ستدور الإجابات حول احتمالات اندلاع حرب أهلية أو استمرار التدخلات الدولية، عندما نسأل عن الآثار المحتملة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
هذه الاحتمالات كلها مفتوحة وقابلة للتحقق، لكنها ليست كل شيء، فالحرب الأهلية ليست كل المخاطر التي نخشاها عندما تنسحب أمريكا من أفغانستان.
فبالنظر إلى تاريخ هذه الدولة، التي تسمى "مقبرة الإمبراطوريات"، وموقعها، فإن أمريكا، أكبر قوة في العالم، حاولت عبر عقدين من الزمان، أن تبحث عن بوابة تضمن لها خروجاً منتصراً من أفغانستان، لإدراكها حجم المعاناة من استمرارها في الداخل الأفغاني، مثلما عانت بريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي.
تاريخ أفغانستان مقلق بدرجة دولية، فهي دولة معتادة على الصراع وجبهات المقاومة والحروب، ويساعد على ذلك تلك التركيبة الديمغرافية لها، والمتكونة من طوائف يسهل تصنيفها بـ"المتناحرة"، عطفا على خلفياتها الأيديولوجية والمذهبية، وامتداد تلك الطوائف إلى الدول المحيطة بأفغانستان.
ومع أن "البشتون" هم من يشكلون الرقم الأكبر في سكان أفغانستان، فإن الرقم هنا لا يعنى كثيراً عند نشوب صراعات ومواجهات داخلية، خاصة أن هناك دولا حول أفغانستان قد تجد نفسها أمام عملية تأجيج مستمر لهذه التركيبة السكانية، فهذه الدولة تحتاج إلى أسئلة "دولية"، حتى يمكن إنقاذها من أن تكون محور صراع متجدد في العالم.
لن تقبل "طالبان" حكماً غير متوافق مع أيديولوجيتها في أفغانستان، هذا ما تؤكده في كل حواراتها، مع أمريكا تحديداً، تلك التي أتت إلى أفغانستان لتقضى على "طالبان".
"طالبان" تسعى إلى نظام حكم يتوافق مع رؤيتها، ولن تتوقف عن هذا المطلب حتى يتحقق، وتُبدى في الوقت نفسه عدم الثقة في الحكومة الأفغانية الحالية، وتراها "موالية للغرب".
إذاً، قضية أفغانستان معقدة وأكبر مما نتصور، وقد يكون الخروج الأمريكي منها فقط لإعطاء الفرصة لـ"طالبان" لكي تتمكن من إدارة البلاد، ثم بدء حوار سياسي بينها وبين أمريكا، فليس سهلا على الولايات المتحدة أن تخرج من أفغانستان مخلفة وراءها أكثر من 800 مليار دولار، صرفتها خلال عقدين، فهناك مقابل لا بد من قبضه أمام هذه المليارات المدفوعة، وخلف هذا الثمن قد تكمن المخاطر الاستراتيجية لهذا الانسحاب الأمريكي.
الخيارات مفتوحة أمام كل القوى، التي ترغب في أن تجرّب وضع أقدامها في أفغانستان، خاصة أن أمريكا تتمنى أن تحاول ذلك أكثر من دولة، خاصة الصين، رغم أن الحدود الأفغانية الصينية لا تتجاوز 80 كيلومترا، لكن الصين يهمها الصورة الجغرافية لأفغانستان، فمشروعات "الحزام والطريق" الصينية بحاجة إلى ممر أفغانستان، تلك الدولة التي تطل على مفترق طرق دولي عظيم وقريب من بحر "قزوين" المغلق والغارق في الثروات الطبيعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة