مساعي النظام الإيراني للسيطرة على "شط العرب" ليست جديدة حيث تحاول الاستيلاء على الشريان الاقتصادي الذي يربط العراق بالخليج العربي
تحاول إيران بشتى الطرق البحث عن ثغرات يمكنها من خلالها التصدي للعقوبات الأمريكية التي أرهقت اقتصادها وشلت حركة صادراتها وخاصة النفطية، كان أبرزها محاولة إحياء "اتفاقية الجزائر" مع العراق للسيطرة على شط العرب وتعزيز نفوذها بالعراق.
مساعي النظام الإيراني للسيطرة على "شط العرب" ليست جديدة، حيث تحاول خلال السنوات الماضية الاستيلاء على الشريان الاقتصادي الذي يربط العراق بالخليج العربي واستكمال مشروعه التوسعي في العراق.
واتفاقية الجزائر وقعها نائب رئيس الجمهورية العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي بإشراف الرئيس الجزائري هواري بومدين، مارس/آذار من عام ١٩٧٥، لإخماد الثورة الكردية.
قبل أن يلغيها صدام من جانبه عام 1980 جراء انتهاكات إيرانية في شط العرب.
وكانت السفن التي تسير باتجاه إيران في شط العرب قبل الاتفاقية تدفع رسوما للعراق وترفع العلم العراقي، لكن بعد توقيعها أصبحت السيطرة على هذا النهر بين العراق وإيران مناصفة إلى خط الثالوك (أعمق نقطة وسط المجرى الرئيسي لشط العرب).
ويتألف شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات جنوب العراق عند مدينة القرنة ويشق طريقه نحو الخليج العربي بعد تقسيمه مدينة البصرة إلى قسمين.
ويبلغ طوله نحو ٢٠٠ كم، ويتراوح عرضه بين كيلومتر وكيلومترين حسب ممر جريانه.
ويعتبر شط العرب القناة الملاحيّة الوحيدة للسفن المتوجهة إلى موانئ البصرة عبر الخليج العربي، لكن الإرهاب الذي تمارسه مليشيا الحرس الثوري الإيراني في العراق خلال السنوات الماضية والمستمرة حتى الآن أسفرت عن فقدان العراق لهذه القناة الملاحيّة المهمة بسبب رمي إيران مخلفات مصانعها وإطلاق مياه مصافيها المالحة فيه الأمر الذي تسبب في تلوثه بالكامل.
فضلا عن سيطرة المليشيات الإيرانية على كافة الموانئ العراقية واستخدامها في تهريب النفط الإيراني والالتفات على العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، تعيق سيطرة المليشيات على شط العرب المشاريع الحكومية والدولية لتنظيف شط العرب ومنع تلوثه وحماية بيئته.
وأعادت الولايات المتحدة، في نوفمبر/تشرين الثاني، فرض عقوبات اقتصادية وشددت عقوبات أخرى على قطاعات النفط والبنوك والنقل الإيرانية، تعد أقسى عقوبات في التاريخ الأمريكي، وذلك بعد أن انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، وتعهدت بمزيد من التحركات للضغط على طهران.
وجود إيراني غير شرعي
كشف السفير العراقي في طهران، سعد جواد قنديل، في تصريحات صحفية، الأربعاء الماضي، عن عقد اللجان العراقية الإيرانية المشتركة عدة اجتماعات تمخضت عنها وضع خارطة طريق لإعادة قناة الملاحة الرئيسية لشط العرب، وفقا لإحداثيات عام ١٩٧٥ ومعاهدة الجزائر والبروتوكولات الملحقة بها.
وأضاف قنديل أن ما توصلت إليه اللجان المشتركة من خطة هي نتاج للاتفاقيات التي جرت توقيعها بين طهران وبغداد خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق ولقائه رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في مارس/آذار الماضي.
وحذر رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية الأحواز، عارف الكعبي، من التأثير السلبي لإعادة العمل باتفاقية الجزائر على الأمن القومي العراقي خصوصا أن العراق في ١٧سبتمبر/أيلول عام ١٩٨٠ أعطى وأتاح لإيران السيطرة على الجزء الأكبر من شط العرب.
وقال الكعبي لـ"العين الإخبارية" إن "الرجوع إلى هذه الاتفاقية وتطبيق محتوياتها وملاحقها يسبب تجاوزاً وهيمنةً واضحة وصارخة على قناة الملاحة الرئيسية لشط العرب، وتلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد والموقع الاستراتيجي في الضفة الشرقية وتضيق الخناق على الممر المائي العراقي".
وأكد الكعبي أن الوجود الإيراني في شط العرب لا شرعية له وليس من حق النظام في طهران إبرام اتفاقية أو رسم حدود برية أو بحرية باتجاه العراق من أراضي الأحواز المحتلة المحاذية للحدود العراقية جنوبا.
وأعلن العراق وإيران في ١٢ مارس/آذار الماضي عن توصلهما إلى توقيع ٢٢ اتفاقا صناعيا وتجاريا.
وأكد الجانبان، في بيان مشترك، عزمهما تنفيذ اتفاقية الحدود الموقعة عام ١٩٧٥ والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها، والبدء بعمليات مشتركة لتنظيف شط العرب بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسية في أسرع وقت.
محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية
يرى الخبير العراقي بمجال الأنهار والمياه والسدود، رمضان حمزة، لـ"العين الإخبارية" أن "المحاولات الإيرانية لتفعيل اتفاقية الجزائر هي للالتفاف على العقوبات الأمريكية".
وأضاف حمزة: "خلال زيارة روحاني إلى العراق، أكدت إيران على اتفاقية عام ١٩٧٥ لأن طهران ترى في العراق المنفذ الوحيد للتنفس، لذلك ستعطي للعراق مجالا بحريا لغرض تسويق منتجاتها إلى الخارج عبر هذا المنفذ البحري باسم العراق كي لا تشمل بالعقوبات الأمريكية.
وقبل توقيع بغداد وطهران اتفاقية الجزائر، كانت الحدود بين الجانبين مرسومة حسب معاهدة الحدود الإيرانية العراقية عام ١٩٣٧ التي نصت على أن الحدود بين البلدين في المنطقة تمتد أساسا على الضفة الإيرانية لشط العرب، وأن العراق يسيطر على كامل مجرى النهر الملاحي، ما عدا بعض الأماكن المعينة.
وفسخت إيران هذه المعاهدة عام ١٩٦٩ وبدأت بتنفيذ جملة من الانتهاكات لمياه شط العرب والأراضي العراقي استمرت حتى عام ١٩٨٠ وكانت سببا في اندلاع الحرب التي استمرت ٨ سنوات بين الجانبين.
وأشار حمزة إلى أن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت معاهدة ١٩٣٧ لترسيم الحدود واعتبرتها صنيعة استعمارية، وسعت إيران إلى فرض السيطرة الكاملة على شط العرب.
aXA6IDMuMTQ1LjguMTM5IA==
جزيرة ام اند امز