أفغانستان 2021.. عواصف وتحديات على وقع السلطة
تطورات مفاجئة قلبت إحداثيات الوضع بأفغانستان عام 2021، ومنحت لحركة طالبان مقاليد حكم في بلد تطوقه أزمة إنسانية متفاقمة.
عام مضطرب ومستقبل مجهول في أفق بلد استقطب اهتمام العالم بمستجدات متسارعة غيرت المشهد السياسي بفترة وجيزة، وأعاد الحركة التي حكمت البلاد من 1996 إلى 2001، للسلطة من جديد، لكن في سياق مختلف وإحداثيات مغايرة تماما تلك المرة.
سيطرت حركة طالبان على البلاد منتصف أغسطس/ آب الماضي بسرعة كبيرة فاجأت الجميع حتى الحركة نفسها لدرجة أن الكثير من الأفغان ما زالوا يتساءلون عما حدث بالضبط وعما سيحمله المستقبل.
كما لا تزال الذاكرة الجماعية في أفغانستان كما حول العالم، تستحضر مشاهد أفغان وهم يتساقطون من سماء العام كابول بعدما حاولوا عبثا التمسك بآخر طائرات الإجلاء للفرار من النظام الجديد ومن واقع بائس يدركون أنه لن يتغير قبل زمن طويل.
تحديات
بالنسبة لطالبان، يتمثل التحدي الرئيسي في تحويل مسلحين غير متعلمين في معظمهم إلى إدارة سياسية قادرة على قيادة بلد معقد ومتنوع، والأهم إقناع المجتمع الدولي بأن الحركة قادرة على القيادة بما يؤهلها للحصول على اعتراف دولي.
أما الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فتسوده مخاوف مزدوجة من رؤية أفغانستان تنزلق أكثر إلى براثن البؤس ما يدفع عشرات الآلاف من المواطنين إلى الفرار.
وبالتوازي مع ذلك، تسود أيضا مخاوف من أن تعود أفغانستان مرتعا لجماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة، بمعنى أن تصبح مجددا ظهيرا للتنظيمات المتطرفة مع ما يعنيه كل ذلك من تحديات مضاعفة لواشنطن وحلفائها.
وعلى الجانب الآخر، يقبع الأفغان مثقلين باهتمامات أكثر إلحاحا من كل ذلك، وهو تأمين الغذاء والمسكن بالتزامن مع حلول فصل الشتاء القارس.
في الأثناء، تتوجس النساء خيفة من حكم حركة أثبتت سنوات سلطتها أنها متشددة ومناهضة لحقوق النساء، وهو ما تجلى من خلال إقصاء المرأة سابقا من دوائر الحكم، واستهدافها بسياسات اجتماعية قمعية.
ارتدادات
المحللة كايت كلارك، قالت في تقرير نشرته شبكة "أفغانستان أناليستس نتوورك" إن "عواقب تغيير النظام في أفغانستان كانت فورية وكارثية"، وفق وكالة "فرانس برس".
وأوضحت "كلارك" أن الانتصار العسكري جاء سريعا جدا بل خاطفا لحركة طالبان "التي لم يكن لديها خطط لإدارة البلاد دون مساعدة خارجية".
ولفتت إلى أنه "عندما كانت طالبان حركة متمردة، فرضت ضرائب على سكان المناطق التي تسيطر عليها، وتركت الخدمات العامة في أيدي الحكومة ومنظمات غير حكومية" ممولة إلى حد كبير عبر مساعدات دولية.
وتابعت: "هي الآن في السلطة، على رأس دولة ذات دخل منخفض بشكل كبير، فيما يجب أن تهتم بمجموعة كاملة من السكان" الذين يعدون قرابة 40 مليون نسمة.
وبالفعل، يبدو الوصول الخاطف لطالبان لحكم أفغانستان محفوفا بتحديات جمة تشكل في باطنها ملامح ارتدادات لتغير المشهد خارج السياق، فحاليا، يشكل انهيار الإدارة من أكبر المشكلات التي تواجه الحركة في بلد كان يعتمد على كوادر فرت في معظمها عقب سقوط الحكومة.
وبالأسابيع الأخيرة، نقل أكثر من 120 ألف أفغاني جوا من مطار كابول، معظمهم أشخاص عملوا مع دول أو شركات أجنبية لإدارة مليارات الدولارات من المساعدات لمدة 20 عاما التي دعمت ميزانية الدولة إلى حد كبير.
وبمغادرتهم، تجد حكومة طالبان نفسها محرومة من هؤلاء الكوادر المحلية ومن المساعدات أيضا، ما لا يترك أمامها من حل سوى الاعتماد على مواردها الخاصة والضرائب وعائدات الجمارك خصوصا، لكن كل ذلك لا يكفي لتغطية نفقات الدولة.
ومؤخرا، أعلنت طالبان أنها ستدفع رواتب الموظفين الحكوميين الذين لم يتلقوا أي راتب منذ أشهر، وهو أمر أثبط عزيمة الكثير منهم، والأسوأ من كل ذلك، أن قلة من مسؤولي طالبان تعرف طريقة استخدام الكمبيوتر على ما يبدو.
سباق مع الوقت
تجد طالبان صعوبة في إقناع الداخل والخارج بأنها ستكون أكثر انفتاحا مما كانت عليه في ظل حكمها السابق عندما اضطهدت النساء وعاقبت معارضيها بقسوة، لكن لا يبدو أن وعودها وتصريحاتها قادرة على إقناع شعب اختبر في معظمه سياساتها.
قلق ينبعث من إشارات كثيرة بينها أن الموظفات الحكوميات لم يعدن إلى المكاتب، كذلك أعلنت طالبان إعادة فتح المدارس الإعدادية والثانوية للذكور، مستثنية الإناث.
وتذرّعت الحركة الأفغانية بقول "هذا من أجل سلامتهن" علما أن الخطر الرئيسي الذي كان يتهدد المدارس في السنوات الأخيرة، وهو هجمات طالبان، زال مع استيلائها على السلطة.
وفي حين أقلق تغيير النظام الأفغان المتعلمين في المدن، حمل إلى الكثير من المناطق الريفية المحافظة والمؤيدة للمتمردين ما كانت تنتظره منذ 20 عاما: إنهاء القصف الغربي والسلام.
لكن فترة الراحة لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما وجدت طالبان نفسها في مواجهة فرع تنظيم داعش في أفغانستان، والذي يستهدف خصوصا الأقلية الشيعية.
وإلى تلك التوليفة، ينضاف الوضع الاقتصادي المتردي في واحدة من أفقر دول العالم والغارقة في المجهول مع وقف المساعدات الدولية، هو ما سيحدد مستقبلها ومستقبل الأفغان المهددين الآن بأزمة إنسانية كبرى.
وتدق المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر. وبالنسبة إلى الأمم المتحدة، فهو سباق مع الوقت، ففي بداية الشتاء القاسي، يواجه قرابة 23 مليون أفغاني، أي ما يعادل نحو 55 في المئة من السكان، خطر المجاعة.
ومع توجه 2021 نحو الأفول، تودع أفغانستان هذ العام بوجه شاحب يبدو عاجزا عن مجاراة تطورات تمضي عكس الحيثيات، وبمؤشرات متهاوية على جميع الأصعدة تنشد انفراجة في بلد يغرق تاريخه الحديث في أتون التقلبات والاضطرابات.
aXA6IDMuMTM2LjIzNi4xNzgg جزيرة ام اند امز