مطاعم "أبوحصيرة" في غزة.. أطباق غير معروفة للعالم الخارجي
في قلب ميناء الصيادين في مدينة غزة، يراقب منير أبو حصيرة ما جمعته شباكهم ليلا من ثمار البحر ليختار الأنواع المميزة منها.
وذلك من أجل استخدام جزء في إعداد أطباق حارة خاصة بمطاعمه العريقة والشهيرة وتصدير الجزء الآخر إلى الضفة الغربية.
فسلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته "أبو حصيرة" والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، إذ تأسس أولها مطعم "السلام" في 1955 وما زال موجودا. وهي تقدم أطباق السمك الحارة المميزة وغير المعروفة للعالم الخارجي خصوصا بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 2007.
ومع شروق الشمس، يتجمع بعض التجار وأصحاب المطاعم في سوق السمك (الحسبة) للبحث عن السردين الذي جمعه الصيادون في غزة حيث يعتاش نحو 5 آلاف فلسطيني من مهنة الصيد.
لكن "ملك الحسبة" (57 عاما) كما يُلقب، لا يراهن على السردين ولا يدخل المزاد الذي يفتح يوميا لبيع الأسماك، إذ إنه يبحث عن الأسماك المميزة مثل اللقز والروبيان (الجمبري) الكبير.
اشترى منير يومها كيلو الروبيان الواحد بـ70 شيكل (حوالى 22 دولارا)، كما اشترى مئات الكيلوجرامات من الأسماك المميزة التي وضعت في صناديق وحملت في شاحنة استعدادا لتصديرها.
وقال الرجل ذو القامة الطويلة: "هذه أسماك غالية الثمن بالنسبة لأهالي غزة. أشتري جزءا منها لمطعمي بينما يخزن الباقي في ثلاجة تبريد قبل تصديره للضفة عبر معبر كرم أبو سالم" التجاري الإسرائيلي، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
أفضل شيف
يذكر معين (50 عاما) أحد أفراد هذه الأسرة التي تعد من أكبر العائلات في غزة، كيف كانت مطاعم العائلة تزدحم بالزبائن الإسرائيليين أو العرب الذي يعيشون في الدولة العبرية قبل الانتفاضة الأولى في 1987 التي استمرت لسنوات.
وقال "جاء الإسرائيليون إلى هنا لتناول الطعام" قبل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في 2005.
لكن تغير كل شيء في قطاع غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي إذ لم يعد بإمكان السياح والأجانب الوصول إليه.
ويقول معين الذي افتتح قبل عام مع أشقائه مطعم "روما" إن "مناطق صيد الأسماك لدينا محدودة والاقتصاد منهار".
واليوم، تعتمد معظم مطاعم "أبو حصيرة" على تلبية أذواق الزبائن الأثرياء لكن عدد هؤلاء محدود في قطاع غزة الفقير الذي شهد 4 حروب منذ 2008.
ويجمع أصحاب مطاعم أبو حصيرة، أن معين هو أفضل الطهاة في العائلة. وقد تدرب على الطهي في أحد مطاعم يافا حيث عمل وهو فتى.
ويقول وهو يعد زبدية الروبيان مع الطماطم والصنوبر بفخر: "هنا لا توجد مدارس لتعليم الطبخ، كل ما نعرفه تعلمناه من خلال تبادل الخبرة بيننا.. سر الطهي في غزة يكمن في الفلفل الحار والتوابل".
وعلى واجهة قطاع غزة البحرية أيضا يمكن العثور على مطعم "أبو علي" الشعبي بسهولة وقد علق في واجهته لوحة فنية أهدته إياها شابة فلسطينية تحمل صورة نجمة خماسية وكتب عليها "أفضل مطعم في المدينة، أفضل شيف (طاه) في غزة" .
و"أبو علي" الذي يرتاده زبائن بعضهم من الأجانب العاملين في مؤسسات دولية في القطاع، معروف بحساء ثمار البحر وسمك الدينيس واللقز المشوي على الفحم.
ويقول أبو علي متحسرا إن "الوضع الاقتصادي صعب جدا في القطاع.. أمنيتي أن أفتح مطعما في إسرائيل، يمكن الحصول على أضعاف ما نحصل عليه هنا".
آخر صياد
ترك عشرات من أفراد عائلة أبو حصيرة قبل عقود مهنة صيد السمك، وبدأوا تجارة السمك وتقديم وجبات السمك ذات النكهة الغزية في مطاعمهم المنتشرة على الواجهة البحرية والتي لا يعمل فيها سوى طهاة محليين.
وقال عيد أبو حصيرة (80 عاما) عميد الأسرة، "أنا آخر صياد في العائلة"، مستذكرا الفترة "الذهبية" عندما كان يصطاد كميات كبيرة من السمك.
وأضاف صاحب الشعر الأبيض الذي يعتمر الكوفية الفلسطينية ويتكئ على عكازه الخشبي "بعت كل شيء في 2013، واليوم نحن نعمل في تجارة الأسماك.. لدينا 13 مطعما يملكها ويديرها أبناؤنا".
ويعود بالذكريات إلى الزمن الذي كانت فيه والدته تعد له ولأشقائه صحن الروبيان من صيد أبيه، وطهوه بطبق (زبدية) من الفخار على الطريقة المغربية، لتصبح الزبدية أحد أهم أطباق قائمة الطعام في جميع فروع مطاعم العائلة في القطاع.
وقبل أشهر، افتتح فرع جديد لسلسلة مطاعم العائلة على بعد عشرات الأمتار فقط عن شاطئ البحر غرب مدينة غزة.
أما عن أصول العائلة، فيقول الرجل مبتسما إنه لطالما روى والده وجده قصة هذه الجذور وأصل اسمها، مؤكدين أنه مرتبط باسم حاخام يهودي كان يعيش في المغرب وتوفي خلال رحلة إلى مصر في القرن التاسع عشر.
aXA6IDUyLjE1LjIzOC4yMjEg جزيرة ام اند امز