كانت أفغانستان هي الحرب الأمريكية الأولى خارجيا بعد فيتنام، والأطول منها زمناً.
وفي الحادي عشر من سبتمبر المقبل، وبعد أكثر من عشرين عاماً من وجوده العسكري، سيغادر الجيش الأمريكي "كابول"، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
ليس مصادفة فيما يبدو اختيار يوم الحادي عشر من سبتمبر لرحيل القوات الأمريكية عن أفغانستان، وهو ذكرى يوم الهجوم الإرهابي على برجي التجارة في الولايات المتحدة قبل عشرين عاماً، ذا الحدث الذي غير كثيرا من شكل العالم.
تأتي هذه الخطوة من إدارة الرئيس "بايدن" في إطار توجّهها الاستراتيجي بالتخفّف من أعباء الالتزامات العسكرية في العديد من المناطق، التي توجد فيها القوات الأمريكية، والتركيز على مواجهة الصين عبر تكثيف الوجود العسكري في شرق آسيا.
هنا يبدو التضارب في التحرك الأمريكي، فالانسحاب من أفغانستان دون ضبط المشهد الداخلي والتخلي عن الحكومة القائمة وترك المستقبل هناك مجهولاً، يبعث برسالة قوية بأن واشنطن صارت تواجه متاعب في القيام بدورها القيادي كقوة عالمية أولى.
الأمر لا يقتصر كما هو ظاهر على حالة أفغانستان، فالشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشهدان نفس التوجه من إدارة "بايدن" بتقليل الوجود العسكري الأمريكي فيهما.
على الأرض، نجد حركة طالبان، التي دخلت في مفاوضات سلام لا تزال تراوح مكانها مع الحكومة الأفغانية، استغلّت الاستعدادات الأمريكية لمغادرة أفغانستان، للتقدم نحو العاصمة الأفغانية، حيث حققت مكاسب كبيرة في مختلف أنحاء أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة، إذ سيطرت على أبرز معبر حدودي للبلاد مع طاجيكستان.
وتبدو الحكومة الأفغانية الحالية، التي تأسست طوال العقدين الماضيين بدعم حلف الناتو، غير قادرة تماماً على مواجهة "طالبان"، التي تُعِد نفسها لدخول العاصمة كابول بعد انتهاء انسحاب قوات الناتو، وهدفها الرئيس هو إعادة أفغانستان عقدين إلى الوراء بإعلان البلاد "إمارة إسلامية" دون شراكة مع أي طرف آخر.
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد خلص تقييم للاستخبارات الأمريكية إلى أن الحكومة الأفغانية قد تنهار بعد ستة أشهر من اكتمال الانسحاب العسكري الأمريكي، ومع ذلك فقد أكّد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن عملية الانسحاب من أفغانستان بلغت نسبة 50%، وأن مكاسب "طالبان" على الأرض لن تؤثر على القرار الأمريكي بالانسحاب.
المعضلة القادمة في أفغانستان ليست توقّع انهيار الحكومة في كابول، واستيلاء "طالبان" المتوقَّع على العاصمة فحسب، بل أيضاً التنافس الدولي بين باكستان والهند، والولايات المتحدة وروسيا والصين، ما يعني أن حرب الوكالة ستُهدد بتوسيع النزاعات هناك، وكذلك عودة التنظيمات الإرهابية إلى أفغانستان لإعادة ترتيب صفوفها، لتكون محطة انطلاق جديدة لهجمات إرهابية.
الشعب الأفغاني في العاصمة والمدن الكبرى قلِقٌ من عودة الأيام الصعبة مرة أخرى، وكثير من أفراده يستعدّون لفقدان وظائفهم، خاصة النساء اللاتي استطعن الحصول على فرص تعليم وتوظيف، الآن ستكون العودة إلى المنازل مرة أخرى كأسيرات للمجهول.
ولوقف ذاك المصير، الذي ينتظر أفغانستان، لا بديل عن جهود دولية حاسمة تدفع "طالبان" نحو طاولة المفاوضات مجدداً، للتوصل إلى تسوية لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة