إلى حد كبير، الخروج الأمريكي من أفغانستان مماثل لخروجه من العراق، سنوات من الوجود لا تترك خلفها الكثير على الأرض قابل للبقاء.
ومصير مدينة كابول مثل مصير مدينة الموصل، عندما استولى "داعش" على المدينة الرئيسية وترسانة من أسلحة القوات العراقية.
لعقود كان الأمريكيون يفاخرون بأنهم أفضل قوة "احتلال" و"تحرير" من منافسيهم مثل السوفييت، ومن المستعمر الأوروبي، البريطاني والفرنسي والبرتغالي والبلجيكي والهولندي.
النماذج الأمريكية الناجحة، هناك كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وكان الإنجاز الأكبر إدارة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا الغربية.
كانت برلين الغربية النموذج الناجح مقابل برلين الشرقية الشيوعية، التي يفر منها سكانها مخاطرين بحياتهم للقفز فوق الجدار العازل.
السؤال، لماذا نجح الجنرال دوغلاس مكارثر في اليابان والفلبين، وفشل بول بريمر في إدارة العراق؟ وزلماي خليل زاد في أفغانستان؟
في الحقيقة، لم يكن هناك شح في الأموال أنفقته الإدارة الأمريكية المدنية على أفغانستان، كاحتلال مباشر في البداية ثم إدارة الحكومة الأفغانية، ودامت عشرين عاماً طويلة.
وبخلاف ما يُعتقد، فقد أنجزت الولايات المتحدة خلالها أعمالاً إيجابية كثيرة.
معظم المدارس والمطارات والطرق بنيت في العهد الأمريكي، ثمانية ملايين طالب وطالبة انخرطوا في مدارسها وجامعاتها، والخدمات الصحية كانت أفضل من الدول المجاورة.
أنفق الأمريكيون في أفغانستان على الخدمات والبنية التحتية 35 مليار دولار، من 145 مليار دولار صُرفت على إدارة الحكومة الأفغانية، وفق تقرير SIGAR عن "المفتش العام الخاص لبناء أفغانستان".
ورغم هذا فشلت أفغانستان كمشروع سياسي للأمريكيين، والآن تبخرت كل الجهود والمليارات التي أنفقت، وبالطبع خسر المواطن الأفغاني.
السفير راين كروكر، من أكثر الدبلوماسيين الأمريكيين خبرة في المنطقة، يقول: "العلة الكبرى في فشلنا لم يكن تمرد طالبان، بل كان الفساد الهائل المستوطن".
وفعلياً الأمر نفسه ينطبق على الإدارة الأمريكية في العراق، والتي أنفقت ميزانيات ضخمة وخرجت بلا دولة موالية ولا قواعد شعبية.
الأهداف المرسومة لهاتين الحربين، تحققت جزئياً.. عسكرياً نجحت سريعاً في إقصاء الأنظمة الحاكمة، صدام في العراق و"طالبان" في أفغانستان، لكن فشل مشروع بناء نظام بديل موالٍ على غرار ما حدث في الحروب الناجحة الأخرى.
لماذا فشل تمكين ثمانية ملايين طالب وطالبة من التعليم، وثلاثين مليون مواطن من التطبيب والخدمات في تثبيت الحكومة الأفغانية الموالية يوماً واحداً، ورغم تسليحها قواتها، التي بلغت 300 ألف مقاتل، بأحدث الأسلحة؟
لم يوجد مشروع سياسي وطني، ولم توجد حقاً دولة وطنية، بل مؤسسات خدمية بلا انتماء، وكان من الطبيعي أن تنهار فور انسحاب القوة الأمريكية، التي كانت هي الرابط بينها والعمود الواقف.
عشرون عاماً أُهدرت على إدارة التفاصيل اليومية العسكرية والأمنية والبيروقراطية، دون أن تظهر قناعات أفغانية ومؤسسات تتبناها قادرة على تحفيز أحد على القتال دفاعاً من أجلها ومن أجل بلدهم.
أنا واثق أن أغلبية الأفغان ضد "طالبان"، هذه هي الطبيعة البشرية تنفر من مثل الجماعات المتطرفة، لكن هذه الأغلبية لم ترَ البديل، ولا الرابطة الوطنية التي يلتفون حولها.
للحديث بقية...
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة