2000 متر فوق سطح البحر.. أديس أبابا تغير وجهتها صوب سياحة «واعدة»

على ارتفاع أكثر من ألفي متر فوق سطح البحر، وفي قلب الهضبة الإثيوبية، تنبض أديس أبابا بروح مختلفة هذه الأيام.
لم تعد العاصمة الإثيوبية مجرد مقر رسمي للقمم الأفريقية والمفاوضات السياسية، بل بدأت بهدوء وبخطى واثقة تعيد تعريف نفسها كوجهة متألقة في عالم سياحة المؤتمرات.
ففي الأزقة الهادئة التي كانت يومًا تعج بموظفي المنظمات الدولية والدبلوماسيين، تشق الآن قوافل المؤتمرات طريقها. تتفتح الفنادق الفاخرة، وتُرصع الحدائق الحديثة مشهد المدينة، وتعلو شاشات العروض في مراكز مؤتمرات ذات طابع عالمي.
أديس أبابا، التي لطالما احتفظت بمكانتها الرمزية كعاصمة سياسية للقارة، تتحول اليوم إلى مركز ديناميكي للأفكار واللقاءات والفعاليات الكبرى.
فما الذي غيّر ملامح المدينة؟ وما سر هذا التحول السلس من الدبلوماسية الصلبة إلى الدبلوماسية الناعمة؟
تبنت الحكومة الإثيوبية استراتيجية تحويل المدن من خلال الاستفادة من الإمكانات إلى مدن ذكية وبدأت بالبنية التحتية من خلال رؤية طموحة بتوسيع شبكة الطيران النشطة التي جعلت من أديس بوابة حيوية لعالم المؤتمرات في أفريقيا.
وافتتح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مؤخرا عددا من المناطق التي تم تحديثها وسط أديس أبابا ضمن مشروع تطوير الممرات الحضرية بأديس أبابا، في خطوة تُعد تقدما كبيرا ضمن جهود التحول العمراني للمدينة.
- اليورو يرتفع مقابل الدولار بعد إرجاء رسوم ترامب على أوروبا
- «إنفستوبيا أوروبا» تنتقل إلى برلين.. فرص استثمارية واعدة بين الإمارات وألمانيا
وأكد آبي أحمد على حدوث تحوّل جذري في العاصمة مشددًا على التزام الحكومة بتحسين مستويات المعيشة وضمان انتقال العائلات إلى أحياء متطورة ومتكاملة الخدمات.
واعتبر آبي أحمد أن الإنجاز السريع لهذه المشروعات التي تشهدها مختلف مناطق أديس أبابا يمثّل نموذجا يُحتذى به في مبادرات المدن الذكية المقبلة، ويتماشى مع رؤية بلاده لبناء مدن مستدامة، صديقة للبيئة، ومتقدمة تقنيا.. مضيفا أن هذه التحولات ضرورية لبناء مستقبل أكثر إشراقا، خاصةً للأجيال القادمة.
البنية التحتية
الزائر للعاصمة الإثيوبية يلاحظ أن في كل زاوية منها يمكن لمس آثار التغيير. حيث لم يعد وسط المدينة مجرد مساحات إسمنتية مزدحمة، بل فسيفساء عمرانية تنبض بالحياة.
مشروع تطوير الممرات أعاد صياغة العلاقة بين الإنسان والمدينة، فأصبحت الأرصفة أوسع، والطرق أكثر انسيابية، والمساحات العامة أكثر ترحيبا.
وأصبحت الحدائق الجديدة مثل حديقة الوحدة وحديقة الصداقة لم تُضف فقط طابعا جماليا للمدينة، بل جزءًا من البنية الوظيفية لسياحة المؤتمرات، حيث تُستخدم لعقد لقاءات غير رسمية، وجلسات تواصل على هامش المؤتمرات، وسط أجواء مفتوحة وودية.
المطار الدولي في أديس أبابا هو الآخر خضع لعمليات توسعة وتحديث، ليواكب حركة السفر المتزايدة ويُحسّن تجربة الوصول والمغادرة للمشاركين في المؤتمرات.
السياحة في خدمة الدبلوماسية الاقتصادية
تعتبر مبادرة "مائدة من أجل الوطن" واحدة من أبرز المشاريع الرمزية، التي جمعت بين الترويج الثقافي وتعزيز الصورة الذهنية لإثيوبيا كدولة مضيافة ووجهة عصرية.
إلى جانب ذلك، تستثمر هذه المبادرة موارد كبيرة في ترميم المعالم السياحية، وخلق بيئة حضرية آمنة وجاذبة، ليس فقط للمستثمرين، بل أيضا للمفكرين، والخبراء، ورواد الأعمال، الذين يجدون في المؤتمرات منصة للتلاقي وتبادل الخبرات.
المؤتمرات تتضاعف والأرقام تتحدث
وفقًا لبيانات رسمية من وزارة السياحة الأثيوبية، استضافت إثيوبيا أكثر من 60 مؤتمرًا دوليا ومحليا خلال تسعة أشهر فقط – مقارنة بـ19 مؤتمرًا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
هذا النمو اللافت وفق وزارة السياحة الإثيوبية، لا يعكس فقط تحسن البنية، بل أيضًا تغيّر النظرة العالمية إلى إثيوبيا كمكان يمكن الوثوق به لتنظيم الفعاليات الكبرى.
وذكرت الوزارة أنه من قمة الاتحاد الإفريقي، إلى فعاليات رياضية مثل الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF)، مرورا بمنتديات تكنولوجية وتجارية، بات اسم أديس أبابا حاضرا بقوة على أجندات المنظمات القارية والدولية.
مثل افتتاح مركز أديس أبابا الدولي للمؤتمرات إضافة عمرانية، وإعلان ناعم عن دخول أديس أبابا نادي العواصم القادرة على استضافة القمم العالمية والقارية.
المركز، الذي يتميز بتصميمه العصري وتجهيزاته التقنية المتطورة، يقدم مساحات متعددة الاستخدام، تستوعب من الاجتماعات الصغيرة إلى المؤتمرات التي تضم الآلاف.
لا يمكن فهم قصة التحول التي تشهدها أديس أبابا دون الحديث عن الخطوط الجوية الإثيوبية، التي أصبحت أشبه بشريان الحياة لهذا التحول، من خلال شبكة رحلاتها التي تغطي معظم العواصم الأفريقية والمدن الكبرى في أوروبا وآسيا وأمريكا، تضمن الشركة سهولة الوصول إلى العاصمة، ما يجعلها خيارًا مثاليا لمنظمي المؤتمرات الدوليين.
ولا تخفي إثيوبيا طموحها في أن تتحول عاصمتها إلى مركز مؤتمرات من الطراز الأول في القارة الإفريقية. وبين ما ينجز ميدانيا من مشاريع، وما يحصد فعليا من فعاليات دولية، يتبلور واقع جديد عنوانه: أديس أبابا ليست مجرد عاصمة سياسية، بل منصة للقاء القارات، وتحول هادئ يعيد تشكيل خريطة المؤتمرات في أفريقيا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY1IA== جزيرة ام اند امز