طالبان تحاصر تعليم الفتيات.. شهادات بين الماضي والحاضر
شهادات من الماضي وأخرى من الحاضر لأفغانيات عاصرن حكم طالبان الأول والراهن تشي بأن التاريخ يكرر نفسه في مرحلة تطوق نساءها بقيود صارمة.
فتيات يواجهن معضلة الانقطاع عن التعليم عقب سيطرة طالبان على الحكم ومنعهن من العودة المدرسية حتى الآن، ونساء يجتررن تجارب لا تقل مرارة اختبرنها في عهد حكم الحركة من 1996 إلى 2001.
وما بين عهدين، تتباين التواريخ لكن الأحداث تتكرر حد التماهي، وتطرح معضلة أحد أوجه حكم الحركة في أفغانستان، ومدى إيفائها بوعودها بمنح النساء مساحة من الحرية.
شهادات
داخل شقة عائلتها الفسيحة الواقعة بالطابق الثالث بمنزل في العاصمة الأفغانية كابول، استعدت الفتاة ثريا على مدار سنوات لتحقيق حلمها بأن تصبح رائدة فضاء بوكالة "ناسا" الأمريكية؛ فالفتاة الطالبة بالعام الدراسي الـ11 والأولى على صفها، لديها شغف تجاه الفيزياء وعلوم الفلك، وتتحدث الإنجليزية بإتقان.
أما بالنسبة لسوزان التي تحلم بأن تصبح طبيبة، فتريد طالبة الصف السابع أن تساعد في إعالة أسرتها الفقيرة ذات يوم.
لكن الجمعة الماضي، أغلق الطريق نحو تحقيق أحلامهما، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، حيث علمت الفتاتان أنه لم يعد بإمكانهما الذهاب للمدرسة الثانوية، مثل عدد لا يحصى من الفتيات الأفغانيات الأخريات؛ حيث أصدرت طالبان مرسوما يفيد بأنه يمكن للصبيان فقط من الصف السابع إلى الـ12 العودة للمدرسة هذا الأسبوع.
قرار كان بمثابة مؤشر على مستقبل جديد قاتم ينتظر النساء والفتيات في أفغانستان، حيث يتم تفكيك التعليم والحريات الأخرى التي نعموا بها على مدار العقدين الماضيين تدريجيا.
وقالت ثريا (15 عامًا): "إذا لم أستطع استكمال تعليمي، فلا يمكنني أن أصبح الشخص الذي أريده. هذا يجعلني أشعر باليأس".
وأكثر من يفهم شعور ثريا بالاستياء هو والدتها فيروزان التي حرمتها طالبان أيضًا من الذهاب للمدرسة عندما حكمت البلاد لأول مرة منتصف التسعينيات.
ومع فرض طالبان قيودا على التعليم، فهي لا تخنق فقط هذا الجيل من الفتيات الأفغانيات، ولكنها تثير أيضًا ذكريات قديمة لدى الجيل السابق، إذ إن الكثير من الأمهات كن أطفالا أو مراهقات عندما حكمت الحركة البلاد سابقا، وفرضت قواعد متشددة حرمت النساء من كل الحقوق الأساسية تقريبا.
وقالت هميرة، والدة سوزان: "واجهت الكثير من المشاكل تحت حكم طالبان. لم أرد أن تصبح بناتي مثلي".
وبعد الإطاحة بطالبان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، استفادت الكثير من الأفغانيات من الحريات الجديدة التي أدخلها الوجود الغربي والمليارات من أموال المساعدات، والتي ركز جزء كبير منها على تعزيز حقوق النساء ومشاركتهن في المجتمع.
وتخرجن في المدارس والجامعات، وأصبحن طبيبات ومحاميات وصحفيات. كما عملن إلى جانب الرجال في الحكومة والشركات، وتلقت أخريات تدريبات ببرامج التمكين التي قدمتها الأمم المتحدة وغيرها من منظمات الإغاثة.
وأنجبت النساء بنات على أمل أن يحظين بفرص أكثر بكثير وبلوغ أعلى المراتب. لكنهن لم يتوقعن أبدًا أن يدخل أطفالهن نفس الدوامة التي مررن بها تحت حكم طالبان.
التاريخ يكرر نفسه
قالت فيروزان: "للأسف، التاريخ يكرر نفسه."
ومثل أخريات أجريت معهن حوارات في القصة التي أعدتها "واشنطن بوست"، تحدثت فيروزان وهميرة بشرط ذكر الاسم الأول فقط لهما ولبناتهما منعا لأي أعمال انتقامية من جانب طالبان.
وكان ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، قال قبل أيام، إن الفتيات في الفصول الدراسية من السابع إلى الـ12 سيتم السماح لهن بالعودة للدراسة بمجرد تعيين نظام يوفر لهن وسائل النقل والمرافق الأخرى لخلق بيئة آمنة، أما الفتيات والصبيان في الصفوف الأصغر سنا فيمكنهم حاليا الذهاب للمدرسة، على أن يتم الفصل بين التلاميذ في الصفوف من الثالث إلى السادس.
وبالفترة نفسها، أعلنت طالبان أنه سيتم السماح للنساء بالذهاب إلى الجامعات ولكن ليس في نفس الحجرات الدراسية مع الذكور، كما لن يتم السماح للرجال بتدريس النساء أو الفتيات من الفصل الدراسي الثالث فيما أعلى.
وحذر تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" من أن النقص في عدد المعلمات، وصعوبة دفع رواتب المدرسين، وسحب الدعم الدولي، قد يؤدي إلى استبعاد النساء والفتيات الأفغانيات من التعليم.
وقالت فيروزان: "طالبان لم تتغير"، وهي التي كانت بعمر 12 عامًا وتعيش في مدينة شبرغان عندما سيطرت طالبان على أفغانستان عام 1996، وسرعان ما أعلنت الحركة حينها أن الفتيات الأكبر من 8 أعوام لن يتلقين التعليم.