"طالبان" تقضم المناطق تدريجيا.. تحاصر القوات الأفغانية، لا لتسيطر على أفغانستان فحسب، بل لتكون بؤرة تجمع لحركات الإسلام السياسي.
فهناك ستلتقي قريبا القاعدة مع الإخوان والدواعش، وغيرها من الجماعات التي تصنف على قوائم الإرهاب أمميا أو محليا في المنطقة والعالم.
لا ينطوي الأمر على توقعات، فكل تلك الجماعات باتت تعد العدة لتحجز لنفسها مقعدا في قبلة الإرهابيين الجديدة، أفغانستان.
هناك يمكنها أن تبني مراكز تدريب على السلاح والتفجير دون أن تخشى أحداً، ويمكنها أيضا أن تفتتح مدراس ومراكز تطرف تُخرج أجيالا من الإرهابيين الذين سيغزون قارة آسيا وأصقاع العالم بالكراهية والموت خلال سنوات.
تنظيم الإخوان يُجري اليوم مشاوراته الداخلية والخارجية ليظفر بـ"خصوصية" المكان، الذي لن يخشى الطرد أو الملاحقة فيه على المدى المنظور، فلن تنفيه "طالبان" عندما تنتهي وظيفته، كما فعلت به تركيا، ولن يخشى ملاحقة قانونية مثل تلك التي تحاصره في الدول الأوروبية بمجرد أن تفوح من أمواله أو سلوكه رائحة تطرف، خاصة أن تصنيف الجماعة كـ"إرهابية" في تلك الدول بات قاب قوسين أو أدنى.
ثمة إرث كبير للإخوان في أفغانستان، فالعديد من قادة طالبان والقاعدة يدينون بالولاء لهم، إذ كانت للجماعة، ولا تزال، منابر كثيرة لبثّ تعاليمها وثقافتها بين الأفغان منذ عقود، ولا يتطلب الأمر من الإخوان اليوم إلا بعض التفاهمات الممكنة مع "طالبان" بعد أن تسيطر على الدولة الأفغانية بحكم الأمر الواقع مع رحيل القوات الأمريكية من كابول.
القواسم المشتركة كثيرة، والإخوان يمكن أن يساوموا على أي شيء لضمان بقائهم واستمرارهم.
سيجد الإخوان في أفغانستان دعما من الإيرانيين أيضا، فحركات الإسلام السياسي تؤازر بعضها عندما يكون المقصد خراب دولة ما، أو استهداف السلام والأمن في بقعة جغرافية.
وتحافظ إيران على علاقات جيدة جدا مع الإخوان تتكشف كل فترة تفاصيلها، أو مؤامراتها بتعبير أدق، وليس من المستبعد أبداً أن يسمح الإيرانيون للإخوان بممارسة أنشطتهم وافتتاح مكاتب أو منابر لهم في طهران أو مدن إيرانية غيرها.
للنظام الإيراني أحلامه أيضاً في أفغانستان، فهو يتطلع إلى نسخة جديدة من "حزب الله" أو "الحشد الشعبي" في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، ومن خلال هذه النسخة يمارس الدور التخريبي الذي يجيده بكل دولة يحط رحاله فيها.
صحيفة "جمهوري إسلامي" الإيرانية تقول إن "الحشد الشيعي الأفغاني بات حقيقة"، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يبرر وجود هذا "الحشد" بالاستعداد لدعم حكومة كابول في حربها المقبلة مع "القاعدة"، إن وقعت.
مَن أطلق جماعة أفغانية في سوريا تحت اسم "الفاطميون" لن يصعب عليه تأسيس جماعة مشابهة في أفغانستان، حتى أن تقارير عدة تتحدث عن عودة بعض الأفغان من سوريا إلى وطنهم الأم ليشاركوا في تأسيس القوة الإيرانية هناك.
وهناك توقعات من مصادر مختلفة بأن تضم تلك القوة عشرات الآلاف من المسلحين، لتشكل عبئا كبيرا على الأمن الهش في تلك الدولة الآسيوية، التي بات العالم كله يخشى تفجرها بعد انسحاب القوات الأمريكية منها.
أما بالنسبة للمفاوضات، التي تحتضنها طهران بين حكومة كابول وحركة طالبان، فهي لا تعكس بأي حال من الأحوال خشية إيرانية على أمن أفغانستان وسلامة الأفغان، وإنما هي نوع من "التلصص" على ما يدور في خلد الطرفين، خاصة طالبان بعد الانسحاب الأمريكي، وهي أيضا محاولة لادخار بعض أوراق المساومة في هذا الملف المعقد، للاستفادة منها بشكل مباشر أو بيعها لطرف ثالث عندما تحين الساعة وينفجر الوضع الأمني هناك.
أما عن الدواعش، فإن روسيا، التي تبدو أكثر من يخشى وجودهم في أفغانستان لأسباب عدة، سلطت الضوء على ذلك الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة عبر غض الطرف عن تمدد عناصر داعش في مناطق عديدة شمال أفغانستان، حتى أن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، زمير كابولوف، أكد أن بلاده تلقت معلومات دقيقة عن تعاون مجموعة القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة مع تنظيم داعش الإرهابي في الأراضي الأفغانية.
المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، أكد في تصريحات صحفية قبل بضعة أيام، أن الحركة لن تسمح بوجود الدواعش في مناطق سيطرتها، وهذا التأكيد يعترف ببساطة بوجود التنظيم الإرهابي في أفغانستان، كما أنه يتنبأ بحرب مستعرة على الإرهاب هناك، لا أحد يدري من يشارك فيها، وإلى أين تمضي، ومن سيكون الرابح فيها، أما الخاسرون فهم حتما من المدنيين الأبرياء، إضافة إلى كل أشكال الحياة والحضارة في تلك البلاد.
النبوءة الأمريكية، التي باح بها وزير الدفاع لويد أوستن أمام الكونجرس مؤخرا، تتوقع أن تفجر التنظيمات الإرهابية في أفغانستان تهديدات حقيقية للمنطقة والعالم في غضون عامين فقط، وهذه التهديدات قد يتضاعف أثرها ويتسع تأثيرها إن ترافقت مع عوامل داخلية، مثل انهيار حكومة كابول أو حل القوات الأمنية الأفغانية، أو عوامل خارجية كوقوع صدام بين "طالبان" وقوات أجنبية قد ترغب في أن تحل محل القوات الأمريكية هناك.
كل هذه المعطيات تخلق إشارات استفهام كبيرة جدا حول مغزى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، التي تؤكد كل المؤشرات أنها ستتحول إلى قبلة التطرف الجديدة حول العالم.
ربما تريد الولايات المتحدة أن تسحب قواتها لتجلس وتتفرج على قنابل الإرهاب تنفجر في آسيا، أو تطير لبقاع كثيرة في القارات الأخرى، ومنها الأمريكية..
هل لدى واشنطن فعلا ما يضمن عدم تكرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أم أنها تريد أن تشن على خصومها بالمنطقة حربا عبر التنظيمات الإرهابية، التي تتجمع في أفغانستان وتتوق لأي عدو تقاتله؟
ثمة تحليلات وتفسيرات كثيرة اليوم للانسحاب الأمريكي، لا أحد يعرف أي منها هو الأدق، أو أي منها يعكس خطة حقيقية لأمريكا، إنْ وجدت طبعاً.
القاسمان المشتركان بين هذه التفسيرات هما أن الولايات المتحدة خسرت الحرب في أفغانستان، وأنها ورطت العالم بما يمكن أن يكون أكبر تجمع للإرهابيين في التاريخ الحديث للبشرية.. لن يتفاجأ أحد إن حدث ذلك فعلا، وسيتذكر الجميع ما قاله الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا قبل سنوات طويلة: "إذا كان هناك بلد ارتكب فظائع لا توصف في هذا العالم، فهو الولايات المتحدة الأمريكية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة