انسحاب واشنطن من أفغانستان.. هزيمة مذلة أم "أمريكا أولا"؟
بانسحاب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، بعد 20 عاما من المُقام هناك، ستتعاظم الأسئلة والتحليلات حول القرار، فيما ستتعدد الإجابات.
إجابات لن تخرج عن إطارين؛ إما اعتبار الانسحاب هزيمة مذلة للولايات المتحدة، وإما قراءة الأمر على أنه تطبيق استراتيجية عسكرية مدروسة، تجنب الجيش الأمريكي المزيد من الخسائر البشرية.
لم يكن الانسحاب من أفغانستان، الذي قرره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ودخولها قبل عقدين من الزمن، في عهد جورج بوش، قرار الرئيس الحالي، جو بايدن، لكن المسؤولية التاريخية ستقع على عاتقه، سواء كان الحكم كسر القوة الأمريكية التي لا تقهر، أو تطبيق مبدأ "أمريكا أولا"، وإنقاذ حياة المزيد من الجنود، وإعادتهم إلى عائلاتهم.
قوة لا تقهر
يشير مراقبون إلى أن الظاهر من الدلائل على الأرض أن سمعة الجيش الأمريكي الذي لا يقهر، وصورة واشنطن كقوة عظمى تضررت كثيرا، منذ قرار الانسحاب من أفغانستان، وزاد بعد جدولة الخروج الذي وصُف بالمهين، حتى اكتماله في الموعد الذي قرره بايدن، وأصرّت عليه طالبان.
فبدا أن أطول حرب خاضتها أمريكا انتهت بـ"إذلال كامل" منذ استولت طالبان على الريف، وانطلقت إلى المدن الرئيسية، وأسقطت الواحدة تلو الأخرى، حتى سقوط العاصمة كابول، كما يقول الكاتب الأمريكي مارتن جاك، في مقال نشرته صحيفة "جلوبال تايم"، هذا الشهر.
وانهارت سريعا الحكومة الأفغانية التي راهنت عليها الولايات المتحدة، واستثمرت في بنائها مليارات الدولارات، منذ إعلان واشنطن في أبريل / نيسان قرار الانسحاب، وحلّت مكانها حركة طالبان، التي دخلت القصر الرئاسي بعد فرار الرئيس أشرف غني الموالي لواشنطن.
تفرج قبل الكارثة
ومنذ ذلك الحين بدا أن الولايات المتحدة تقف كالمتفرج في بلدٍ سيطرت عليه 20 عاما، وأضحت لطالبان الكلمة الأولى، على مرأى الجنود الأمريكيّين الذين تركوا قواعدهم الكبرى في قندهار وباجرام، وغيرها نهبًا للأفغان، وتقلصت قوة واشنطن في حيز صغير من مطار حامد كارزاي بكابول.
وعلى مدى خمسة عشر يوما ظلت الولايات المتحدة تراقب الوضع، وسط فوضى إجلاء صعبة، لم تكملها واشنطن، على وقع ضغط طالبان للانسحاب بحلول نهاية أغسطس.
ثم كانت الكارثة التي حلّت بجيش الولايات المتحدة، حين استهدف تفجير لتنظيم داعش مطار كابول وسقط فيه 13 جنديا أمريكيا، كان قدرهم أن يكونوا آخر دمِ يسيل من أفراد القوات الأمريكية على أرض أفغانستان.
انسحاب مكلف
كان ترامب يرفع شعار "أمريكا أولا" خلال مأموريته لأربع سنوات، وتحت هذا العنوان قرر سحب الجنود الأمريكيّين من أفغانستان، لكن بايدن حين تولى منصبه، وعد باستعادة قيادة أمريكا على المسرح العالمي، وتعهد بأن يكون الانسحاب من أفغانستان "آمنًا ومنظمًا"، مع إعطاء الأولوية لسلامة القوات الأمريكية.
ودافع بايدن عن ما رآه كثير من المحللين جرّ أذيال الخيبة بأفغانستان، بتحميل المسؤولية لضعف الحكومة الأفغانية السابقة، التي كلفت خزينة واشنطن 80 مليار دولار، صُرفت على التدريب والمعدات، وتبخر كل ذلك في لمح بصر.
وفي دفاعه المستميت عن قرار الانسحاب رغم الخسائر، وتشويه صورة واشنطن في العالم كقوة عظمى، يقول بايدن إنه "لم يكن أبدًا على قناعة بوجوب التضحية بأرواح الأمريكيين لمحاولة إقامة حكومة ديمقراطية في أفغانستان، التي لم تكن أبدًا دولة موحدة في تاريخها بأكمله، قبائل مختلفة لم تتعاون أبدًا مع بعضها البعض".
هذا الواقع الذي أدركه بايدن وهو يتحمل مسؤولية تاريخية، سيتكرر الحديث حوله كثيرا، خلال السنوات القادمة، على أنه ترك خيبة أمل كبيرة لدى حلفاء واشنطن، فيما لن يكون الرأي العام الأمريكي فيه على قلب رجل واحد، فبين الهزيمة، وخيار الانسحاب بأقل الخسائر خيط رفيع يصعب الحسم فيه.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز