اقترح الرئيس التركي، رجب أردوغان، خلال قمة الناتو تأمين القوات التركية مطار العاصمة الأفغانية، المعروف بـ"مطار حامد كرزاي".
طرحُ الرئيس التركي يتزامن مع سحب الإدارة الأمريكية لقواتها من أفغانستان، وللفتور الذي يشوب العلاقات التركية بحلف "الأطلسي".
تشير التحليلات إلى أن حسابات تركيا في هذا الأمر قد تفتح باب نزاعات محلية وإقليمية جديدة، في ظل التقدم الكبير، الذي تحرزه حركة "طالبان" على الأرض الأفغانية، وتداخل الحسابات الإقليمية والدولية في أفغانستان، التي تمثل حساسية كبرى للصين وروسيا معاً.
فما الذي أرادته تركيا من طرحها هذا؟ وما حساباتها؟ وعلى ماذا تراهن؟.. أسئلة كثيرة تدفعنا إلى الحديث عن دوافع أنقرة من طرحها هذا، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- بهذا الطرح أرادت تركيا أن تقول للحلف الأطلسي أنها لا تزال تشكل أهمية للناتو في المناطق الحساسة، تحت زعم أنها قادرة على إيجاد حل للمعضلة الأفغانية.
2- توجيه رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة، مفادها أن تركيا لا تزال تنتمي استراتيجياًّ لحلف الأطلسي، وأن تقاربها مع روسيا كان تكتيكيا، وهي رسالة تليين للمواقف الأمريكية بُغية حل مشكلات كثيرة بين البلدين، بعد أن أخفق لقاء "بايدن-أردوغان" على هامش قمة "الأطلسي"، في التوصل إلى تفاهمات بشأنها، لذا فهناك من رأى أن الطرح التركي جاء تقرُّباً للإدارة الأمريكية.
واقعيا، فإن تركيا تراهن على إشراك باكستان، جارة أفغانستان والخبيرة بشؤونها، في مهمة تأمين مطار كابول، كما تراهن على كل من يقترب بصلة من "طالبان"، لضمان موافقة "طالبان" على دور تركي في المشهد الأفغاني في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
السؤال هنا: هل هذه الحسابات التركية يمكن أن تكون دقيقة؟
قراءة بسيطة للمشهد الأفغاني وللتشابكات الإقليمية والدولية في الساحة الأفغانية تضعنا أمام مخاطر جمّة، إذ ستورّط تركيا نفسها في أفغانستان، فالمهمة ليست سهلة، بل إنها كثيرة التحديات، وأهمها:
1- أن حركة طالبان، التي تشعر بنشوة الانتصار، أعلنت رفضها أي دور تركي، أو أجنبي عموماً، في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، ما يعني أن إمكانية مواجهة أي قوات تركية هناك قائمة، بل ومرجّحة، سواء من "طالبان" أو من أطراف أفغانية أخرى، خاصة أن الحكومة الأفغانية نفسها لم تعلن موافقتها على طرح تركيا، كما أن أيديولوجية "طالبان" وإعلانها نيتها في إقامة دولة "تطبق الشريعة الإسلامية"، يجعلان من الحلم تركيا لنيل موافقة "طالبان" على رغبتها في تأمين المطار أمراً مستبعداً.
2- رغم ترحيب أمريكا والناتو بطرح تركيا، فلا يبدو أن أحدا سيدعم تنفيذه، سواء فيما يتعلق بتمويل الحلف للقوات التركية، التي ستؤمِّن الحماية لمطار كابول والطرق الداخلة إليه والخارجة منه، مروراً برفض الناتو مشاركة باكستان في المهمة، وصولا إلى تأمين غطاء جوي لهذه للقوات.
3- الرفض، الذي أبدته المعارضة التركية على طرح دولته لحماية مطار كابول، في ظل المخاوف من وقوع خسائر في صفوف القوات التركية، ولسان حال هذه الأوساط يسأل: كيف لسياسة فشلت في سوريا وليبيا أن تنجح في أفغانستان؟
4- الطرح التركي يُقابَل برفض روسي كبير، وصيني بدرجة أقل، فأي نفوذ تركي في منطقة جيوسياسية حساسة، تمتد من أفغانستان إلى أوكرانيا، مروراً بأذربيجان، بالنسبة لموسكو مرفوض، ففي هذه المنطقة نشهد ما يشبه احتكاكاً روسيا-تركيا قد تعجز القواعد السابقة بين البلدين عن ضبط آليات تنسيقه، خاصة بعد إعلان موسكو رفضها إقامة تركيا قاعدة عسكرية في أذربيجان.
5- حلف الأطلسي نفسه اكتفى بـ"الترحيب" بطرح تركيا، دون إبداء أي استعداد للمشاركة في تنفيذه، خاصة فيما يتعلق بدعمه ماليا وعسكريا واستخباراتيا وتأمينا جويا، ولعل قيادة الحلف تستنكر: "إذا كان الانسحاب من أفغانستان هو قرار سياسي في حكم المنتهي، فلماذا البقاء فيها بدعم مقترح تركي غير مدروس؟
من الواضح أن هناك تحديات كبيرة أمام محاولة تركيا تلك، فهي أقرب إلى مغامرة، لعل جُل ما أرادته تركيا من ورائها هو البحث عن ورقة مساومات جديدة مع الدول الكبرى، من أجل إعطاء جرعة أمل لطموحاتها في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة