع كثيفة العمالة وفي المشروعات الصغيرة والمتوسطة. من هنا نجد ميل كافة الدول العربية إلى تحديد قائمة كبيرة نسبيا مما يسمى بالقائمة السلبية التي لا تشملها إجراءات تحرير التجارة بين الدول العربية وبعضها البعض، وبشكل ينتهي في النهاية مع ضخامة عدد السلع التي تشملها هذه القوائم السلبية إلى عدم وجود الكثير مما يمكن أن يتم المتاجرة فيه. ناهيك عن أنه حتى في حالة الموافقة على تحرير التجارة فإنه غالبا ما يتم الالتفاف على إجراءاتها ببعض القيود غير الجمركية وخاصة ما يتعلق منها بالصحة والسلامة وتعقد إجراءات شهادة المنشأ وغيرها.
لا يمكن أيضا تجاهل أن نسبة كبيرة من التجارة بين بعض البلدان العربية تعد مماثلة هي ذاتها لهيكل التجارة العربية مع العالم الخارجي. حيث يسيطر النفط على نسبة كبيرة من هذه التجارة حيث يتدفق النفط ومنتجاته والغاز من الدول المنتجة إلى بعض الدول العربية المستهلكة التي تفتقر إما للنفط أو لمنتجاته أو لكليهما أو للغاز، أو تتم التجارة بغرض إجراء بعض عمليات التصفية والتصنيع عليه مثل صادرات النفط الخام من المملكة العربية السعودية للبحرين.
باختصار يمكن القول إذا أن الطريق نحو إنجاز تكامل اقتصادي عربي حقا لن يستند قطعا كما يوضح التطور التاريخي إلى تحرير التجارة، حيث ينبغي التفكير أولا في إنتاج السلع حتى يمكننا الحديث لاحقا عن تحرير التجارة في هذه السلع. أي ينبغي بداية التفكير في الاستثمار المشترك لإنتاج سلع يمكن في مرحلة تالية المتاجرة فيها.
من هنا تأتي أهمية الاستثمارات الإماراتية في مصر، حيث تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي مباشر في الاقتصاد المصري بجملة استثمارات بلغت 7.2 مليار دولار. وتتوزع هذه الاستثمارات على العديد من القطاعات من أهمها:
• الاستثمارات في قطاع النفط والغاز.
• الاستثمارات العقارية التي شجع عليها تراكم خبرات لدى شركات الإنشاءات والمقاولات في دولة الإمارات بعد فورة البناء والتشييد التي مرت بها، حيث حدثت حركة من العمران الكثيف والسريع وإقامة تسهيلات البنية التحتية وفقا لأحدث المواصفات العالمية. وقد أقام المستثمرون الإماراتيون العديد من مراكز التسوق والتجمعات السكنية خاصة في قطاع الإسكان الفاخر. وقد أعطى فتح مصر بابها لهذه الاستثمارات مع السماح بالملكية العقارية للمواطنين العرب على أراضيها دفعة لهذا النوع من الاستثمار.
• الاستثمار في قطاع الاتصالات وخاصة شركة "اتصالات مصر" حيث تعد أكبر استثمار إماراتي في مشروع واحد باستثمارات بلغت 899 مليون دولار. وقد دعم هذا الاستثمار وشجع على المزيد من المنافسة في القطاع، مما جعل سعر دقيقة المكالمة في مصر ربما هو الأقل في المنطقة.
• يمكن القول إن من بين أهم الاستثمارات الإماراتية تلك التي تمت وتتم في قطاعي الزراعة والصناعة. ومن بين أهم هذه الاستثمارات ما جرى الاتفاق عليه مؤخرا من إنشاء أكبر مصنع لسكر البنجر في الشرق الأوسط بمحافظة المنيا جنوب مصر. وتبلغ الاستثمارات المقدرة في هذا المشروع بنحو 450 مليون دولار، وتبلغ طاقة المصنع 900 ألف طن سنويا من السكر، إلى جانب استصلاح وزراعة 181 ألف فدان بالبنجر اللازم للمصنع وغيره من المحاصيل. وسوف يعتمد ري هذه المساحة على المياه الجوفية. وسوف يوفر هذا المشروع نحو 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
في مثل هذا النوع الأخير من الاستثمار تتكثف في الحقيقة فرص التكامل والتعاون الاقتصادي البناء بين مصر والإمارات. فعلى سبيل المثال سيساعد مصنع السكر على تغطية حاجات مصر بدلا من استيراده من الخارج، وسيتم تصدير جزء من إنتاج المصنع، علاوة على أن الأراضي المستصلحة سيتم زراعتها بالبنجر إلى جانب محاصيل أخرى يمكن تصديرها للإمارات مباشرة. على العكس إذا من منهج تحرير التجارة كسبيل للتعاون والتكامل الذي يضع العربة قبل الحصان، يأتي نهج الاستثمار كمنهج واقعي لزيادة حجم الإنتاج وتنوعه كسبيل لتعزيز التعاون الاقتصادي وإقامة درجة أعلى من التكامل الاقتصادي بين الإمارات ومصر شاملة في ذلك تعزيز التجارة بين البلدين. وليس أدل على ما ذكرنا سوى مضي زيادة الاستثمارات المباشرة جنبا إلى جنب مع زيادة حجم التجارة بين الإمارات ومصر على مر الزمن لتبلغ مؤخرا نحو 5.3 مليار دولار. وقد احتلت الإمارات في بعض السنوات مرتبة السوق الأول للصادرات المصرية. ولا جدال أن وجود عدد كبير من المواطنين المصريين المقيمين بدولة الإمارات والذين قدر عددهم بما يزيد على 850 ألف مواطن في نهاية عام 2017 يساعد أيضا على توفير سوق واسعة للصادرات من السلع المصرية، خاصة من السلع الغذائية. هذا علاوة بالطبع على تحويلات المصريين العاملين في الإمارات في سد فجوة العجز في الميزان الجاري المصري، وتوفير النقد الأجنبي الذي تحتاجه البلاد بشدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة