باتت تحذيرات كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق، والتي أطلقها أواخر 2017 بشأن قيام ما أسماه "إمبراطورية إيرانية متطرفة" أقرب إلى الواقع.
جاءت تحذيرات عرّاب السياسة الأمريكية، كيسنجر، أواخر 2017، بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا، ومراوغة إيران في محاربة هذا التنظيم، بل ملء ثغراته عبر وجودها المؤدلج، وذلك في ظل وجود إبراهيم رئيسي كرئيس جديد لإيران، وهو المدرج بقائمة العقوبات الأمريكية لانتهاكه حقوق الإنسان، والمنتخب صورياً من الشعب الإيراني، الذي عزف أكثر من نصفه عن المشاركة في انتخابات الرئاسة، والذي مهَّد له "المرشد الأعلى" الطريق إلى منصب الرئيس بإزاحة كل منافسيه الإصلاحيين عبر ذراعه، مجلس صيانة الدستور.
التصوُّر لقادم الأيام تبدو ملامحه واضحة بشأن الاضطرابات وعدم الاستقرار، اللذين سيحلان على المنطقة بأكملها، بتعميق البُعد الديني العَقَدي لإيران، التي أضحت اليوم إحدى أخطر الأزمات في الشرق الأوسط.
ماذا ينتظر المنطقة من دمار وخراب وإرهاب إذاً، فيوماً ما اعتلى المتشددٌ إبراهيم رئيسي هرم السلطة القضائية، فحوّل مطرقته فوق رؤوس آلاف المعتقلين من المعارضة الإيرانية عام 1989، إذ كانت مصائرهم تحت قبضة لجنة، كان هو عضواً بها، وقد أُعدم هؤلاء عند انتهاء فترات محكومياتهم، لتكتب سطورهم أحداثاً من الأكثر دموية في تاريخ إيران، والتي لم يتم التحقيق فيها رسميا قط، فكيف سيتم البت فيها، وغيرها، وهي تخص رئيس دولة إيران اليوم؟
حملة الإعدامات في إيران تتواصل، إذ تُعدّ من بين الدول الأعلى عالميا في الإعدامات السياسية، إذ تم بها إعدام 246 عام 2020، حسب منظمة العفو الدولية.
هذا نموذج لما يحدث في الداخل الإيراني، بعيداً عما حدث ويحدث بيد أذرع ومليشيات إيران ضد آلاف الأرواح البريئة في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
ففي سوريا وثّق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مقتل 389 ألف شخص، منهم 117 ألف مدني، بينهم 22 ألف طفل، و14 ألف امرأة، وفي العراق ارتكبت مليشيات عراقية موالية لإيران مجازر ضد احتجاجات اندلعت في أكتوبر 2019، ضد الفساد والنفوذ الإيراني داخل العراق، وسقط في هذه الاحتجاجات نحو 740 قتيلا، وأصيب أكثر من 17 ألفاً.
كذلك الفوضى والأرواح المهدرة في لبنان عبر "حزب الله"، الذي يُعد من أكبر وأقوى المليشيات الموالية لإيران في المنطقة، كما أن الأمر يشتد ضراوة بمواصلة إيران تدريب مجموعات سرية من المليشيات، خاصة في العراق، تتبع الحرس الثوري الإيراني، وأفرادها مغيبون دينياً وفكرياً ويتم زرعهم في مناطق النزاع والفوضى.
لعلنا في الحياة العامة نجد الشخص الموصوم بألقاب تجلب له السمعة السيئة يميل إلى إظهار عكس حقيقته حتى يلقى القبول ممن حوله، فهل سيعي الرئيس الجديد في إيران هذه الدبلوماسية في منظومة التعامل السياسي الدولي أمام ملفات تنتظره، على رأسها التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة ومجموعة "5+1"، ويمهّد الطريق لرفع العقوبات الأمريكية عن بلده، ويحسّن اقتصادها، الذي يعاني بشدة، أم سيختار "رئيسي" منحنى آخر ليكتب فصلاً جديداً من فصول التعنت الإيراني في المنطقة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة