عبد الرحمن الأبنودي.. سفير "قعدات العصاري" في مصر
شهر إبريل بات شهر استعادة روح "الخال" عبد الرحمن الأبنودي، شاعر العامية المصري الشهير وصاحب كلمات الحرب والنصر والثورة
“أنا صوتي مني، وأنا ابن ناس فقرا، شاءت ظروفي إني أكتب واقرا، فباشوف وباغنّي، والفقرا باعتيني، ياناس ياهوه، قبلن ما اقول قولة، اتأكدوا إن صوتي ده وصدر مني“ ..
هكذا كان الشاعر المصري الراحل عبدالرحمن الأبنودي يقدم نفسه باعتباره من تراب هذا الوطن، عرف بلقب "خال المصريين"، الذي يحافظ على مصالح الجميع، ومعنى لقبه في الموروث الصعيدي "الحكم بين الأعمام والمُحافظ على مصلحة الأسرة".
صديق "قعدات العصاري"
كان الأبنودي صديقًا لكل فئات الشعب المصري، وكانت "قعدات العصاري" شاهدة على حكايات الأصدقاء والبسطاء المحبين لفنه، ذلك قبل أن يترك عالمنا في 21 أبريل/نيسان قبل 3 سنوات.
في ذلك اليوم وقف البسطاء أمام قبره ينعون صديقهم الراحل الذي ذهبت روحه إلى بارئها، معلنين افتقادهم لحكاياته و"قعدات" الحكي.
يحكي الكاتب محمد توفيق، صاحب كتاب "الخال"، أحد مشاهد حبّ البسطاء للخال قائلًا: "كنت أتنقل بسيارة أجرة في القاهرة بينما أتحدث مع عبدالرحمن الأبنودي، وعندما أنهيت الاتصال، سألني السائق ما إذا كنت أتحدث مع عبدالرحمن الأبنودي، لأجيبه بالإيجاب، فطلب مني إيصال السلام مصحوبًا بجملة ،(محمد اللي كان معاك في بني سويف من ١٥ سنة بيسلّم عليك)"، لكنني للأسف لم أفعل ونسيت".
يضيف توفيق: "بعد فترة خلال تواجدي مع الخال، تذكرت الواقعة وأوصلت الرسالة وفوجئت برد فعل قوي وأن محمد صديقه"، مضيفًا: "هذا ما يميز الأبنودي الذي كان قريبًا من الجميع".
في صباح شتوي كان عبدالرحمن الأبنودي بصحبة صديقه أمل دنقل يشربان كوبًا من الشاي الساخن، طلباه من أحد عمّال محكمة قنا الشرعية، الوقت كان يقارب العاشرة صباحًا، دخل شاب نحيف الوجه ونحيل الجسد صوب الأول قائلًا في عظمة، "أنا يحيى الطاهر عبد الله من كرنك الأقصر، جئت للتعرف إليكما أنت وأمل دنقل".الأبنودي الذي أكد في أحد مقالاته، أنّ الطاهر كان الضلع الثالث في صداقة العمر، "كان شديد النهم للقراءة، واطلاعاته الأدبية تفوقنا بكثير، اكتشفنا لأول مرة في حياتنا أنّ هناك إنسان حقيقي ينتمي إلى الثقافة، يدافع عن آرائه حتى الموت بحميمية وصدق، على الرغم من الاشتباك المتواصل مع دنقل، إلّا أنه لا أحد يجرؤ على الخوض في سيرة أيّ منّا أمام الآخرين".هؤلاء الثلاثة كونوا سويًا مثلثًا شعريًا غاية في الإبداع والجمال، غير أن ضلعين منه كُتب إليهم الوفاة عن عمر ٤٣ عامًا، ليجد الأبنودي نفسه وقد كتب عليه أن يكمل الطريق بمفرده.
عدى النهار تحقق حلم "العندليب"
قبيل نكسة ١٩٦٧ كان الأبنودي، الذي ولد في الحادي عشر من أبريل عام ١٩٣٨، يُعد العدّة لكتابة واحدة من أشهر أغانيه الوطنية "عدى النهار" التي طلبها الفنان الكبير عبد الحليم حافظ بعد النكسة، قائلًا إليه، "هل ستترك الكتابة في مثل هذا التوقيت الذي تحتاجك فيه مصر بشدّة"، ليكون الرد جاهزًا بأوراق الأغنية التي كتبها من قبل، "عدّى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها، جانا نهار مقدرش يدفع مهرها".
بعد بدء التجهيز من قِبل "العندليب" وقبيل إذاعة الأغنية التي أحدث ضجّة كبير في الأوساط المصرية، جاء عبد الحليم إلى الأبنودي ببشرى سارة "حلمت إني لابس جلابية بيضا، والشعب المصري شايلني على الأكتاف"، ليتحقق الحلم وتكون "عدى النهار" بقرار من رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر واحدة من الأغاني التي لابد إذاعتها كل يوم في الإذاعة، ويحمل عبد الحليم بسببها في أحد حفلاته على الأعناق.
تراث الخال
من أشهر أعماله "السيرة الهلالية" التي جمّعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها، بجانب كتابه الذي يحكي فيه قصصًا وأحداثًا مختلفة من حياته في صعيد مصر "أيامي الحلوة" الذي نشره على حلقات منفصلة في ملحق حمل مفس الاسم بجريدة الأهرام، قبل أن يتم تجميعهم في كتاب ذو ثلاثة أجزاء.الإعلامية نهال كمال، زوجة الأبنودي، أكدت في إحدى اللقاءات التلفزيونية، أنها تحب أن يقال على زوجها "الخال" لأن"الخال والد كما يقال في التراث الشعبي"، مؤكدة أنّ "حاضر دائمًا بكتاباته وبتراثه".
سجّلت أوراق الأبنودي كلمات عدد كبير للغاية من الأغاني المصرية، وصلت إلى ٢٨٠٠ أغنية.كتب الأبنودي لعدد كبير من نجوم الغناء في مصر والوطن العربية كافة، فغنى له العندليب عبد الحليم حافظ، وعلي الحجار، ومحمد رشدي، وفايزة إحمد، ونجاة الصغيرة، وشادية، وصباح، ووردة الجزائرية، وماجدة الرومي، ومحمد قنديل، ومروان خوري، ونجاح سلام".
والدته الحاجة فاطمة قنديل هي واحدة من النساء الصعيديات التي رأى الأبنودي "أنهن حاملات الحضارة"، قدّس وجودهم وكان يرى فيهن الحياة، والدته كوّنت لديه تراث حكّاء إثر حكاياتها المميزة وطريقة سردها التي غيّرت في تكوينه، بجانب الأساطير والأغاني التي كانت تغنيها إليه طوال الوقت.
حصل الراحل عن عالمنا قبل ثلاث سنوات، على عدد من الجوائز، لعلّ أبرزها جائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠١، كأول شاعر عامية مصري يفوز بالجائزة، بجانب جائزة محمود درويش للإبداع العربي قبل وفاته بعام".