"لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي".. كيف واجه عادل إمام الإسلام السياسي؟
"شائعات" لا تتوقف عن فنان تربع على عرش الكوميديا المصرية والعربية قرابة نصف قرن، بعد أن صنع بموهبته الفذة تجربة من الصعب تكرارها.
فالفنان المصري عادل إمام، الذي احتفى في 17 مايو/أيار الماضي بعيد ميلاده الـ82، وسط أولاده وأحفاده في جو عائلي، تصدر خلال الساعات القليلة الماضية، مؤشرات البحث على منصات التواصل الاجتماعي، بُعيد انتشار شائعات تزعم تدهور حالته الصحية.
ورغم أن عائلة الفنان الكبير سنًا ومكانة خرجت لتنفي تلك التقارير، فإن جمهور صاحب الـ"الآه" الشهيرة، التي جسد من خلالها مشاعر ومعاناة البسطاء، ما زال يقتفى آثار أي نبأ يكون له دليلا نحو طريق الاطمئنان على "الزعيم".
تلك الحالة الفريدة من نوعها، والتي أحاطت بالفنان الشهير، لم تكن داخل بلاده فقط؛ بل إن نجم الكوميديا المصرية عبر بفنه الحدود متخطيًا بشهرته الآفاق، بشكل جعل الأغلبية من الناس لا يعرفون عن فناني مصر في عصره إلا "الزعيم".
لكن ما سبب شهرة الفنان عادل إمام؟
عادل إمام يعد إحدى المحطات البارزة في تاريخ السينما المصرية والعربية ككل، بسبب أعماله الفنية التي اتخذت من "هموم" الفقراء مدخلا لانتقاد والتمرد على الأوضاع السائدة –في ذلك الوقت- بشكل ساخر، مما رسم البسمة على شفاه مشاهديه، بشكل خفف الكثير من "آلامهم".
فالرجل الذي بات جزءًا من الحياة اليومية للشعوب العربية، عبر استحضار مقاطع وجمل من أعماله الفنية في المحادثات اليومية وفي نقد الواقع الاجتماعي أو السياسي، حفر بأعماله المنتقاة بشكل جيد، نقوشًا ستظل مسجلة باسمه على مدار التاريخ.
إلا أن أعماله تلك كانت سلاحًا ذا حدين؛ فجرأتها التي تخطت الحدود، كانت سببًا كبيرًا في معاناته، وخاصة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بعد أن انقسمت الساحة السياسية المصرية إلى تيارين؛ أولهما: الإسلام السياسي، فيما الثاني كان اليسار.
وبين هذين التيارين، كانت هناك منطقة رمادية يقف الفن على أطرافها، بمدرسة جديدة ترأسها الفنان عادل إمام، قدمت أعمالا سينمائية، كشفت عن "تغول" الإسلام السياسي في الحياة المصرية، وأخذت على عاتقها مواجهته وفضح أساليبه "الملتوية".
أفلام عادل إمام
المواجهة الأولى
كان عام 1988، شاهدًا على المواجهة الأولى بين عادل إمام والتنظيمات الإرهابية؛ فالفنان المصري تحدى تلك الجماعات التي عاثت في مدينة أسيوط بصعيد مصر فسادًا، وأحرقت في أواخر الثمانينيات، محلات أشرطة الفيديو وهاجمت الناس في الشوارع، والفرق المسرحية في جامعة المدينة.
تلك الوقائع والتي كانت تنذر بخطر كبير، لم تكن دافعًا للفنان المصري عادل إمام للتراجع، بل إنه قرر الذهاب بفرقته المسرحية إلى أسيوط، لعرض مسرحيته "الواد سيد الشغال" هناك، دعماً للشباب الفنانين في الجامعة، ومحاولة منه للوقوف ضد التطرف والإرهاب.
محاولة الفنان المصري، كللت بنجاح منقطع النظير، بعد أن استطاع عرض مسرحيته لثلاث ليال متواصلة في المدينة هناك، ونجح في إعادة البسمة لأهالي أسيوط التي عانت –في ذلك الوقت- أيامًا من الخوف والقلق والرعب.
أعمال كاشفة
ذلك الحادث كان محركًا رئيسيًا لانطلاقة الفنان عادل إمام، نحو الأعمال التي تتناول ظاهرة الإرهاب والتطرف، بمشاركته العام 1992، في فيلم "الإرهاب والكباب" الذي يعد أول عمله له في هذا الاتجاه.
وانطلق العمل السينمائي من أسباب رآها موضوعية، قد تدفع الشخص الطبيعي إلى أن يتحول مساره 180 درجة باتجاه "الإرهاب والتطرف"، بسبب بعض العقبات التي قد تقف في طريقه.
وجسد الفيلم قصة شخصية موظف بسيط دخل في مشادة انتهت بحمله سلاح أحد الجنود واحتجازه للرهائن، بسبب عقبات إدارية، أدت تطوراتها الدراماتيكية، لاقتحام قوات الأمن المكان وعدم العثور على "الإرهابي" الذي تخفى سريعًا بين المحتجزين، في عمل اعتبره سينمائيون ونقاد، إحدى العلامات الفارقة في السينما العربية.
فيلم الإرهابي
ومن بين الأعمال السينمائية التي فضحت الإسلام السياسي، كان فيلم "الإرهابي" والذي أنتج في العام 1994 وجسد فيه الفنان عادل إمام شخصية شاب بسيط، ينضم إلى جماعة "متطرفة"، ويشارك في مقتل عدد كبير من السياح.
إلا أن تحولا كبيرًا في دفة الفيلم، بدأ مع هروبه من ملاحقة أمنية، لتصدمه فتاة ثرية بسيارتها، وتحمله إلى بيتها لعلاجه، ليعيش حينها وسط أسرتها، مكتشفًا زيف ما زرعته الجماعات الإرهابية في رأسه من أفكار "متطرفة".
وكشف الفيلم، الذي لاقى نجاحًا كبيرًا –في ذلك الوقت- كيف تؤثر الجماعات "الإرهابية" على الشباب وتدفعهم دفعًا إلى الطاعة العمياء، عبر شعارات "زائفة"، وأسس لا ترتكز على صحيح الإسلام، الذي دعا لنبذ التطرف والعنف.
"فلا تناقش ولا تجادل يا أخ علي"، جملة كانت "فاضحة" لمنهج تلك الجماعات الإرهابية، في "إجبار" المنضوين تحت ولائها على الطاعة العمياء دون إعمال عقولهم فيما يتلقونه من تعليمات، حتى وإن خالفت جوهر الإسلام، الذي يدعون انتماءهم إليه.
طيور الظلام
واصل الفنان المصري عادل إمام، رحلته في مواجهة الإسلام السياسي، ليعود في العام التالي 1995، في تجربة جديدة تتناول الإرهاب والتطرف.
فالعمل السينمائي المصري والذي لاقى شهرة كبيرة –في ذلك الوقت- قدم فيه قصة لثلاثة محامين أصدقاء، فرقتهم الظروف والأهواء، إلى ثلاثة اتجاهات.
أول تلك الاتجاهات كان الذي سلكه الشخص "الانتهازي" (عادل إمام) والذي استغل قدراته القانونية للوصول إلى منصب رفيع، فيما الثاني وجد من الجماعات المتطرفة سبيله نحو تحقيق المكاسب المالية بالدفاع عنهم، أما ثالثهم فكان ذا الميول الاشتراكية، الذي يعيش كموظف عادي، يكتفي براتبه فقط دون أية أطماع.
إلا أن هذا العمل والذي اختتم بأغنية "يا واش يا واش يا مرجيحة"، كان لديه قراءة مستقبلية للواقع؛ فأحداثه تحققت على أرض مصر على مدى الأعوام اللاحقة، وخاصة بعد أن تقلدت زمام أمورها جماعة "الإخوان" الإرهابية، وما تلا فترة حكمها من أعمال عنف و"إرهاب" كانت هي المحرك الرئيس لها.
مرجان أحمد مرجان
لم تكن أعمال "الزعيم" السياسية على شاكلة "الإرهابي"، بل إنه انطلق هذه المرة في محاربته لجماعات الإسلام السياسي من ثوب كوميدي، عبر فيلم مرجان أحمد مرجان، والذي أنتج في العام 2007.
وفضح الفيلم دور جماعات الإسلام السياسي داخل الجامعات المصرية، وكيف كان لهم دور تخريبي لعقول الشباب، الذين يحاولون تجنيدهم.
حسن ومرقص
لم تكن أعمال "الزعيم" السياسية على شاكلة "الإرهابي"، بل إنه حارب جماعات الإسلام السياسي التي تدعو لشق صف الوحدة الوطنية، بسلاح جديد، ارتكز على قلب الطاولة عليهم.
فالفيلم الذي أنتج في العام 2008، جسد فيه عادل امام شخصية رجل الكنيسة "بولس" الذي يتعرض لمحاولة اغتيال وملاحقات من جماعات "إرهابية"، فتجعله الحكومة ينتحل شخصية رجل آخر اسمه "الشيخ حسن".
فمن مسيحي يعيش في ثوب مسلم، ومن مسلم يعيش في ثوب مسيحي والذي جسده الفنان العالمي عمر الشريف، انطلق العمل السينمائي ليجسد اللحمة الوطنية التي فشل "الإرهابيون"، وجماعات الإسلام السياسي في إفشالها على مدار السنوات.
فبعد رفض عمر الشريف الانصياع لتعليمات الجماعات الإرهابية بالانضمام إليهم، مما جعله على لائحتهم للاغتيالات، قررت الحكومة أن تحميه بجعله ينتحل شخصية "مرقص" المواطن المسيحي، ليكون العمل السينمائي أبرز مثال على "فشل" الجماعات المتطرفة في شق الصف الوطني بمصر.
رحلة نضال
ورغم أن تلك الأعمال السينمائية، سطرت بأحرف من نور تاريخًا حافلا من "النضال السياسي" للفنان المصري عادل إمام وجعلته يتربع وحيدًا في قلوب محبيه في الوطن العربي كافة، إلا أنها كانت أحد أسباب دخوله معركة قضائية.
ففي العام 2012 وبعد أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومع بدء التغول "المؤقت" لجماعات الإسلام السياسي والعناصر "المتطرفة" في العمق المصري.
فمحكمة مصرية قضت –في ذلك الوقت- بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بعد أن دانته بـ"الإساءة إلى الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، إلا أن "الزعيم" استأنف على الحكم الذي لم ينفذ.
ورغم أن الحكم لم ينفذ، إلا أنه كان أول حكم يصدر بسجن فنان على خلفية أعماله منذ نجاح تنظيم الإخوان وحزب النور السلفي، في السيطرة على مجلس الشعب، بعد انتخابات أجريت في ذلك الوقت.
ومع تربع الفنان المصري عادل إمام على عرش السينما المصرية قرابة نصف قرن، هل ترى أن أعماله السينمائية كانت إحدى حوائط الصد أمام انتشار وتفشي جماعات "الإسلام السياسي" والتنظيمات المتطرفة، بعد أن فضح أساليبها الملتوية؟!
aXA6IDMuMTQxLjQ3LjE2MyA=
جزيرة ام اند امز