مع بدء التفجيرات الإرهابية في كابول انطلق الحديث علانية عن خطر قادم في أفغانستان وما يجاورها ومناطق أخرى من العالم.
جاء ذلك من خلال التحذير من تنظيم "داعش خراسان"، والذي تفيد أحدث التقديرات بأن أعداد مقاتليه تتراوح بين 500 وبضعة آلاف.
وقد استغل تنظيم "داعش-ولاية خراسان" موقعه على الحدود الأفغانية الباكستانية لحشد الإمدادات والمجندين من المناطق القبلية في باكستان، فضلاً عن خبرة الجماعات المحلية الأخرى، التي أقام معها تحالفات عملياتية متماسكة ومستمرة حتى الآن.
وكان هذا التنظيم مرشحا لكي يخلُف تنظيم "داعش" الإرهابي، نظرا لتماسكه وتمدد دوره وعمله في دوائر متعددة، من خلال استراتيجية تجمع بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" وقت إنشائه لولايته في العراق وسوريا.
قد لا يكون من المهم الآن النظر إلى خطوة تشكيل حكومة وبناء مؤسسات شكلية في الدولة الأفغانية، باعتبارها تأكيدا أن حركة "طالبان" باتت حركة سياسية حقيقية لها برنامج عمل ومخطط للحكم، فمن المتوقع أن تدخل الحركة في مواجهات حقيقية على الأرض مع تنظيمي "القاعدة" وعناصره الحاشدة والموجودة في الأراضي الأفغانية، ولعلنا نتذكر كيف قامت عناصر تنظيم "داعش" بطرد حركة "طالبان" من جبال "تورا بورا" في 2017، وهو المكان الذي كان زعيم تنظيم "القاعدة" السابق، أسامة بن لادن، قد اتخذه مخبأ خلال فترة تحصيناته من الهجمات الأمريكية، إضافة إلى احتمالات استئناف التواصل بين قيادة تنظيم "داعش" المتوارية في سوريا والعراق، وبين فرع التنظيم في "خراسان"، والذي سيتم تعميقه في الفترة المقبلة.
لا يزال في الذاكرة أن تنظيم "خراسان" سبق أن تعرض لضربات تكتيكية من قبل قوات الأمن الأفغانية، وكذلك القوات الأمريكية وقوات الناتو، وحتى في بعض الأحيان من حركة "طالبان"، وبالتالي فإنه في الوقت الراهن سيعمل على إعادة تركيز قدراته، والاستفادة من دروس المواجهة السابقة، وإعادة لم شمل عناصره المشتتة.
ولعلنا نتذكر أيضا أن تنظيم "خراسان" نفسه تأسس على أيدي عناصر متطرفة من "طالبان باكستان"، الذين فروا إلى أفغانستان عندما شنت قوات الأمن الباكستانية حملة عليهم، ودخوله في مواجهات مع "طالبان" في أفغانستان للسيطرة على مناطق رئيسية على الحدود مع باكستان مرتبطة بتهريب المخدرات، وتنفيذه سلسلة تفجيرات انتحارية في كابول ومدن أخرى ضد الحكومة وأهداف عسكرية أجنبية، سعياً منه فيما يبدو لترسيخ صورته كحركة أشد عنفاً وتطرفا.
وبعد أن كان وجود التنظيم يقتصر على عدد محدود من مناطق حدودية مع باكستان، أنشأ جبهة ثانية رئيسية له في الأقاليم الشمالية، بما في ذلك منطقتا "جاوزجان" و"فارياب".
ويشير الواقع الراهن داخل تنظيم "داعش خراسان" إلى أنه يضم باكستانيين من جماعات متطرفة أخرى، ومتطرفين "أوزبك" إضافةً إلى أفغان، وهو الأمر الذي يعني أن "طالبان" لن تستطيع حكم أفغانستان في ظل هذه الأوضاع غير المستقرة.
وكدليل على التباين بين "طالبان" وتنظيم "داعش خراسان"، فقد وصفت بيانات للتنظيم عناصر حركة "طالبان" بـ"الكفار".
ولا شك أن "داعش خراسان" أصبح منذ عام 2018 واحدا من أكبر أربع تنظيمات إرهابية في العالم، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي التابع لمعهد الاقتصاد والسلام، ويقود التنظيم منذ يونيو 2020 شهاب المهاجر، الملقب بـ"سناء الله"، ومجموعة أخرى من القادة الجدد، الذين يعملون بعيدا عن الإعلام، ويمكن تتبع أنشطتهم من خلال مواقعهم على التطبيقات المعاصرة، خاصة أن تنظيم "داعش خراسان" يستهدف إعادة التموضع على الحدود مع باكستان، وإنشاء مناطق وجود رئيسية له في الأقاليم الشمالية، لا سيما مقاطعات "كونار" و"ننكرهار" و"نورستان"، وإعادة وضع خلايا نائمة له في أجزاء أخرى من باكستان وأفغانستان، بما في ذلك كابول.
وقد جاء بتقرير لمجلس الأمن الدولي مؤخرا أن تنظيم "خراسان" يتراوح عدده بين 500 وبضعة آلاف، في حين أن تقديرات أخرى تشير إلى وجود ما بين 8000 إلى 10000 مقاتل بين صفوفه من مختلف الجنسيات، ما سيعطي التنظيم فرصة لضم عناصر جديدة انطلاقا من "مزار شريف" في ولاية "بلخ"، شمال أفغانستان، التي ستكون منطلقا لهذا التنظيم في المشهد المقبل.
ووفقا لتقييمات أمريكية، فإن تنظيم "داعش خراسان" سيواجه حركة "طالبان"، وسيمثل تهديدا لآلاف الأفغان في الداخل، في ظل تقلبات لن تنتهي بسهولة، وترتيبات لكل طرف داخلي وإقليمي ودولي، بدليل انفتاح المخابرات المركزية الأمريكية وقيادتها على مسؤولين في "طالبان" لتبادل المعلومات، وبدء تكثيف التنسيق الأمني والاستراتيجي، تحسبا لما هو قادم، خاصة أن وجود تنظيم "داعش خراسان" قد يكون واحدا من الأسباب، التي قد تدفع المجتمع الدولي، خاصة أمريكا، إلى دعم "طالبان"، فيما سترى كل من الصين وروسيا أن "طالبان" دعامة للاستقرار، ولهذا ستُبقيان على سفارتيهما مفتوحتين في كابول، ما يعني أن بعض الدول بدأت تنظر لـ"طالبان" كحائط صد ضد تنظيم "داعش خراسان"، بدليل قيام دولة مثل روسيا بالحوار مع الحركة قبل أكثر من خمسة أعوام.
العالم مُطالب اليوم بتحديد موقفه في مواجهة تنظيم "داعش خراسان" أولا، أما الحديث عن "طالبان" واستيعابها كحركة سياسية، فهذا أمر آخر سيأتي في إطار ما تقوم به الحركة من ممارسات على أرض الواقع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة