أبوظبي.. عاصمة رأس المال تعيد هندسة شبكات التمويل الدولية
تواصل أبوظبي تعزيز مكانتها كأحد أهم المراكز المالية الراسخة في العالم، من خلال نهج استراتيجي يقوم على تنويع مصادر التمويل، وإعادة هندسة شبكات رأس المال الدولية، واستقطاب الشركات والمؤسسات العالمية إلى بيئة مالية تشريعية متطورة.
وجسد أسبوع أبوظبي المالي 2025 هذه الرؤية، حيث شكل الحدث منصة عالمية تجمع بين قادة المال والتكنولوجيا والاستثمار، وكشف عن مبادرات وسياسات وتحالفات من شأنها دفع أبوظبي إلى صدارة الخريطة المالية العالمية.
وتضمن الحدث سلسة من الإعلانات الكبرى التي تؤكد أن العاصمة الإماراتية أصبحت لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي وممرًا محوريًا لرأس المال طويل الأجل.
مؤشر التنافسية
شهدت فعاليات "أسِت أبوظبي" الكشف عن أول مؤشر تنافسية للمراكز المالية العالمية (FCCI)، وهو المؤشر الذي أصدرته جامعة نيويورك لقياس أداء المراكز المالية الدولية وفق معايير موضوعية تشمل التكنولوجيا، والبيئة التشريعية، وكفاءة الأسواق، وقدرات الابتكار، وجاذبية رأس المال.
وجاء تصنيف أبوظبي في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمرتبة الثانية عشرة عالميًا، متقدمة على مراكز مالية بارزة مثل دبي والرياض والدوحة، ليعكس سنوات من العمل المتواصل على تطوير بنية تحتية مالية وتنظيمية متقدمة، وتقوية منظومة التكنولوجيا المالية، وجذب كبرى المؤسسات الاستثمارية من مختلف أنحاء العالم.
ويعتمد المؤشر على منهجية أكاديمية محايدة، ما يمنح أبوظبي اعترافًا دوليًا يعزز مكانتها في خارطة المراكز المالية الكبرى، ويقدم رسالة للأسواق العالمية بأن الإمارة أصبحت قادرة على المنافسة عالميًا، وليس فقط على مستوى المنطقة، ما يسهم في جذب المزيد من رؤوس الأموال والشركات والمؤسسات المالية الباحثة عن بيئة مستقرة وناضجة توفر أعلى معايير الحوكمة والتنظيم.
تحسينات تنظيمية
شهد أسبوع أبوظبي المالي سلسلة من التحسينات الجوهرية التي أعلنتها سلطة تنظيم الخدمات المالية في أبوظبي العالمي (FSRA)، سواء على مستوى الأصول الرقمية أو الصناديق الاستثمارية.
وفي إطار فعاليات "فينتك أبوظبي"، أعلنت السلطة عن تطوير شامل لإطارها التنظيمي للأصول الرقمية، بما يعزز الشفافية والامتثال ويمنح المستثمرين مزيدًا من الثقة، وشملت التحسينات توسيع نطاق الأنشطة المرخصة، وتسهيل عمليات الترخيص، وتعزيز الضوابط الرقابية التي توازن بين الابتكار وحماية المستثمرين.
وعرضت سلطة تنظيم الخدمات المالية تحسينات مهمة على إطارها التنظيمي للصناديق الاستثمارية ضمن فعاليات "أسِت أبوظبي"، ما عزز الجاذبية الاستثمارية لأبوظبي كمركز رائد لإدارة الأصول والثروات. وتسهم هذه التحديثات في توفير بيئة تنظيمية أكثر مرونة تسمح لمديري الصناديق ببناء استراتيجيات استثمارية متقدمة في بيئة آمنة وواضحة المعالم، لتنافس أبوظبي أشهر المراكز المالية في العالم مثل سنغافورة وزيورخ ولندن.
شراكات استراتيجية
تحول أسبوع أبوظبي المالي من منصة للنقاش، إلى ملتقى لإبرام سلسلة من الشراكات الاستراتيجية التي توسع نطاق التعاون الدولي وتدعم بناء شبكة مالية عالمية تقودها أبوظبي. ووقع مكتب أبوظبي للاستثمار عددًا من اتفاقيات التعاون مع شركات عالمية كبرى، ما يعزز موقع الإمارة كمركز لاستقطاب رؤوس الأموال وتطوير التكنولوجيا المالية الحديثة.
ومن أبرز الشراكات، توقيع اتفاقية مع شركة "برودنشال فاينانشل" الأمريكية، وهي من أكبر الشركات العالمية في مجال إدارة الاستثمارات وحلول التقاعد، لتطوير حلول للادخار التقاعدي طويل الأجل وإعادة التأمين والدخل المستدام، مع انضمام الشركة إلى مجمّع التقنيات المالية والتأمين والأصول الرقمية والبديلة (FIDA)، ما يعزز دور أبوظبي في تطوير أنظمة مالية مبتكرة لخدمة المستقبل.
كما أعلن مكتب أبوظبي للاستثمار شراكة استراتيجية جديدة مع شركة "يي باي" الرائدة في مجال المدفوعات عبر الحدود، لدعم خطط الشركة التوسعية في الشرق الأوسط والعالم. وستخدم الشركة أبوظبي مقرًا إقليميًا ومركزًا تقنيًا لها، بما يعكس الثقة في البنية المالية والتقنية التي توفرها الإمارة.
كما تم توقيع شراكة مع شركة "الصين الدولية لرأس المال (CICC)"، أحد أكبر بنوك الاستثمار في آسيا، لإنشاء إطار استثماري متطور يدعم تبادل الاستثمارات والمعرفة بين الصين وأبوظبي. وفي مجال الابتكار المالي، شركة "إي آند الإمارات" وقعت مذكرة تفاهم مع "بنك المارية المحلي"، لتمكين استخدام مدفوعات AE Coin عبر منصات إي آند الرقمية، ما يعزز ريادة الإمارات في مجال العملات الرقمية والابتكار في أنظمة الدفع.
تعهدات مالية دولية
تميز أسبوع أبوظبي المالي هذا العام بتركيزه على البعد الإنساني إلى جانب الابتكار الاقتصادي، فقد استضافت مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني، بالتعاون مع المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال (GPEI)، جلسة عالمية لتقديم التعهّدات المالية لدعم جهود القضاء على المرض.
وخلال الجلسة، أعلنت عدة مؤسسات تعهدات مالية كبيرة، من بينها 1.2 مليار دولار من مؤسسة بيل غيتس، و140 مليون دولار من مؤسسة محمد بن زايد للأعمال الإنسانية، و450 مليون دولار من روتاري إنترناشيونال، ليصل إجمالي التعهدات إلى 1.9 مليار دولار. وعززت هذه التعهدات دور أبوظبي كمركز عالمي للتمويل المؤثر، الذي يستخدم رأس المال لخدمة المجتمع وتحسين حياة ملايين البشر حول العالم.
سلسلة من الإنجازات
اختتم أسبوع أبوظبي المالي بإعلان قائمة واسعة من الإنجازات التي تعد الأكبر منذ تأسيس الحدث، فقد شهد الأسبوع إعلان إطلاق مجمع FIDA، الذي يعد أول مجمع من نوعه في المنطقة يركز على التقنيات المالية والتأمين والأصول الرقمية والبديلة. ويهدف المجمع إلى بناء جيل جديد من الحلول المالية التي تقوم على الابتكار في التكنولوجيا الحديثة، وتطوير أدوات استثمارية جديدة تلائم طبيعة الأسواق المتغيرة.
كما تم خلال الأسبوع توقيع 59 مذكرة تفاهم خلال الأيام الثلاثة الأولى، في دلالة على الزخم الكبير الذي يشهده القطاع المالي في أبوظبي. وتم إعلان تأسيس عدد من الشركات العالمية لمقارها التشغيلية في أبوظبي العالمي، بما فيها شركات كبرى مثل "باينانس"، و"كانتور"، و"بلينيري"، و"سيركل"، و"BBVA"، وكذلك أُعلنت خططا لافتتاح مكاتب في الإمارة مثل Galaxy Digital والبنك الأوراسي للتنمية.
وترافق ذلك مع إعلان مشروعات تطوير عقارية مهمة، مثل مشروع "الريتز-كارلتون ريزيدنسز" في جزيرة المارية من شركة ساس العقارية، الذي يضيف قيمة جديدة للقطاع السكني الفاخر ويعزز مكانة الجزيرة كمركز مالي ومعيشي متكامل.
وتواصل أبوظبي ترسيخ موقعها كمحور رئيسي في حركة التمويل الدولي، بفضل رؤية تجمع بين الابتكار الاقتصادي، والاستدامة المالية، والحوكمة المتقدمة، والانفتاح على الأسواق العالمية. وتوضح مخرجات أسبوع أبوظبي المالي 2025 أن الإمارة تتحرك نحو بناء مركز مالي عالمي قادر على قيادة التحولات الاقتصادية الكبرى، واستقطاب صناديق الثروة العالمية والشركات الكبرى، وتطوير منظومة مالية تشكل نموذجًا للمراكز المالية المستقبلية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز