تعكس الكوارث الطبيعية هشاشة البنى التحتية للدول، لكنها في الوقت نفسه تفتح آفاقًا للتضامن الإنساني وإعادة صياغة العلاقات الدولية.
الزلزال الأخير الذي ضرب شرق أفغانستان لم يكن مجرد مأساة محلية، بل شكل منصة دبلوماسية وإنسانية استقطبت انتباه العالم العربي والدولي، ليؤكد أهمية توظيف الأزمة كفرصة لإطلاق الإصلاح الداخلي وتعزيز دور أفغانستان في المنطقة.
هذا التوازن بين الاستجابة الطارئة والإصلاح الاستراتيجي يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة السلطات المحلية والمجتمع الدولي على تحويل الكارثة إلى نقطة تحول.
أولًا: الدبلوماسية الإنسانية كنافذة للاندماج الدولي
المساعدات الدولية لم تقتصر على الإغاثة الطارئة، بل شكّلت أداة قوة ناعمة للدول لتعزيز حضورها في المشهد الأفغاني. فالتدخل العربي والأوروبي والآسيوي أظهر أن الأزمة يمكن أن تتحول إلى منصة لإعادة فتح قنوات التواصل مع كابول، بعيدًا عن الاعتراف السياسي الرسمي، ما يميز الحالة الأفغانية عن تجارب دول الجوار مثل باكستان وإيران، حيث استخدمت الكوارث لأغراض سياسية أو ضمن نطاق محدود من المساعدات الإنسانية.
ثانيًا: الدور الخليجي وأبعاده الإنسانية والدبلوماسية
شهدت الأزمة الأخيرة دورًا بارزًا لدول الخليج العربي، وعلى رأسها:
دولة الإمارات: واصلت تقديم الدعم الإنساني المستمر، بإرسال فرق البحث والإنقاذ والمساعدات الغذائية والطبية والخيام، إلى جانب جسر جوي مستمر نقل عشرات الأطنان من الإمدادات لتغطية احتياجات المتضررين، مؤكدة التزامها الثابت بالتضامن الإنساني على مدى عقود.
دولة قطر: تجاوزت حدود المساعدات التقليدية بإرسال أربع طائرات محملة بالمستشفيات الميدانية، والإمدادات الغذائية والطبية، ومواد الإيواء لتغطية آلاف المستفيدين.
كما قامت الدكتورة مريم بنت علي المسند، وزيرة الدولة للشؤون الاجتماعية، بزيارة رسمية لكابول، حاملة رسائل إنسانية ودبلوماسية للداخل والخارج، مؤكدة دعم قطر المستمر للشعب الأفغاني وتعزيز قنوات التواصل البناء مع السلطات المحلية.
ثالثًا: الحاجة إلى «زلزال إصلاحي» داخلي
يبقى السؤال المحوري: هل ترافق الكوارث الطبيعية إصلاحات هيكلية وإدارية تعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع؟ إنشاء مؤسسات تشاورية وإطلاق حوار وطني شامل مع القوى السياسية والفكرية التي تنبذ العنف يمكن أن يحقق زلزالًا إصلاحيًا يضاهي الزلزال الطبيعي في أثره البنيوي، ويضع البلاد على مسار التنمية المستدامة.
رابعًا: التحديات الإقليمية وضغط النزوح
رغم المساعدات المكثفة، لم تُفعّل دول الجوار سياسات للحد من تدفق النازحين والمهاجرين، ما يزيد العبء على الموارد المحلية. هذا الواقع يبرز أهمية مقاربة شاملة تجمع بين الإغاثة الفورية، الإصلاح الداخلي، والتفاهمات الإقليمية لضمان استقرار طويل الأمد.
خامسًا: تحويل الكارثة إلى فرصة استراتيجية
يمكن للزلزال الأخير أن يكون منصة لإطلاق مشاريع تنموية مستدامة في مجالات التعليم، الصحة، والبنية التحتية، وإعادة تعريف دور أفغانستان كمركز اقتصادي واستراتيجي. هذا التحول يحول المأساة الإنسانية إلى فرصة لإعادة بناء الدولة وتعزيز مكانتها الدولية.
الخاتمة
المرحلة الراهنة تتطلب مسؤولية مزدوجة: على السلطات المحلية قيادة الإصلاح الداخلي، وعلى المجتمع الدولي تقديم دعم متكامل ومستدام. يجب أن تتحول الكوارث الطبيعية إلى أدوات لإصلاح داخلي واستقرار إقليمي، ليتمكن الشعب الأفغاني من استعادة مكانة بلاده كمركز اقتصادي واستراتيجي في قلب آسيا، مع حماية مصالحه الوطنية على المدى الطويل
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة