محمد عبدالمطلب.. حنجرة لم يحللها التراب
كان عبدالمطلب، المغني المصري الراحل، شخصية استثنائية في عالم الغناء العربي.
ولد في قرية ريفية صغيرة بمصر، حيث كانت الحياة تسير ببطء، لكن الصوت الذي كان يتردد في أرجاء الحقول والشوارع الترابية كان يحمل نغمات المستقبل، كان عبدالمطلب حينها مجرد فتى صغير، لكنه كان يعرف في أعماقه أن لديه هدية ستأخذه بعيداً عن حدود قريته.
من صوت الرياح جاءت الموهبة
في بيت متواضع وسط الأراضي الزراعية، تربى عبدالمطلب بين أحضان الطبيعة وصوت الرياح التي كانت تغني معه.
منذ صغره، كان يستمع إلى الأغاني الشعبية التي تتغنى بها الأمهات في الليالي الطويلة، وكان يقلدها بشغف.
ومع مرور الوقت، أصبح واضحًا لكل من حوله أن هذا الفتى ليس كغيره، كان صوته يحمل قوة وعذوبة، وكان لديه قدرة فطرية على إيصال المشاعر من خلاله.
في يوم من الأيام، سمعه شيخ القرية يغني أثناء عمله في الحقول، تأمل الشيخ في هذا الصوت الواعد، وشعر بأن عبدالمطلب قد يحقق شيئاً عظيماً إذا أتيحت له الفرصة. لم يتردد الشيخ في دعمه، وشجعه على الذهاب إلى المدينة، حيث كان يعتقد أن هناك من سيقدر هذا الصوت الفريد.
قروي أبهرته أضواء المدينة
بمرور السنين، قرر عبدالمطلب أن يأخذ نصيحة الشيخ وينتقل إلى القاهرة، ولم يكن الانتقال سهلاً، فالحياة في المدينة تختلف تمامًا عن تلك التي عرفها في الريف، لكن القاهرة، بعالمها الواسع وأضوائها الباهرة، كانت المكان المثالي لاكتشاف المواهب، كان عبد المطلب يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً، ولكنه كان مصممًا على النجاح.
بدأ في البحث عن فرص للغناء في المقاهي الشعبية والمسارح الصغيرة، وكان صوته يلفت الانتباه في كل مكان يغني فيه، لم يمض وقت طويل حتى بدأت الأخبار تنتشر عن هذا الشاب صاحب الصوت المميز.
ذات يوم، بينما كان يغني في أحد المقاهي، سمعه منتج موسيقي مشهور، تأمل في هذا الصوت، وشعر أنه قد وجد شيئًا نادرًا.
أول أسطوانة.. أول الطريق
اتصل المنتج بعبدالمطلب وعرض عليه فرصة تسجيل أول أسطوانة له، كان ذلك بمثابة الحلم الذي تحقق، وأصر المنتج على أن يختار أغاني تتناسب مع صوته الفريد، وبالفعل، صدرت الأسطوانة وحققت نجاحًا كبيرًا. فجأة، أصبح اسم عبدالمطلب معروفًا في كل بيت مصري.
لكن النجاح لم يكن مجرد صدفة، فقد كان عبد المطلب يعمل بجد ويكرس نفسه لتطوير موهبته، وكان يستمع إلى العديد من أنواع الموسيقى، ويحاول مزجها بأسلوبه الخاص، ومع مرور الوقت، أصبح يُعرف بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.
لم يكن عبدالمطلب مجرد مغنٍ، بل كان فنانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. كانت أغانيه تعبر عن مشاعر الناس وتعكس تجاربهم الحياتية. كانت كل أغنية تقدم قصة جديدة، وكل قصة كانت تحمل رسالة.
الفرصة الذهبية
من بين أشهر أغاني عبد المطلب التي حققت نجاحاً كبيراً "رمضان جانا"، وهي أغنية أصبحت رمزاً للشهر الكريم في مصر والعالم العربي، تعكس الأغنية روحانية وأجواء رمضان ببهجتها وبساطتها، وتتميز بإيقاعها الخفيف الذي يمزج بين الموسيقى الشعبية والتوزيع العصري، ما جعلها تحتل مكانة خاصة في قلوب المستمعين.
أما أغنية "ساكن في حي السيدة"، فهي تعتبر تحفة فنية تمزج بين الطرب الأصيل والحداثة الموسيقية، تأخذنا الأغنية في رحلة إلى حي السيدة زينب بالقاهرة، معبرةً عن جمال المكان وعظمة التاريخ. الإيقاع الهادئ واللحن الذي يبرز عبقرية الملحن في استغلال طبقات صوت عبدالمطلب جعلا من هذه الأغنية قطعة موسيقية خالدة.
"ودع هواك" هي الأخرى من الأغاني الشهيرة لعبد المطلب، والتي تميزت بكلماتها المؤثرة التي تعبر عن ألم الفراق والحب الضائع. لحن الأغنية يميل إلى الطابع الشرقي التقليدي، مع استعراض واضح لإمكانات صوت عبدالمطلب في التعبير عن الشجن والحزن. التحليل الموسيقي لهذه الأغنية يبرز التباين بين الجمل اللحنية المتصاعدة والانخفاضات الدرامية التي تجسد الصراع الداخلي للمحب.
كانت هذه الأغاني الثلاثة مجرد نماذج من إرث عبدالمطلب الغنائي الذي لم يتوقف عن التأثير على الأجيال المتعاقبة من الفنانين. بصوته العذب وأغانيه الصادقة، ترك عبد المطلب بصمة لا تُمحى في تاريخ الموسيقى العربية. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأجيال، وستظل أغانيه تُغنى وتُردد كلما احتاج الناس إلى صوت يلامس أرواحهم.
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز