انفتاح الإمارات على الثقافة العالمية والآداب الأجنبية معروف من خلال ترجمة وإصدار الكتب التنويرية وإقامة المعارض ودعم الجوائز الأدبية
تحتفي الإمارات بالشاعر العربي الكبير أدونيس، معبّرة عن تقديرها للأدب العربي الذي يشكل الشاعر المحتفى به أحد رموزه الشعرية المهمة على الساحة الأدبية العربية.
ويأتي هذا التكريم بمناسبة بلوغه التسعين عاما من عمره المديد، حيث شهد على تحولات العصر من خلال اشتباكه مع الثقافة العربية شعرا وفكرا. وفي خضم ما يحدث في بلده الأصلي سوريا والبلدان العربية الأخرى من هزات وحروب وتطاحن.
ولم يلتفت أحد إلى هذه المناسبة المهمة في معانيها ورمزيتها، وبما أن أدونيس شاعر عربي، وأدبه ملك للأمة العربية وتراثها، فقد بادرت الإمارات إلى تكريمه عبر شخصية مثقفة من طراز معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، الذي قال في هذه المناسبة: "يعد الاحتفاء بأدونيس احتفاءً بالكلمة وتاريخ طويل من الإبداع والعمل المتواصل، كما أنه اعتراف بقيمة وقامة الشاعر على المستويين العربي والعالمي".
إن انفتاح الإمارات على الثقافة العالمية والآداب الأجنبية معروف للقاصي والداني من خلال ترجمة وإصدار الكتب التنويرية وإقامة معارض الكتب ودعم الجوائز الأدبية، إيمانا منها بوحدة الثقافة العربية والتعددية الفكرية وحرية التعبير والحوار والانفتاح على الآخر ومحاربة التطرف والإرهاب.
يستحق أدونيس كل التكريم لأن ما قدمه للثقافة العربية لا نظير له، فهو المؤسس للحداثة الشعرية العربية بامتياز. ولسنا هنا بصدد تعداد ما ألفه من كتب، وما كتب عنه النقاد والباحثون. ولو راجعنا ما أنجره أدونيس عبر هذه السنوات الطويلة ندرك أن ما قام به يُعتبر عملا رياديا بكل معنى الكلمة.
ومهما اختلفت الأفكار وتضاربت الآراء حوله، فهو رائد الحداثة الشعرية بجدارة، مؤمن منذ البدايات الأولى بمهمته في التخطي والإبداع والتجاوز، حيث خاض المعارك الفكرية الملتهبة من أجل ذلك. فهو الشاعر الذي استطاع أن يستعيد الماضي ومحطاته المضيئة ويتمثّل الحاضر بجديده ومغايرته.
إن انفتاح الإمارات على الثقافة العالمية والآداب الأجنبية معروف للقاصي والداني من خلال ترجمة وإصدار الكتب التنويرية وإقامة معارض الكتب ودعم الجوائز الأدبية، إيمانا منها بوحدة الثقافة العربية والتعددية الفكرية وحرية التعبير والحوار والانفتاح على الآخر ومحاربة التطرف والإرهاب.
وكتابه "الثابت والمتحول" حجر الأساس في كل تفكير جرئ بالتراث، إذ أصبحت الحداثة هاجسه الأول والأخير منذ تأسيس مجلة "شعر" حتى الوقت الحاضر. وفي نظره، لم يعد الشعر محصورا في القصيدة لأنها أصبحت أكثر اتساعا في السينما والفنون والفكر والفلسفة، والقصور الذي يعاني منه الشعر في وقتنا الحاضر، مرده إلى الثقافة الاجتماعية التي عجزت عن فهم الفرد وإبداعه كما يرى أدونيس. ولذلك وجد الشاعر نفسه في تداخل الشعر والرسم والموسيقى عبر الأمكنة والأزمنة كلها. هذه الرؤية الكلية الشمولية هي التي ميّزت أدونيس عن بقية الشعراء العرب فهو التراثي الكبير والحداثي الكبير في آن واحد.
يتربع أدونيس على جبل من الكتابات، إذا حسبنا ما صدر له أو ما كُتب عنه باستثناء الأطروحات الجامعية من كتب الحوارات بالفرنسية والعربية والكتب الفنية مع الرسامين العرب والأجانب، إضافةً إلى كتبه الشعرية والنقدية التي تتجاوز التسعين على الأرجح. ولا يزال الشاعر ينتج ويكتب، وسوف تصدر له بعد احتفائه بالتسعين كتب عديدة منها "أدونيادا" بالفرنسية قبل العربية، ويعمل الآن على إنهاء كتابة سيرته الذاتية وطباعة خواطره ويومياته بعنوان "دفاتر مهيار الدمشقي" التي صدر منها حتى الآن ثلاثة أجزاء من أصل عشرة تصدر تباعا.
عرفتُ أدونيس منذ سنوات طويلة من بيروت وباريس، وتشرفت أن أكون جيرانه في سنواتي الباريسية، فرغم وداعته وتواضعه وأناقته وذوقه الرفيع، يحوم حوله بعض الأعداء من الصغار والكبار، حتى إنه قال لي ذات مرة في حوار: "تلامذتي يحاولون اغتيالي بأسلحتي!" لكن أصدقاءه أكثر من أعدائه، فقد احتفى به نخبة من الشعراء العرب والأجانب في إلقاء قصائدهم: أمثال زليخة أبو ريشة، وفولكر براون، وقاسم حداد، وبيير يوريس، ويانغ ليان، وسيرجي باي، وأندريه فيلتر، وعقدوا ندوة شعرية في جامعة سوربون أبوظبي في إجلال وحب وعشق لشعره في تلاحم مع الشاعر المحتفى به.
فقد جاءوا من جهات الأرض الأربع ولغاتها الكبرى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية من أجل تكريمه على أرض الإمارات الطيبة التي يبادلها أدونيس الحب والفخر والإخلاص. وهي لم تبخل عليه بعطائها الروحي، إذ عبّر معالي الشيخ نهيان بن مبارك عن فخره بأدونيس قائلا: "أدونيس شاعر وصاحب مشروع أدبي متميّز تتلمذ على يديه العديد من الأسماء البارزة في سماء الشعر والأدب".
فقد صدق القول، ومهما اختلفت الآراء حوله، يبقى أدونيس شاعرا جدليا كبيرا عاش تحولات السياسة والثقافة على مدى عقود طويلة، ولم يهادن أحدا، وظل مخلصا لحلم شبابه الذي لم يتخل عنه لحظة واحدة، وهو في التسعين: أن يكون شاعرا متمردا ورائدا للحداثة الشعرية العربية والعالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة