بين فكي «داعش» و«القاعدة».. «ميناكا المفخخة» تفاقم أوجاع الساحل الأفريقي

يتنافس عليها الإرهابيون لموقعها الاستراتيجي الذي يوفر غطاء للاختباء والتهريب، ولكن أيضا باعتبارها قاعدة خلفية مهمة نحو ساحل أفريقيا.
مدينة ميناكا الواقعة في الولاية التي تحمل نفس الاسم بإقليم أزواد شمال شرق مالي، لا تزال حتى اليوم تحت حصار الإرهابيين ضمن صراع أوسع يستهدف ساحل أفريقيا، هناك حيث حوّل الفراغ الأمني المنطقة لمركز تطرف عنيف.
وتقع المدينة على الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، ويستهدفها داعش بالسنوات الأخيرة، ممثلا بفصيلين تابعين للتنظيم، وهما «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» و«داعش في الصحراء الكبرى»، وأيضا تنظيم القاعدة.
مسبحة وحذاء وشبهات
الحصار حوّل المدينة إلى نقطة مقفرة تنعدم فيها الحركة بأوامر من المسلحين الذين يطوقونها ويمنعون دخول البضائع إليها، ما جعل السكان يعانون من الجوع لعجزهم عن توفير أدنى احتياجاتهم اليومية.
وفي هذا السياق المشحون بالرعب، اختطف مسلحون يشتبه بانتمائهم إلى داعش رئيس المجتمع المدني بالمدينة سيدي بركة.
وبحسب إذاعة فرنسا الدولية (آر آف آي)، في تقرير طالعته «العين الإخبارية»، فقذ جرى اختطاف بركة في وسط المدينة على يد مهاجمين مجهولين.
وأضافت الإذاعة أن الشبهات تحوم بقوة حول إرهابيين من داعش في منطقة الساحل، مشيرة إلى أن الرجل كان يخرج من المسجد ويعود إلى منزله بسلام ما بين الساعة السابعة والنصف مساءً وحتى السادسة مساءً من كل يوم.
لكن وبحسب مرافقي "سيدي بركة" ومسؤولين محليين اتصلت بهم إذاعة فرنسا الدولية، كان رجلان على متن دراجة نارية في انتظاره بالقرب من منزله.
وبعد ترهيبه ومنعه من الفرار عبر إطلاق النار في الهواء، اقتاده المهاجمان بالقوة، وتقول بعض المصادر إن مسبحته وحذاءه وجدا على الأرض.
ووفق المصدر نفسه، فإن "سيدي بركة" شخصية محلية معروفة للجميع، وفي السنوات الأخيرة، دافع بشكل خاص عن عشرات الآلاف من النازحين داخليا الذين غادروا مناطق المنطقة بحثا عن ملجأ في بلدة ميناكا، هربا من تنظيم داعش في الساحل.
ويسيطر فرع الساحل من تنظيم داعش على المنطقة بأكملها تقريبا، وقد احتجز مؤخرا رهائن في النيجر المجاورة، ويعتقد أنهم محتجزون في منطقة ميناكا.
ويجري حاليا تعبئة الجيش المالي و«حركة إنقاذ أزواد»، وهي جماعة مسلحة محلية تتعاون مع القوات المالية، للبحث عن المختطفين.
داعش وميناكا
لم يكن اختيار داعش أو القاعدة لميناكا اعتباطيا، مع أن التنظيم الأول يسيطر حتى الآن على الجزء الأكبر من المدينة، ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف إلى المدن الكبيرة في أزواد والدول الجوار.
وما يضع المدينة في قلب أطماع الإرهابيين هو موقعها الاستراتيجي على المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ما يجعلها من أبرز نقاط تهريب المسلحين والسلاح والمخدرات والوقود والمهاجرين.
وجميع هذه الأنشطة تعد شرايين إمدادات وتمويل توفر للإرهابيين أموالا ضخمة.
كما أن المنطقة غنية بالنفط والغاز، وهذا لوحده كافٍ لأن يدخلها بقوة لدائرة أطماع الإرهابيين والعصابات وقطاع الطرق، ما يفسر الوضع الذي تعاني منه منذ 2022 وحتى اليوم.
وعلاوة على ذلك، فإن المدينة توفر للمسلحين موقعا استراتيجيا للاختباء، ما يعني أيضا أنها توفر ملاذا آمنا ونقطة للهروب السريع في حال مطاردتها من القوات الحكومية أو تنظيمات مسلحة منافسة.
كما أنها تشكل قاعدة خلفية للإرهابيين ينطلقون منها لتنفيذ عملياتهم على حدود الدول المجاورة.
معاناة وغضب
في 19 أبريل/نيسان الماضي، نشر تجمع جمعيات بالمدينة بيانا ندد فيه بـ«استمرار الهجمات الإرهابية» و«تزايد أعداد النازحين»، في انهيار للوضع الأمني فجر غضبا محليا متزايدا.
وفي أغسطس/آب 2023، اندلعت مظاهرات أعقبت سلسلة من الهجمات الإرهابية في المنطقة، وتخللتها شعارات منددة بانعدام الأمن، أصيب خلالها عدد كبير من الأشخاص.
ومنذ 2012، تشهد مالي أعمال عنف تنفذها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، وأخرى تمارسها مجموعات للدفاع عن النفس، وقطاع الطرق، في أزمة أمنية تتزامن مع أخرى إنسانية وسياسية عميقة.
وامتد العنف إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، وعجل في وصول الأنظمة العسكرية إلى السلطة من خلال انقلابات في هذه البلدان الثلاثة.
وقطعت مالي وبوركينا فاسو والنيجر تحالفها القديم مع فرنسا، القوة المهيمنة السابقة، والتفتت عسكريا وسياسيا إلى روسيا، وشكلت تحالف دول الساحل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كما أعلنت انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ومؤخرا، كشف محققون من مركز أبحاث تسليح الصراعات عن نتائج دراسة واسعة النطاق بشأن تتبع مصدر الترسانات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي.
وبحسب التقرير، فإن الغالبية العظمى من هذه الأسلحة تعود لعقود من الزمن، وقد تم اختلاس جزء كبير منها من مخزونات جيوش المنطقة.
فيما أحصت منطقة الساحل في 2024 أكثر من نصف الوفيات ذات صلة بالإرهاب في العالم، أي ما يعادل 51% من إجمالي الوفيات في العالم بأسره، وهو رقم قياسي تاريخي وفق مؤشر الإرهاب العالمي 2025.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTUg
جزيرة ام اند امز