تقليص «المظلة الأمريكية» بأفريقيا.. فراغ أمني يفاقم تحدي تطويق الإرهاب

"ما كنا نفعله سابقًا، قد لا نفعله الآن". عبارة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، لخص بها الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، ملامح التحول الجاري في السياسة الأمنية الأمريكية تجاه القارة السمراء.
تحول يشير إلى أن واشنطن لم تعد مستعدة للاضطلاع بالدور الأمني نفسه الذي لعبته لعقود، بل تدفع الدول الأفريقية بما فيها الصومال نحو تحمل مسؤولية أكبر في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية.
ومع إعلان الجنرال مايكل لانغلي، تقليص الدعم التقليدي المقدم للدول الأفريقية، تثور الأسئلة حول مَن سيملأ الفراغ الأمني الذي قد تخلفه واشنطن؟، وما إذا كانت الجيوش الوطنية قادرة فعلاً على التصدي لخطر الجماعات المتطرفة دون مظلة أمريكية؟.
وخلال حديثه للصحفين عقب اجتماعه مع قادة الدفاع الأفارقة في نيروبي، لم يخفِ الجنرال لانغلي طبيعة التحول الجاري، وقال "ما كنا نفعله سابقًا، قد لا نفعله الآن".
ودعا الدول الأفريقية، بما فيها الصومال، إلى "تقاسم المسؤولية" وتحمل العبء الأمني بشكل أكبر.
ويأتي هذا التحول في النهج الأميركي فيما موجة الإرهاب تتصاعد في عدة مناطق في القارة السمراء، وكسب التنظيمات المتطرفة مناطق نفوذ جديدة فيها، ما يطرح تساؤلات حول مخاطر تقليص المساعدات الأمريكية على مكافحة الإرهاب، فضلا عن مدى نجاح الاعتماد على شركاء محللين لمحاربة الإرهاب في هذه المنطقة.
ويرى ، آدم جبريل، الباحث والمحلل السياسي في الشأن الأفريقي، أن تصريحات قائد "أفريكوم" الأخيرة تسلط الضوء على نقطة تحول في المقاربة الأمريكية تجاه الأمن في أفريقيا، حيث بات واضحا أن واشنطن تعيد ضبط أولوياتها الاستراتيجية، وتطالب شركاءها الأفارقة بتحمل عبء أكبر في مواجهة الإرهاب.
وقال جبريل، في حديث لـ "العين الإخبارية"، إن التساؤل الراهن والجوهري الآن هو: هل أفريقيا مستعدة فعلاً لملء هذا الفراغ؟.
وأضاف "الواقع هو أن معظم الجيوش الإفريقية، رغم تقدمها النسبي، لا تزال تعاني من مشكلات هيكلية مثل ضعف التجهيز، انقسام الولاءات، ونقص القدرة الاستخباراتية والتنسيقية، وبالتالي ملء الفراغ الأمريكي لن يحدث بشكل فوري بل يجب أن تكون العملية طويلة الأمد، إذ تتطلب إصلاحات مؤسسية عميقة".
وأوضح أنه "في حالة مثل الصومال، لا تزال الدولة تعتمد على الدعم الدولي في الأمن وهو ما يجعل فكرة ملء الفراغ بشكل كامل غير واقعية حاليا".
وأكد جبريل أن تقليص المساعدات الأمريكية يفتح المجال أمام فراغ أمني فعلي، خاصة في مناطق مثل الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي، حيث تفتقر دولها للقدرة الذاتية على تغطية التكاليف العملياتية ومجابهة الجماعات الإرهابية.
وتابع "على الرغم من أن الشركاء المحليين يملكون الإرادة في بعض الحالات، لكنهم يفتقرون إلى الموارد، والتكنولوجيا، وأحيانا حتى إلى الشرعية السياسية. لذلك فإن الاعتماد الحصري عليهم قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ما لم يُقترن ببناء قدرات حقيقية وشراكة استراتيجية طويلة المدى، لا مجرد نقل العبء".
من جانبه، قال زكريا إبراهيم، الباحث في شؤون القرن الأفريقي، إن تصريحات الجنرال لانغلي تعبر بوضوح عن تحول في فلسفة التدخل الأمريكي في أفريقيا، من قيادة العمليات إلى تقديم الدعم المشروط.
وقال إبراهيم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الدولي الأوسع، بما في ذلك انشغال واشنطن بملفات كبرى كالصين وأوكرانيا والشرق الأوسط.
وحول إمكانية ملء دول أفريقيا فراغ الانسحاب الأمريكي الذي سيحدث، قال ابراهيم، إن القارة ليست كيانا موحدا، وإمكانية سد هذا الفراغ تتفاوت من دولة لأخرى، مشيرا إلى أن أغلب الدول المتأثرة بالإرهاب، مثل الصومال ومالي وبوركينا فاسو، تعاني من هشاشة مؤسساتية وهو ما يجعل عملية ملء الفراغ الأمريكي تحديا كبيرا، ما لم تتم على مراحل مدروسة وبمساعدة تنسيقية إقليمية.
وأكد إبراهيم أن تقليص المساعدات الأمريكية سيخلف تداعيات كبيرة، وقال "المساعدات الأمريكية لم تكن مجرد تمويل، بل تتضمن معلومات استخباراتية دقيقة، وتدريبا متخصصا، ودعما لوجستيا بالغ الأهمية وبالتالي غياب هذا الدور لا يخلق فراغا ماديا فقط، بل أيضا رمزيا ومعنويا تستفيد منه الجماعات المتطرفة لتعزيز خطابها وتجنيدها".
وحول ما إذا كان الاعتماد على الشركاء المحليين كافٍ في مواجهة الإرهاب، أوضح إبراهيم أن الشركاء المحللين جزء من الحل، لكن لا يمكن تحميلهم المسؤولية الكاملة.
وتابع "ما تريده الولايات المتحدة من خلال تصريحات لانغلي، هو أنها لم تعد ترغب في التورط المباشر بالعمليات، ولكنها لن تتخلى كليا عن الأمر، وهي إستراتيجية تسعى من خلالها لأن تتحمل أفريقيا المسؤولية بقدر أكبر، بشرط أن تظهر قياداتها المحلية قدرة واضحة على ضبط الأمن ومحاربة التطرف".
وأشار إلى أن "المسألة ليست انسحابا، بل إعادة توزيع للأدوار"، لافتا إلى أن هذا التحول الأمريكي قد يكون فرصة اختبار لقدرة القارة على النهوض بأمنها دون الاعتماد الكامل على الخارج.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODQg جزيرة ام اند امز