قصص غير مروية.. أشهر صور أفغانستان تبوح بأسرارها
بعد مرور قرابة عام ونصف العام على سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، ما زال الأفغانيون ينظرون إلى الماضي نظرة الحالم، مترقبين المستقبل بمزيد من الأمل الممزوج بـ"الخوف".
ذلك الماضي والذي كانت النساء تسير فيه إلى دراستها أو قضاء حوائج منزلها دون الحاجة إلى مرافقة الذكور، ما زال الأفغانيون يحلمون بالعودة إليه مجددا، فيما السبيل إلى ذلك لم يتخط الآمال.
ومن ذلك الماضي الذي كان خاليًا من حركة طالبان، انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأفغانستان التي ولت بعد أن سيطرت عليها الحركة المسلحة في أغسطس/آب 2021.
تلك الصور والتي تظهر أفغانستان، كانت جزءًا من قرص صلب للمصور الأفغاني مظفر علي الذي هرب بعد سيطرة حركة طالبان على البلد الآسيوي.
"عنف شديد"
ونشأ مظفر علي، الذي يعيش في أديليد، كلاجئ في باكستان بعد أن فرت عائلته من أفغانستان في منتصف الثمانينيات، وحينما كان طفلاً، كانت الصور الوحيدة التي شاهدها عن موطنه هي من خلال التقويمات الجهادية الصادرة عن حركة طالبان والتقارير الإخبارية العرضية.
ومظفر علي من الهزارة، وهي مجموعة عرقية اضطهدت منذ فترة طويلة وواجهت عنفًا شديدًا من حركة طالبان بعد مغادرة الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام 1989.
وفيما كانت حقوق اللاجئين محدودة في باكستان، غادر علي المدرسة مبكرًا للعمل وإعالة أسرته، بحسب صحيفة "الغارديان"، التي تقول إنه عندما كان في السادسة عشرة من عمره، امتد الصراع عبر الحدود، وحينما هاجم انتحاري بعبوة ناسفة منطقة قرب منزله، ساعد علي في نقل الجثث، الذي كان بينهم أعضاء فريق كرة القدم.
وكان علي شابًا عندما تولت الحكومة المدعومة من الغرب السلطة في أفغانستان، فقرر العودة إلى منزله، قائلا: "أتيت إلى أفغانستان لأول مرة في عام 2004 وأدركت أنها أجمل بكثير من تلك الصور القديمة على التقويمات الجهادية. الناس يتوقون إلى السلام والتقدم ... كانوا سعداء جدًا بحقيقة أنه يمكنهم اختيار نائبهم ويمكنهم أن يكون لديهم ممثلين عنهم في البرلمان. وكانت النساء في الشوارع".
حصل علي على وظيفة في الأمم المتحدة كمحلل سياسي، مما منحه وصولاً فريدًا إلى بعض المناطق النائية في البلاد، مما دفعه لشراء كاميرا، أراد من خلالها توثيق جمال بلاده ومشاركتها مع شعبها.
كان هذا الرجل يستخدم كاميرا صندوقية للتصوير، والتي كان الشعب الأفغاني لا يزال يعتمد عليها في ذلك الوقت. لقد التقطت هذه الصورة في عام 2006 عندما كانت هذه القرية آمنة ومسالمة، لكن في وقت لاحق سقطت هذه القرية في يد طالبان وكان من المستحيل زيارتها، يقول علي عن الصورة.
"كان هناك طلاب يرتدون زي المدرسة الثانوية. أنهوا مدرستهم لهذا اليوم وعادوا إلى قريتهم الأصلية"، بحسب مظفر علي الذي قال إن هذه الصورة شهادة على الحرية التي كانت تتمتع بها هؤلاء الفتيات في الماضي، والتي فقدتها في ظل حركة طالبان.
التقطت صوره المبكرة في وادي غوبراند، في مقاطعة باروان، وهي منطقة جبلية مترامية الأطراف تربط مناطق الهزارة بكابول.
ويقول علي إن ذلك الوادي قريب من منطقة باغرام، التي أصبحت معروفة في الغرب بأنها موطن أكبر قاعدة أمريكية. وعلى بعد كيلومترات فقط، لم ير الكثير من رعايا ذلك الوادي كاميرا رقمية من قبل، فيما كان عليه في كثير من الأحيان يشرح لهم أن تلك الكاميرا ليست سلاحا.
في صوره، يُظهر علي أفغانستان كبلد من الجبال الشاسعة، وتراث قديم متعدد الثقافات، ومكان يمكن للمرأة أن تتحرك فيه بحرية، مشيرًا إلى أنه أراد أن يظهر شيئًا مختلفًا عن صور الحرب التي سيطرت على صورة البلاد.
قلعة في محافظة دايكوندي.
وادي كيسو في منطقة كيتي. بعد شهر من هذه الزيارة سقطت المدينة في أيدي طالبان. عُرف وادي كيسو باسم "جنة الهزارة" لقربه من المياه والأرض الخصبة.
منطقة سانجتخت بمقاطعة دايكوندي. قبل تولي طالبان زمام الأمور، كان بإمكان النساء التحرك دون إشراف من الذكور.
كان منجذبًا بشكل طبيعي إلى مراكز الهزارة السكانية، مثل مقاطعة دايكوندي النائية، حيث منحت الحكومة الوطنية الهزارة السيطرة عليها. وعلى الرغم من محدودية البنية التحتية، مما أدى إلى تفاقم الجفاف والمجاعة، إلا أن المنطقة تتمتع بسمعة طيبة في مستويات التعليم العالية.
لكن على عكس الجماعات العرقية الأخرى، رفض الهزارة التعاون مع حركة طالبان، وبحلول عام 2012، بعد أن نجا من هجوم لغم أرضي وعدة مواجهات قريبة مع مسؤولي طالبان، قرر علي الفرار، فأخذ ثمانية من أفراد أسرته، بينهم ابنته الصغيرة إلى إندونيسيا عبر باكستان.
في أفغانستان، كان من الشائع أن يقوم القادة العسكريون المحليون بالاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهي مصدر الحياة للعديد من عائلات الهزارة الريفية.
وأثناء سفره واجه علي النازحين، قائلا: "التقيت يوسف وعائلته في نيلي، عاصمة مقاطعة دايكوندي. رأيتهم يغسلون وجوههم وصافحته - كان يسير من وادي تشارساد خانا في منطقة ميرامور. لقد كانوا يسيرون لمدة 14 يومًا مع عائلته بأكملها لأن أحد أمراء الحرب المحليين استولى على أرضهم ولأن الحكومة كانت فاسدة للغاية لدرجة أنهم أصبحوا ضحايا".
مقاطعة دايكوندي في أوائل الشتاء.
ومع ازدياد قوة طالبان وتزايد المخاطر المرتبطة بكونه من الهزارة، وعامل في الأمم المتحدة ومصور فوتوغرافي، لم يعد بإمكان علي المخاطرة بسلامة أسرته. الآن ينظر إلى باميان، الأرض الروحية للهزارة، من خلال الصور الموجودة في مجموعته.
مطعم تقليدي في منطقة خضر بمحافظة دايكوندي. الملصقات المعلقة على الحائط هي من أول انتخابات ديمقراطية في أفغانستان عام 2005.
ثلاث فتيات من الهزارة في وادي كيساو.
وغالبًا ما يفكر علي في الأشخاص الموجودين في صوره؛ ففي حرب حصدت أرواح الآلاف، يكاد يكون من الحتمي ألا ينجو جميعهم.
في بلدة أوتما، في مقاطعة دايكوندي، وقف ثلاثة أولاد مبتسمين أمام علي في عام 2007. وسيطرت طالبان على دايكوندي في 14 أغسطس 2021، في اليوم السابق لدخول كابول.
ومنذ ذلك الحين وردت أنباء عن مصادرة أراض واحتجاز قسري وقتل. بعض صور علي، المصممة لالتقاط جمال وطنه، أصبحت صورًا مؤرقة لمن تركوا وراءهم.
أطفال يبتسمون أمام الكاميرا في أوتما، مقاطعة دايكوندي، عام 2007.
وبعد عامين من لجوئه في إندونيسيا، مُنح علي تأشيرة لجلب عائلته إلى أستراليا في عام 2015. يعيش علي الآن في إحدى ضواحي أديلايد.
وبصفته ناشطًا في مجال حقوق اللاجئين، يحاول الدفاع عن أولئك الذين تركوا وراءهم. لقد ارتبط بعمق بمنزله الجديد، لكنه يأمل يومًا ما في إعادة عدسته إلى موطنه الأصلي، بحسب "الغارديان"، التي نقلت عنه قوله: "في أفغانستان، هناك العديد من القصص التي يجب روايتها".